حين تفسد «الديمقراطية»
عامر محسن
من المفارقات التي لا يذكرها الكثيرون (ولهذا أسبابٌ سنعود إليها لاحقاً) هي أنّ النّظام السياسي في العراق هو، قبل أيّ شيء آخر، نتاج الغزو الأميركي و«التجربة الديمقراطية» في البلد. وبالمعنى الإجرائي المؤسسي، فإنّ العراق هو بالفعل نظامٌ «ديمقراطي»، والدستور والقوانين رسمها الأميركيون وخبراؤهم. قد لا نحبّ الاعتراف بذلك، أو نصرّ على أنّ الديمقراطية في العراق «ليست حقيقية» (لأنّ البلد تحت الاحتلال، أو بسبب الطائفية، أو الفساد، الخ)؛ إلّا أنّ هذا لا يغيّر حقيقة أنّ النّظام، شكلياً وإجرائياً، هو «ديمقراطي»: السلطات تنبثق عن انتخابات، والانتخابات إجمالاً حقيقيّة، وهناك تبادل سلطات، وأحزاب كثيرة، وحكومات محلية، ومليون منظّمة مجتمع مدني، و«هيئات مستقلّة» تتمثّل فيها مصالح مختلفة (في العراق، مثلاً، رغم كلّ شيء، ليس من السهل على السلطة أن تقتل إنساناً أو أن «تخفيه» السجون من دون أن يعرف أحد - ولكنّ الميليشيات تقدر على ذلك). في العراق بحسب الدستور الحالي، في وسع ثلاث محافظاتٍ أن تعقد تصويتاً وأن تجعل نفسها، مباشرةً، إقليما فيديرالياً. بل إنّك، لو اعتمدت مفهوم عالم السياسة روبرت داهل عن «التعددية السياسية» (polyarchy) باعتبارها الشرط الأساسي للديمقراطية، فإنّ نظام المحاصصة في العراق يخلق «تعددية سياسية» لا مثيل لها، وصولاً إلى البيروقراطية والجيش وولاءات الموظفين والضباط.
في الوقت ذاته، فإنّ الدولة في العراق اليوم هي من الأكثر فشلاً وفساداً في الإقليم، المجتمع السياسي ممزّق، والقطاع العام - في بلد نفطي - يعجز عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. حين نتكلّم على نهب ثروات العراق، فهذا لا يشبه حالات «الفساد» التي نعهدها في العالم الثالث، ولا حتّى دول الخليج المجاورة (في العراق، هم ينهبون وكأنهم أمراء خليجيون، ولكن فيما شعبهم - على عكس الخليج - يمكث بلا كهرباء أو مياهٍ نظيفة، وهناك محافظات كثيرة لم يجرِ فيها استثمار حقيقي على مدى عقودٍ كاملة). الدّراسات حول الموضوع كثيرة والفضائح مشهورة وبالأسماء والأرقام؛ والتطبيع مع الفساد وصل الى درجة أنّ سياسياً عراقياً شهيراً لم يجد غضاضة من الاعتراف، على التلفزيون وأمام الجمهور مباشرةً، بأنه تلقى رشاوى واختلس، مضيفاً أنّ «الجميع» فعل ذلك، والفارق بينه وبين غيره، ببساطة، هو صراحته و«شفافيته» (منذ أن بدأ العديد من اللبنانيين من حولي، بعد سنوات من الغزو وبداية الإعمار، بالسفر إلى العراق بكثافةٍ للعمل وعقد الشراكات والتزام المقاولات، تشاءمت وانتابني إحساس داخلي بأن البلد لا يسير على الطريق القويم).
سوف أعطي مثالاً واحداً يختزل بعض المشهد: هل تعلمون أنّ إنتاج النفط من حقول جنوب العراق قد وصل إلى «سقفٍ» منذ زمن، وأصبح من الصعب أن يزداد؟ المسألة باختصار هي أنّ الحقول العراقية في حاجةٍ إلى كميات كبيرة من مياه البحر، تضخّها في باطن الأرض بديلاً عن النفط الذي تستخرجه لتحافظ على مستوى الضغط في الحقل، وترفع الإنتاج بدلاً من أن ينخفض. من دون مشروعٍ لاستجرار مياه الخليج إلى برّ البصرة ومناطقها النفطية - وهو مكلف ولكنّه إجباريّ - لن يتمّ تحسين الانتاج، وسيتجمّد مردود الآبار في الجنوب، وقد تتأذى احتياطاتك النفطية على المدى البعيد. هذا واقعٍ يعرفه الجميع منذ سنوات طويلة، والمشروع موضوعٌ على الورق منذ عقدٍ على الأقل، وفكرته بسيطة ومباشرة؛ ولكنّه أيضاً الشيء الوحيد في العملية النفطية الذي يحتاج إلى جهدٍ وتخطيطٍ وتنسيقٍ من «القطاع العام». والنتيجة هي أنّ عقد بناء الخطّ ظلّ يتأخّر سنةً بعد سنة وهو لم يعطَ إلى اليوم، وسيتجمّد إنتاج النفط في أكبر حقول العراق لسنواتٍ إضافية في الانتظار، ويُحرم البلد من عشرات مليارات الدولارات. هذه حالة تستحقّ التوقّف عندها، وأن نفكّر بها من وجهة نظر الحاكمين الجدد للبلد المنكوب: هذا النّفط هو مصدر الدخل الوحيد لديك، وأنت لا تحاول أن تخلق تنميةً وبديلاً؛ وهو الثروة التي تموّل ميزانيتك وراتبك، واختلاساتك ورشاويك، وأنت تعتمد عليه بشكلٍ كامل وحصري. ورغم ذلك كلّه، فأنت لا تملك القدرة على تنظيم مشروعٍ بهذه البساطة، حتى لكي تنقذ نفسك.
تفسير الانحطاط
السؤال، إذاً، هو ليس حول وجود عمليّة ديمقراطيّة، بل كيف تكون هذه الديمقراطيّة «حقيقية»؛ أو لماذا هي غير موجودة، أو لماذا هي ديمقراطية تمّ إفسادها وتحويلها إلى شيءٍ آخر (كما يقال في العراق ولبنان، وتونس ربما، هذا إن لم يتم - في السنوات القليلة القادمة - إعادة «إعادة انتخاب» بن علي رئيساً). أكثر التيارات السياسية العربية لا تنقسم إلى «ديمقراطية» و«معادية للديمقراطية»، بل هي تختلف حول ما «نحتاجه» كي نصل إلى هذه الديمقراطية (حتى الأنظمة العسكرية في الخمسينيات كانت تنظّر بأنّ حكمها هو «مرحلة تحضيرية» لبناء مجتمع سياسي ديمقراطي يقوم على الانتخابات). في نظري، فإنّ ثمانين بالمئة من النقاش السياسي العربي يدور حول هذه النقطة تحديداً، وأنت تفهم أولويات ورغبات المتكلّم، ومفهومه الفعلي عن السياسة، بحسب التفسير الذي يعطيه عن غياب «الديمقراطية الحقيقية»، والطريق الذي يراه مودياً لها. لديك، مثلاً، التيار «الثقافوي» الواسع («لا توجد لدينا ديمقراطية لأن شعبنا ليست لديه ثقافة ديمقراطية») وهو له تنويعات كثيرة، ولكنني أعتبر أن من في هذه الفئة من «الديمقراطيين» هم فعلياً «الشموليون الحقيقيون». الديمقراطية هنا ليست مجرد نظام حكم أو مسألة إجرائية، بل أنت تحتاج - كشرطٍ واجب، وقبل أيّ شيء - بأن يلتزم النّاس بالنص الثقافي الذي تؤمن به، وأن يزرعوه في رؤوسهم حرفياً (العلمانية، الحداثة، «ثقافة التسامح»، حبّ الطبيعة، أو أي «نقصٍ» آخر يتم اقتراحه هنا). لا تعود الديمقراطية مؤسسات وإجراءات أو توافقات سياسية على قواعد اللعبة، بل هي تستلزم إعادة تثقيف الشعب كما نريد. هل تعرفون ماذا يتطلّب هذا الأمر حين تأخذه إلى نهايته المنطقية؟ وحين تيأس من انعدام «الشرط الثقافي» للديمقراطية لدى أهلك، يصبح من السهل (وهذا الوجه الآخر لهذا الخطاب) أن تعلن يأسك، وأن الديمقراطية لن تنبت في بلادك إلّا من الخارج، حين يأتي بها الأجنبي والاحتلال (أي كما حصل في العراق).
من جهةٍ أخرى، هناك التفسير «الطبقي» (أي أن الديمقراطية مستحيلة بسبب كثرة الفقراء والجهلة)، وهذا أيضاً له أشكال مختلفة. حين أسمع مثقفاً، مثلاً، يردد السردية الشهيرة عن عدم صلاحية «الإسلاميين» للديمقراطية، فأنني غالباً ما أفهم هذا القول على أنه تعبيرٌ طبقي (كيف تحدّد «الإسلامي»، وهل قررت أنهم، كلهم، متشابهون من هذه الناحية وبشكلٍ جوهري، وهل «غير الإسلاميين» أثبتوا أنهم مخلصون للديمقراطية؟). حين تقصي كائناً هلامياً اسمه «الإسلاميون» عن ميدان السياسة، فأنت تقصي أيضاً الـ80% من الناس، غالبية المتديّنين المتطيّرين الذين لا يشبهونك ولا تحبهم ولا تعرف أن تتواصل معهم، ولا يصوّتون أبداً على هواك. هكذا تصبح الحلبة «الديمقراطية»، كما تتخيلها، محصورة بينك وبين اليساريين وجماعة المجتمع المدني وسعد زغلول، وهذا مريحٌ أكثر (على سيرة «المجتمع المدني»، قرأت مؤخراً تعريفاً «لبنانياً» يجزم أن المجتمع المدني مكوّنٌ ممن هم «خارج الطائفة». حقّاً! كيف قرّرت ذلك؟ وممّن استوحي هذا التعريف الفذّ؟ هيغل أم هابرماس؟ وماذا يبقى من «المجتمع المدني» إن أقصينا منه من هم «خارج الطائفة» بحسب آخر انتخابات؟ خمسة في المئة من الشعب؟ وهم، بالمناسبة، ليسوا أفضل خمسةٍ بالمئة بأيّ مقياس). هناك، من الجهة الأخرى بالطبع، من يعتبر أن الديمقراطية هي «الحكم الإسلامي» أو العكس، بمعنى أنّ النّاس لو اختارت ديمقراطياً، فسنصل إلى حكمٍ إسلاميّ، ولو تحقّقت دولة تطبق الإسلام كما يجب، فإننا سنصل إلى «الديمقراطية الحقيقية» التي ننشدها. وهناك أيضاً من يعتبر، مثلي، أن المسألة الديمقراطية هي في مكانٍ آخر تماماً.
من هنا، عودةً إلى العراق، فإنّ استعراض العجز والفشل والمأساة أمرٌ هيّن، ولكن تعلّم الدروس منها هو الصّعب والأساس، وهنا تدور المعركة حول الواقع والخيارات وكتابة التاريخ. على سبيل المثال، أيّام الاحتلال الأميركي المباشر، كانت «الطبيعة الديمقراطية» للنظام العراقي هي من أبرز الحجج التي استخدمها الأميركيون وأعوانهم لتبرير مؤسسة الاحتلال، وأن هنالك «عملية سياسية» و«حكومة منتخبة». كنت تسمع هذه الكليشيهات يوميا، لسنوات، من الإعلام العربي ومثقفيه، وهم يدافعون عن «شرعية» الاحتلال. اليوم، لا أحد يتكلم على هذه «الديمقراطية العراقية» أو يذكرها. بالمعنى ذاته، هناك ألف تفسيرٍ في العراق للفشل السياسي (من لوم الشعب إلى لوم «الخارج» إلى لوم الطائفية و«الأحزاب») ولكن قلّةٌ ترجع ما يجري إلى طبيعة النظام ذاته، والى أنّ هذا الدستور الذي وضعه المحتلّ سيعيد إنتاج الأزمات إلى الأبد، وإلى ماضي الاحتلال وحاضره (أي التاريخ الحقيقي للبلد ومؤسساته)؛ قلّة تطرح السؤال الصعب عن شرعيّة النظام من الأساس.
على الأقلّ، فإنّ تجربة العراق يفترض أن تشفينا من عددٍ من الأوهام، من الديمقراطية الإجرائية كحلٍّ سحري إلى فكرة «الإصلاح عبر الغزو»، إلى الانبهار بحكم «التكنوقراط» بديلاً عن السياسة، كأنّ هناك «دليلاً» لكيفية إدارة البلد وتحقيق العدل، ومن درس في الخارج ويملك هيئة «محترفة» هو من يملك مفتاحه (أحمد الجلبي «تكنوقراط» وحسين الشهرستاني تكنوقراط، وحيدر العبادي اأيضاً تكنوقراط - على الهامش، العبادي كتب رسالته في الهندسة في السبعينيات في بريطانيا عن تقنية مستقبليّة لتشغيل المصاعد، تستغني عن الحبال والكابلات الثقيلة، وقد بدأ تطبيق هذه التقنيات في أيامنا. والمغزى أنّه كان أفضل له، وللعراق، لو أنّه خدم بلاده في اختصاصه ولم يخض غمار السياسة في زمنٍ حرج، فهناك مكان «التكنوقراط»).
الحلّ؟ المواجهة
في العلوم السياسية منذ سنوات، ابتدأ العديد من الباحثين باستخدام مقياس «استجابة الدولة لحاجات مواطنيها» (responsiveness) لتقييم أداء الحكم بدلاً من معيار الديمقراطية والتمثيل، الذي من الأصعب تعريفه وقياسه، على اعتبار أن الدولة الديمقراطية حقّاً ستستمع، بديهياً، لحاجات الناس وتندفع لتلبيتها. حين تعجز الدّول في لبنان والعراق عن جمع القمامة أو توفير الكهرباء، فإنّ هذا ليس نتيجة «فشلٍ» أو فساد، بل هي عوارضٌ لدولٍ تعجز عن إدارة مجتمعاتها، حتى ولو أرادت ذلك (وقريباً، حين تأتي موجة التخصيص، لا يعود من وظيفة الدولة تأمين هذه الأساسيات حتى، التي ستتاح للناس بحسب قدراتهم، ويظلّ الدّور المتبقّي للدولة هو الحراسة القانونية لنظام الاستغلال). المشكلة هنا ليست في خسارة التمثيل والحقوق السياسية، بل في أنّ هذه «الدولة العربية» قد أصبحت وبالاً على شعبها، دورها طفيليّ، ومجرّد المشاركة فيها هو إثم. من بعد ما حصل في العراق، ليس من الغريب أن يقارن بعض العراقيين أحوالهم بأيام صدّام حسين بتأسٍّ، بل إن بعضهم أضحى يحنّ إلى العهد الملكي، تماماً مثلما تأسّف الكثير من اللبنانيين على انتهاء الحرب الأهلية. حين يتمّ النّظر إلى النفط في العراق على أنّه ليس ثروةً وطنية، بل من «حقّ» المحافظة التي ينبع من تحت أرضها، فإنّ هذا هو المنتهى المثالي لمبدأ «المحاصصة».
في نظري، ليست وظيفة كلّ منّا توفير «بدائل» ورسم نظامٍ بديل (لديّ الكثير من الخطط، ولكن هذه لا معنى لها، بل يستخدمها من يملك سلطةً ويصل إلى الحكم، ويعرضها على شكل «برنامجٍ» أو دعاية انتخابية)، ولكن من الطبيعي أن يعي المواطن بأنّ هناك من يستغلّه وينهبه ويضيّع مستقبل أولاده؛ ومن هنا يبدأ النّقاش. مبدأ «أعيدوا ما للناس للنّاس» ليس صعباً أو معقّداً، وفي بلدٍ كلبنان، حيث يُنهك العمّال والفقراء، كلّ يومٍ، وتُسحب منهم الضرائب بكلّ صورةٍ، حتّى يدفعوا فوائد قروضٍ للبنوك وكبار المودعين (وهي قروضٌ رتّبها علينا أناسٌ غير منتخبين، مثل رياض سلامة، جاء به، أيضاً، أشخاصٌ غير منتخبين ليشكّلوا اقتصاد بلدنا على هواهم) فمن الطبيعي أن يرفض اللبنانيون أن ينزفوا، إلى الأبد، من أجل تمويل ريع الرأسمالي وراتب الضابط وتقاعد والده (لديّ صديقٌ تقدمي ويساري في مواقفه ولكن، كلّما ذُكرت قضية الوضع المالي في لبنان، فهو يصرّ بشكلٍ غريبٍ على أنّه لن يحصل انهيارٌ مالي، ولا يستخدم حججاً منطقية بل كلامٌ من نمط «يخلق الله ما لا تعلمون». ثم تنبّهت، آخر الأمر، أن الموضوع قد يكون شخصياً، فالرجل أستاذٌ في الجامعة الوطنية، وهذا يؤمّن له - على خلاف أكثر مواطنيه - راتباً جيّداً وضمانات ومرتبة اجتماعية. هو إذا يستطيع أن يتخيّل الكثير من الأمور الجذريّة، ولكن ليس من بينها سيناريو تتوقف فيه الدولة عن دفع راتبه، أو يصبح الراتب فيه بلا قيمة، ولو استمرّت عبودية الشعب اللبناني). حين تواجه المسألة الأساس (كبنية النظام المالي في لبنان، أو طبيعة النظام في العراق)، وحين تسأل الأسئلة الصعبة، يبدأ حقيقةً «النقاش الديمقراطي». أمّا تجنّب هذه القضايا أو استبدالها بأخرى، والاعتقاد بأن الإصلاح ممكنٌ من دون أن تعيد للناس ما سُلب منهم، فهذا يعني التواطؤ مع النّظام القائم، ولو تحت مسمّى «التغيير» و«محاربة الفساد» (المنزلق الذي تقع فيه الكثير من الحركات الشريفة هو حين تبرّر قبول أشكالٍ من الفساد، أو المشاركة في تمريره حتّى، تحت حجّة أنها ستُصلح في مكانٍ آخر، أو تعتمد «التدريج». وحين «تتقبّل» الفساد من حولك، أو «درجةً» منه، فأنت على بعد خطوةٍ من المشاركة فيه، هذا إن لم تكن قد بدأت من غير أن تعلم). ونحن في سياقٍ شرس، يُفسد الأفراد أو يسحقها، ومجتمعاتٍ تنقسم بسرعةٍ إلى من يعيش حياةً صعبةً وبلا أمان، لا دولة ولا عشيرة، وبين هم «فوق» («وصلوا»، «دخلوا إلى النظام»، «نجحوا في السباق المحموم»، وأصبحوا أثرياء ومحظيين، وهم يبتسمون لك دوماً بثقة من نجح في نسج مؤامرة، ومن يعرف تماماً كم هو محظوظ ومفضّلٌ عن غيره).
انتبهت مؤخراً إلى أنك في بلدٍ كلبنان، اليوم، أصبحت أمام طريقين للحياة «الجيدة»، إن لم تولد ثرياً وكنت تطمح للارتقاء والراتب المرتفع: أمّا أن تصبح «ابن دولة»، فتحصل - بشكلٍ ما - على وظيفةٍ رسمية، وبخاصة تلك العليا التي يتنافس عليها الطامحون؛ أو أن تغدو «عميلاً»، فتجد طريقاً إلى المال الخارجي الذي يصبّ في بلدك، من السياسة إلى الإعلام إلى المنظّمات الأجنبيّة، وتعرف مسالكه وتجعل نفسك مفيداً لهؤلاء. عدا عن ذلك، لو اعتمدت على «الاقتصاد الوطني» وقوّة عملك، وكنت خارج دوائر السلطة والرواتب الأجنبية، فأنت سوف تُسحق. أيّ نخبٍ ستخرج من هذا السياق، وأي «إصلاحٍ» يمكن أن ترتجيه منه؟ هو يحتاج إلى تغييرٍ من الأساس.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/09/19