احتمال من ثلاثة لتشكيل الحكومة!
د. وفيق إبراهيم
المراهنون على تطوّرات إقليمية تعمل لمصلحة سيطرتهم على حكومة لبنانية جديدة لا يَدخُلُ اليأس أبداً إلى قلوبهم، بل يواصلون سياسة الاتكاء على معطيات خارجية وتوتير الداخل وإرباكه.
آخر رهاناتهم كان على اندلاع حرب في منطقة إدلب السورية تؤدي حسب رأيهم إلى تقلُص دور حزب الله «السوري» وبالتالي اللبناني، وتُردّ الأوضاع في سورية إلى نقطة بداياتها قبل سنين سبع.
هؤلاء هم الحريريون وحلفاؤهم في حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي المدعومون من السعودية والإمارات.
لقد أصابهم الاتفاق الروسي التركي حول إدلب الذي رجّحَ الحلّ السياسي على العسكري مقابل القضاء على جبهة النصرة الإرهابية بلوثة كادت تفقدهم كامل وزنهم السياسي على تواضعه، لكن إسقاط طائرة النقل العسكرية الروسية عاود ضخ بعض جرعات الأمل في أجسادهم فتفاءلوا مراهنين مجدّداً على إمكانية نسف اتفاق إدلب في المراحل الأولى لتطبيقه، وهم يعرفون أنّ أعداء هذا الاتفاق هم الأميركيون و»الإسرائيليون» والسعودية والإمارات، وداعش والنصرة لذلك يُرسلون استغاثات لضرورة ضرب هذا الاتفاق، بما يُعيد نفخ المؤامرة على سورية، وكأنها في بداياتها، فينهمك حزب الله إلى جانب الدولة السورية وتحالفاتها في حروب جديدة تلتهم كامل اهتماماته فلا يُعير الأوضاع الداخلية أيّ انتباه كما كان في السنين الخوالي عندما كان يقنعُ بوزارات صغيرة على مستوى التمثيل المحدود وأهمياتها المتواضعة مركزاً جهوده في عمليات صدّ الإرهاب في الميادين العسكرية.
الرهان الثاني هو على احتمال نشوب حرب إقليمية بين المحور «الإسرائيلي» من جهة وإيران وحزب الله من جهة ثانية. وهذا من شأنه تحويل تركيز الحزب أيضاً نحو المجابهات العسكرية. وهنا يستطيع فريق السعودية اللبناني اغتنام الفرصة بتهريب حكومة موالية لهم زاعمين أنّ ظروف الحرب تفرض تشكيلها بسرعة لاحتواء تداعيات الإقليم. لجهة الاحتمال الثالث فإنّ العقوبات النفطية والاقتصادية العميقة على إيران تبدأ في مطلع تشرين الثاني المقبل، وهم يتوقعون انهيار إيران داخلياً بما يؤدّي إلى إسقاط جمهوريتها الإسلامية واستسلامها للأميركيين. هذا ما يضرب تحالفات طهران في الإقليم ومن ضمنها حزب الله ويوقف الدعم المالي له. ويأمل فريق السعودية اللبناني إيقاع عقوبات قاسية على حزب الله تجعله غير مقبول ضمن التشكيلة الحكومية المرتقبة فيحوز على مسؤوليات وزارية هامشية.
بشكل موازٍ يلعب الإعلام المحلي والغربي أدواراً مشبوهة في تشويه سمعة رئيس الجمهورية ميشال عون، فيزعمون أنّ لديه ثروات تفوق المليار ومئتين مليون دولار محاولين الإيحاء بأنّ صهره الوزير جبران باسيل حاز عليها من صفقات مشبوهة. واللعبة الإعلامية هنا تبدأ من اعتماد وكالات أنباء صغيرة ترسل خبراً عن ثروة مفترضة للعماد عون الى الجرائد الكبرى والمجلات في الخارج. وهذه تعيد نشرها فيستقبلها الإعلام المحلي الموالي للحريري بدهشة على أساس أنها معلومات جاءت من الغرب في حين أنّ إعلام الداخل اللبناني والخليجي هو الذي أرسلها عن طريق أدوات أخرى في الداخل إلى الخارج. فيتلقاها وكأنها جديدة لا يعرف مصدرها ومنسّقها ومروّجها، والطريف أنّ المصدر الغربي نفسه نشر أخباراً وردت في كتبٍ وتُقدّمُ الرئيس الراحل حافظ الأسد على أنه حاول بيع قضية فلسطين علماً أنّ كلّ المصادر الإعلامية تجمع على أنه هو الذي صان قضية فلسطين برفضه التوقيع على اتفاق مع العدو «الإسرائيلي» في وقت استسلمت فيه مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ومعظم الخليج والمغرب والسودان، ولماذا إذاً هذه الشائعات الآن؟؟
للإساءة إلى الدولة السورية ونسف أيديولوجية حزب الله التي تقوم على التحالفات مع الدولة السورية لمجابهة الإرهاب و»إسرائيل» والنفوذ الأميركي.
السؤال هنا كيف يبرّر الحريريون تمنُّعهم عن التشكيل؟
يتحضّرون بسرعة للقول إنّ العقد السياسية لا تزال تراوح مكانها ويتهمون التيار الوطني الحر بمحاولة السيطرة على الحصة المسيحية برفضه إعطاء حزب جعجع أربعة مقاعد وزارية وحقائب وازنة، ويزعمون أنّ الرئيس عون يتدخل في شؤون الطائفة الدرزية بإصراره على توزير النائب طلال أرسلان مسدّدين طلقات على حزب الله، باعتبار أنه يريد مقعداً حكومياً لنحو ثمانية نواب من السنة نجحوا على لوائح منافسة للوائح حزب المستقبل الحريري.
ويضيفون أنّ الأوضاع المضطربة في المنطقة وفرار الإرهابيين من سورية والعراق إلى الخارج يفرض تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستند إلى نتائج الانتخابات بل إلى الحاجة لتفاهمات لبنانية تساوي بين الأطراف الأساسية، بغضّ النظر عما حققته من أحجام في الانتخابات. وهذه طريقة بهلوانية لتحجيم انتصار حزب الله وحلفائه في الانتخابات الأخيرة. ولديهم ما يدفعهم لممارسة السياسة على حافة الهاوية فيحرّضون طائفياً ومذهبياً غير عابئين بتبعات ما يفعلون. والدليل أنّ كلّ الحكومات في العالم لا تضمّ وزيراً يهدّد السلم الداخلي في بلاده لمجرد أنه يريد جذب الاهتمام السعودي إليه وإرضاء الرئيس المكلف سعد الحريري بطريقة إشعال فتنة مذهبية.
وهذه محاولة من إبداعاته، فقد حاول في هذه المرحلة الاستفادة من تذكير المحكمة الدولية للبنانيين باغتيال المرحوم رفيق الحريري، فأعلن رفضه تسمية شارع يربط الضاحية الجنوبية بمطار بيروت باسم الشهيد مصطفى بدر الدين صاحب التاريخ الساطع في مقاومة «إسرائيل».
وتبيّن أنّ تسمية الشارع إنما تمّت منذ سنة ونصف السنة بموافقة الوزير المشنوق نفسه، فلماذا يعاود طرح هذا الموضوع وهو الذي يعرف أنه كان يملك حق الرفض بمهلة أقصاها شهراً واحداً بعد اتخاذ القرار من قبل البلدية المعنية.
لقد جدّد نهاد المشنوق طرح الموضوع لاستقطاب تأييد سياسي له من السعودية لعلها تُجدّد طرحه وزيراً او تعتمده مرشحاً لرئاسة الحكومة في حالة عجز الرئيس المكلف عن تشكيلها. وما يُؤسَف له انّ قضية كهذه تثير ردود فعل عنيفة على المستوى الشعبي، خصوصاً أنّ هناك جلسات للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ويعرف الوزير المعني أنه يستعمل أداة تحريض طائفية وأنّ المحكمة الدولية تمارس بدورها خطأً قاتلاً لأنها تحاكم متهماً استشهد في عملية اغتيال من قبل المخابرات «الإسرائيلية» ولا يحق لها محاكمة الأموات «قانونياً».
فهل تحتمل الأوضاع المأزومة في لبنان رهانات الحريريين التي قد تطول مدة استحقاقها أشهراً عدة وربما أكثر؟
هناك الثنائي حزب الله وأمل الذي يريد ستة مقاعد للشيعة مطالباً بمقعد للنواب السنة المستقلين وآخر للمردة ووزارة للأحزاب الوطنية، كما أنّ رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر يريدون عشرة مقاعد مصرّين على إيلاء مقعد إضافي من حصة الدروز لحليفهم الوزير طلال أرسلان.
إنّ هذه التقسيمات تعكس بدقة الأحجام الفعلية للقوى باستبعاد أيّ دور للرهانات الثلاثة الجديدة للحريريين، فَمَن يربح على الآخر؟
حاجة لبنان السريعة لحكومة تمنع الانهيار الاقتصادي وتحمي البلاد من خطر الإرهاب المُتسلل أم يستمر الحريريون منتظرين تحقق النبوءات؟ تدلّ المؤشرات على أن لا حكومة في الأفق القريب، بما يؤكد استمرار الاعتماد على استحقاقات إقليمية تُشبه أعمال الخفة والسحر مع محاولات كسب استحسان أولياء الأمور السعوديين على حساب مصلحة اللبنانيين.
وإنّ غداً لناظره قريب…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/09/20