الشهادة الشاهدة الكبرى على مآسينا
محمد عبدالله فضل الله
لا نريد دعاة وتجاراً بالدين يخدمون أعداء الشهادة ويمعنون في تكريس الاستغلال والتبعية واستحمار الناس (مروان بو حيدر)
لم تحظ واقعة في التاريخ القديم والمعاصر مثلما حظيت واقعة كربلاء عام 61 هجرية، التي أضحت عنواناً نابضاً وشاهداً بغزارة وقوة على ساحات الصراع بين الحق والباطل التي تنضح اليوم بكثير من فصولها المتشابكة التي تطاول لقمة العيش والمصير وكل ما يلف الحياة من قضايا.
قضية كربلاء هي ألمٌ يختلط بأمل وقصة تختصر في ثناياها جملة من التأوهات والصرخات التي يتوالد منها الرفض لواقع مرسوم ومفروض على الناس يحرمهم السرور والفرح ويشل فكرهم وإرادتهم ويمعن في تسطيح وعيهم وتجهيلهم، فلقد كانت لروح الحسين استعدادات وقابليات لمشيئة ربانية، كما كان لشهيد المسيحية عيسى بن مريم هذه القابليات التي احتوشها الزمن وتجاربه لتعصر منها أروع تجربة بشرية شاهدة على الحق في وجه الباطل والانحراف السياسي والاجتماعي والعقيدي والمعرفي.
كلما كنت مقاوماً للانحراف فإنك تقترب من معنى الشهادة وتتلبسها في مشاعرك وتعيشها سلوكاً وموقفاً يبرز مدى انتظام لحظاتك الإنسانية المؤثرة في المشهد العام، فلم يعد للفردانية قيمة أمام قيمة ما ستتركه في الحياة من أثر مستمر لا يعرف المحدودية، فكلما كنت كذلك كنت حسينياً أو عيسوياً مبشراً أو شهيداً وشاهداً.
لقد جعل الحسين بن علي، كما المسيح بن مريم، من الزمن قطعة واحدة حية بلا فواصل، عابقة بالخلود، معطرة بأريج الشهادة، وكان مصداق الصالحين بالقول والفعل والفكر والدم، فالشهادة قيمة تدفع المجتمع إلى التماسك والقوة والثبات، تستحث عاطفة الناس وعقولهم نحو التمسك بالقيم التي تمنحهم الإطلاق والكمال والترفع والتسامي في وقت الخنوع والخضوع والتواكل والاستكانة إلى النزوات والأهواء والمصالح.
فالشهيد والشهادة صنوان، الأول يمنح دمه ويضحي بروحه، والثانية وسام يعلق على سلم الخلود ويوسم الحياة بمزيد من الوضوح إلى أي جهة ينتمي الإنسان في موقفه السياسي والديني والاجتماعي، هل هو متذبذب؟ هل يبيع الناس ومصيرهم بحفنة من المال أو الجاه؟ هل يتزلف إلى الحاكم والسلطان ويشتري بحق الناس ثمناً قليلاً؟
لم يعد اليوم من قدسية لشيء، لا فداء لا تضحية، لا قداسة سوى لدماء زهقت وتزهق خالصة لوجه الله على رغم دناءة من يحاول استثمارها، ثلة من شهداء أرادوا أن يبقى زماننا موصولاً بزمن الشهادة الطاهرة النقية، فحتى الحسين بن علي لم يسلم من التجار في السياسة والدين، فنحن في وقت محرم، فجأة يصبح كثيرون متدينون وتسمع بأناشيد ولطميات على مكبرات الصوت وفي الشوارع والساحات والمحال وفي السيارات، فجأة تحول الجميع إلى حسينيين، فالأطفال عليها عصائب وترتدي الأسود وحتى النساء والرجال والشباب، الجميع في مظهر عجيب، هم في هذا الوقت حسينيون وفي واقع الحال كثيرون في عقليتهم وتفاعلهم مع قضايا الناس وأوضاعهم وعلاقاتهم يزيديون.
نحن نتمنى أن يتحول البعض من أناس وحتى خطباء ووعاظ من ذهنية ممارسة الشكليات والمظاهر والشعائر وأن يرتقوا بهذه القضية إلى ما تستحق من إثارات فكرية وعقيدية متصلة بهموم الناس وتربيتهم على القيم وزرعها في وجدان الفرد والمجتمع، وألا يستغرقوا في حشد المبالغات والخرافات المتعلقة بالذكرى الحسينية. فلقد شبع الواقع أسطرة وخروجاً عن جادة الصواب وإدمان التورم في الشعور الديني في وقت نحن بأمس الحاجة إلى العودة إلى أرض الواقع وتأصيل مفاهيمنا وقيمنا والتركيز على البعد الاجتماعي والإصلاحي للناس. فالشهادة تعبير راق عن رسالة السماء إلى أهل الأرض كي يكونوا واقعيين حتى يتعرفوا إلى تنظيم حركتهم في الحياة وتنسيقها بما يلزم، بعيداً من الضبابية والغوغائية، فلم تكن قضية الحسين غيبية، بل هي من قلب تحديات الواقع. كانت رسالة إصلاحية اجتماعية إنسانية، منحت الوجود كله حركية وحيوية. من يتاجر بلقمة عيش الناس ويساهم في إفساد حياتهم واستغلال أوضاعهم فهو في صف الباطل، فما نفع مجالس وخطب رنانة وهي غير قادرة على التأثير في ما يحيط بها من أماكن الفقر والجهل والضياع والتقهقر التي تتلمسها عندما تخرج مباشرة من مجلسك العاشورائي وعلى بعد أمتار قليلة.
كم من فساد سياسي يتم الحديث عنه يومياً وعند المحك لا تسميات
هل من يفني أنانياته وأهواءه ومصالحه في سبيل الجماعة في حاضرها ومستقبلها؟ وهل من يقدم الشهادة في كل مواقع الحياة من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السياسة والفكر والكلمة والقلب والسلوك؟
ألم تكن ثورة الحسين لرفع الحرمان والقضاء على الفقر وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ورفع الغبن عن كاهل الناس وتأسيس وعيهم وفتح نوافذ النور في قلوبهم وعقولهم، ترى هل نستطيع أن نواجه زعيماً طائفياً أو حزبياً أو متنفذاً يسهم في فقرنا وفساد أحوالنا؟! ونتسلح بالقوة وجرأة الموقف وتسميته ومحاسبته كي يرتدع غيره؟!
لم يعد الواقع يحتمل اجتراراً للكلام والشعارات الكبيرة غير المقترنة بأفعال تساويها في الكبرياء والعنفوان، بل بحاجة إلى شهداء مخلصين يرفدون المجتمع بدماء جديدة واعية منتجة مبدعة مترفعة عن الصغائر وقساوة الأنا، متفكرة خارج حدود هذه الأنا التي لا تزال تمعن في تغييبنا كلياً عن الفعل المؤثر الذي ينقلنا من حال «الستاتيك سوسيال» أو الجمود المجتمعي إلى حال «الديناميك سوسيال» أو الحركة والحيوية الاجتماعية التي تلغي كل فروقات وحواجز تمنع التواصل والاندماج والتكافل والتعارف والتوحد والمشاركة.
نتمنى ألا يكون بعض خطباء منبر الحسين ممن يخدمون من يريد الاستخفاف بعقول الناس وبرمجتها وفق مصالحه ومنافعه الخاصة والضيقة، بل أن يكونوا صوتاً واعياً ناطقاً بسمو شهادة الحسين وشهادة عيسى. كيف يمكنك أن تكون «خادماً للحسين عليه السلام» (وهو مصطلح دارج شعبياً) وأنت لا تملك وعي الحسين وروحه وإخلاصه وتضحيته وفداءه ورفعته وعزته وقوله بالحق والصدع به في وجه السلاطين والظلمة. لا نريد دعاة وتجاراً بالدين يخدمون أعداء الشهادة ويمعنون في تكريس الاستغلال والتبعية واستحمار الناس بدل فتح عقولهم ومشاعرهم على كل قيمة ومعنى ومضامين ترتقي بهم. قال المفكر الحر علي شريعتي في كتابه «الحسين وارث آدم»: «وعلى العكس مما يتصوره المثقفون المتغربون البعيدون عن الواقع، فإن المثقف الواعي المتدين الذي يبحث عن آماله وطموحاته الإنسانية في إيمانه وعقائده ونصوص ثقافته الدينية يعيش وسط المجتمع المتدين أكثر غربة ووحدة؛ لأن عرض الدين بشكل واع يبعث على التحرك والتنوير يغيظ ــ قبل كل شيء ــ القوى الدينية الرسمية ويقحمها في مواجهة ضاربة وحرب عصيبة قاسية، فالدين التقليدي المسكن ــ كما كان على طول خط التاريخ ــ قاعدة مشتركة للاستعمار الأجنبي، والاستغلال الطبقي، والاستبداد السياسي، والاستحمار الفكري والعقلي، يتحصن فيه هؤلاء الأربعة متى داهمهم خطر الدين الاجتهادي الثوري وهو يدعو إلى رص الصفوف وتوحيد الموقف ضد العدو المشترك على رغم الاختلافات والمفارقات الموجودة بين أتباعه... يتحول هؤلاء الأقطاب يداً واحدة لقمعه وإبادته بلا هوادة...»، ويضيف شريعتي ممتعضاً من واقع الحال: «ثلاثة ينتظمها محور: فرعون وقارون وبلعم... فروع ثلاثة لسمسار واحد: القصر والدكان والمعبد، عاد كل واحد منهم يزاول عمله الأبدي: الاستبداد والاستغلال والاستحمار... عاد الثالوث... فمثل مصداقاً للآية: (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، و(ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين). فإن رأينا أنه لا عزة للمؤمنين بل هم أذلاء، والكفار أعلى منهم ومتفوقون عليهم شعوراً وثقافة واقتصاداً وحضارة وقوة عسكرية... ينبغي أن نؤمن أن إيماننا مبدول وأنهم أفهمونا الإسلام مقلوباً... مثلث السيف والذهب والمسبحة، الأول يشد رؤوس الخلق بالأغلال، والثاني يخلي جيوبهم... والثالث يعظه هامساً في أذنه هادئاً حنوناً بلهجة فياضة بحب الخير والحكمة، وبشكل فيه تعاطف: اصبر يا أخي، أخلي باطنك من الطعام حتى ترى فيه نور المعرفة... دع الدنيا لأهلها يا أخي... وعمر منزل آخرتك... أي تدبير لك مع وجود التقدير... لقد أُعطي كل إنسان نصيبه من العطاء أو عدمه... كن شاكراً فالخير فيما وقع... الدنيا دار المحنة والذلة والفقر، وبالنسبة للمؤمن... اجعل جوعك رأس مال غفران ذنوبك!!!».
نرفع الصوت مع شريعتي، فلم يعد واقعنا يحتمل فراعنة وأزلام فراعنة ولا لقارون وأعوانه وجنوده ولا لتلون رجال دين وسياسة وزيفهم، ولا للاستبداد وقمع الحرية وسلب العقول والمتاجرة بمشاعر الناس وعواطفهم، ولا لاستغلال البساطة وإبدالها بالنفخ ليل نهار في أبواق العصبية المذهبية ونشر الفتنة وتشتيت قوى الأمة ومصادرة قرارها، ولا لاستحمار الوعي وتقزيمه على حساب الحق والانتصار للحقيقة الشاهدة على منسوب وجود الإنسان وحضوره في ساحات التقدم والرقي، في ساحات الوجود أمام الخالق الذي يريد عباداً على قدر معرفته وليس أناساً مشلولي الإرادة والتفكير.
لطالما تقاطعت المصالح والأهواء على مصادرة فعالية الإنسان وحاكميته، وفي كل عام نصل إلى أجواء الحزن الحسيني لنمعن في دفن الرؤوس في الرمال كالنعام، ونقوم بصخب شعائري حزين وعبثي من ضرب رؤوس وسلاسل على الظهور ومسيرات غير منضبطة في عناوينها وممارساتها وبكلمات لا يرتضيها أئمتنا لنا (كمثل ما هو دارج من موشحات رثائية أنا عبد لفلانة وعبد لفلان) وهم قد ناضلوا من أجل كرامة الإنسان واحترام مكانته ونحن نشهد على مآسي الواقع. ألم يحن الوقت لتفاعل يمتزج فيه العقل مع العاطفة لتولد جيلاً يفهم معنى الشهادة ويحمل خشبة خلاص المجتمع فيعود إلى رشده ولا يأله فلاناً أو زعيماً أو حزباً أو عائلة، ولا ينغمس في أجواء انفعالية لا تغذي عقله وتفصله عن واقعه، بل إنسان يفدي مجتمعه من كل قيود وينطلق به نحو فضاء حر ورحب حيث يستخلص من الشهادة روحاً جديدة يضخها في عروق الأمة المتيبسة.
وإلى أن نصل إلى زمن النباهة الاجتماعية ونعي رسالتنا ودورنا ومسؤولياتنا سيبقى الواقع ينزف. وسيبقى الحق يذبح بسيوف الظالمين والمخادعين والمتزلفين وسنبقى بعيدين من معايشة معنى الشهادة والتسلح بها. وسنبقى نجلد أنفسنا بلا طائل والحسين ينادينا من ضمير خالد «لا تفروا فرار العبيد ولا تبايعوا مبايعة الذليل». واجهوا مسؤولياتكم وترجموا انتماءكم ولا تبيعوا موقفكم وأرضكم ومصيركم وترهنوا قراركم لمتصهين هناك ومستكبر هناك وملك هنالك. ينادي الحسين من بعيد «كونوا أحراراً في دنياكم»، فإذا لم تذوقوا معنى الحرية فإنكم أذلاء لا كرامة لكم ولا شرف حتى عند كبرائكم ومشغليكم من طواغيت العالم. فمن يتآمر على حقوق الشعوب في كل العالم ومن يشارك في هضمها هو عبد لا يعرف معنى العزة والكرامة. فأين كرامة زعماء المسلمين وحكامهم مما يجري من اعتداءات على حقوق شعوبهم وقضاياهم المصيرية وعلى دينهم وتاريخهم وحضارتهم؟
في كل عام نصل إلى أجواء الحزن الحسيني لنمعن في دفن الرؤوس
إن من يعد نفسه قيماً على الواقع من جهات حزبية لا بد لها من أن تتنبه لحال الناس وما يمكن أن يستغله البعض من أجل بث جهالاتهم وتضليلهم للناس، وهو ما يزيد أزمتنا ومعاناتنا وابتعادنا عن أصالتنا وروحية ديننا وجوهره في خلق إنسان عاقل حر مريد متسيد لنفسه. فلا يمكن أن نغير واقعاً ونحن نساهم في تأسيس أجيال فارغة في عقلها ومنفعلة وملتهبة في مشاعرها من دون تدبر. المأساة كبيرة، فلا يجوز أن نكون شهداء عليها ونلتزم السكوت والمداراة، بل إن الحق يفرض علينا جهاداً ليس لتكريس الوعي، بل أيضاً لمحاربة كل مفسد ومضلل ورفع كل حرمان وعوز لنتغلب على الفقر الذي عبّر عنه الإمام علي بكلمة «الموت الأكبر»، حيث فقر الحال مرتع لشياطين الإنس والجن ولا قدرة حينها على الفعل والتأثير والحركة النافعة.
كم من فساد سياسي يتم الحديث عنه يومياً ويجري التوصيف وعند المحك لا تسميات للأمور بمسمياتها، وكم من مشاكل اجتماعية وتحديات لا تجد من يعالج أسبابها، وكم من استهدافات لمجتمعاتنا الرخوة حيث يجد المستكبرون البيئة جاهزة للإمعان في التلاعب بها ونحن المسؤولون أولاً وأخراً. فلا بد من ربط الذكرى الحسينية بالواقع. ولا بد من مطابقة الشعارات مع الحياة لتأخذ مجالاتها الحيوية. فأين نحن اليوم من شعارات كربلاء. قال العلامة المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، في كتابه «من وحي عاشوراء»: «ماذا طرح الإمام الحسين (ع) من شعارات في كربلاء؟:
1 ـ إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
2 ـ لا واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد.
3 ـ ألا وإنَّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين اثنتين: بين السِّلة والذِّلة وهيهات له ذلك هيهات منا الذِّلة، أبى اللّه ورسوله والمؤمنون.
4 ـ وإنّي لا أرى الموت إلاَّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ بَرَما.
هذه هي بعض شعاراته، إلاَّ أنَّها ليست شعارات المرحلة التي كان يعيش فيها، لتكون المسألة مجرّد مسألة غارقة في التاريخ؛ لكنَّها شعارات الحياة كلّها، وشعارات الإسلام في كلّ مواقعه.
من منّا لا يلمح الإفساد والفساد السياسي على مستوى الحاكم المحكوم، وحركة الحكم؟
من منّا لا يرى الإفساد والفساد على مستوى الاستكبار العالمي، والإقليمي والمحلي في كلّ ما يريده الاستكبار من مصادرة لقضايانا المصيرية على مستوى الأمّة وعلى مستوى الوطن؟
من منّا لا يجد أنَّ الواقع يعمل إفساد الأخلاق الفردية والاجتماعية في داخل الفرد المسلم والمجتمع والأمّة المسلمة، من خلال من يريدون المتاجرة بالأخلاق.
من منّا لم يرفض الواقع الذي يترك فيه الكثيرون من المسلمين عبادة اللّه، في الوقت الذي يقولون فيه: أشهد أن لا إله إلاَّ اللّه وأنَّ محمَّداً رسول اللّه، من دون أن يصلّوا ويصوموا أو يحجّوا لبيت ربِّهم، ومن دون أن يعملوا على إخراج الحقّ المعلوم الذي فرضه ربُّهم للسائل والمحروم في أموالهم وممتلكاتهم؟
من منّا لا يرفض هذا الواقع الذي ترك فيه المسلمون المعروف في العبادة والصدق والأمانة والعفّة والوفاء وما إلى ذلك من أصول الأخلاق الإسلامية؟...
من منّا لا يرفض الكثير من مظاهر الانحراف في حياتنا، والعلاقات الممزّقة، والفتن التي تتحرّك على مستوى الأفراد والعوائل والأحزاب والطوائف الإسلامية وما إلى ذلك؟
إنَّ مثل تلك المشاكل قد تكون أخطر من المشاكل التي عاشها الإمام الحسين (ع)، وقال فيها: خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
كانت المشكلة السياسية في زمن الإمام الحسين هي مشكلة الحاكم المنحرف الذي يحاول إعطاء حكمه صورة الإسلام، من دون أن يمثّل في عمقه حكم الإسلام. أمّا في واقعنا الحاضر، فنلتقي بالحكّام الذين ينتمون إلى الإسلام، ولكنَّهم يرفضون إعطاء حكمهم حتى صورة الإسلام في الدول الإسلامية».
نعم، واقعنا المعاصر يفضح كثيرين ويدينهم على أنهم شركاء أو شهداء على فساد وإفساد وحرمان واستضعاف وفقر، فلماذا لا تكون الهبة الاجتماعية والصحوة الجماهيرية موجودة وحية للمواجهة واسترداد الحقوق. هنا نعرف أكثر ونتحسس أن ارتباطنا بكربلاء هو ارتباط انفعالي. فنحن أمة أدمنت حمل شعارات فضفاضة وكبيرة، ولكنها في الواقع أمة ببغائية لا تفعل متأثرة غير مؤثرة، قد نكون قد نجحنا في مجالات محددة ولكن نحتاج إلى كثير من الجهاد والعمل في ميادين اجتماعية وثقافية لا نزال نعاني فيها من تقصير وتناسي وتغاضي وغير ذلك من مفردات لا بد وأن تعالج حفظاً لواقع يستنزف كل آن.
فحتى لا نكون شركاء في دم الحسين ما علينا سوى التحلي بالوعي والحكمة والعودة إلى الأصالة في الهوية والانتماء والتحلي بالشجاعة في النقد البناء ومراجعة الحال والخروج من دائرة الانفعال إلى دائرة الفعل الذي سيشهد علينا عاجلاً أو آجلاً في سجل التاريخ والوجود في أي معسكر كنا؟
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/09/10