سوريا والقوة الاستراتيجية.. السر الذي كشفته كلمة نصرالله عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة
كمال خلف
زادت إسرائيل من وتيرة عدوانها داخل الأراضي السورية ، وهي تكرر بأنها تستهدف أسلحة يتم نقلها عبر الأراضي السورية إلى حزب الله مصدرها ايران . وظلت ماهية المواقع والأهداف التي تقصفها إسرائيل غامضة بسبب عدم إعلان إسرائيل عن التفاصيل ، وكذلك يفعل الجانب السوري الذي يكتفي بإعلان التصدي لهذه الغارات . بالتوازي ضمن التفاهم الروسي الإسرائيلي عدم تدخل روسيا تجاه الاعتداءات الإسرائيلية ، ضمن حدود وضوابط متفق عليها .
خطاب السيد حسن نصر الله أمس في ليلة العاشر من محرم كشف عن لغز الغارات بشكل واضح ولأول مرة منذ بدئها قبل سنوات . لم أكن حقيقة أتوقع أن يصرح بها الأمين العام لحزب الله ، ولكن حسب سيرة هذا الرجل فإنه لا يطلق المواقف إلا بعد دراسة وتعمق، ومن المؤكد أنه كان يقصد إطلاق هذا الموقف . الكشف الذي مرره السيد تصريحا مبينا في جزئية الغارات الإسرائيلية ، هو أن هذه الغارات لا تستهدف أسلحة أو صواريخ ذاهبة إلى حزب في لبنان ، كما تقول إسرائيل إنما إسرائيل تعلم أن التفوق ليس بسلاح الجو مع سوريا إنما التوازن الإستراتيجي وتوازن الردع هو بما تملكه أو قد تمتلكه سوريا من قدرات صاروخية ، ولذلك إسرائيل تحاول أن تمنع قيام قوة حقيقية سورية ومنع سوريا من امتلاك قدرات صاروخية كما و نوعا ، والكلام للسيد نصر الله .
أي أن هذه التحركات التي ترصدها إسرائيل ولا تنتظر ولو يوما واحدا للانقضاض لضربها ، هي صواريخ قادمة لسوريا ، ليس هذا فحسب بل هو برنامج متكامل يعكف عليه الخبراء السوريين والإيرانيين وآخرين لتطوير منظومة الدفاع السورية ، وبناء ترسانة صاروخية بكافة المديات والبعيدة منها على وجه التحديد لأول مرة في سوريا ، ما يجعل دمشق قادرة على تغيير موازين القوى مع إسرائيل في المنطقة ، وهو ما دفع إسرائيل مؤخرا إلى اغتيال واحد من أبرز المهندسين لهذا المشروع وهو الدكتور “عزيز اسبر” مدير ملف البحوث العملية في مصياف ، والذي عمل في مجال تطوير الأنشطة الدفاعية، والأسلحة الصاروخية، وهو عالم في وقود الصواريخ، ويحمل كفاءة علمية وخبرة عاليين في مجال تطوير الأسلحة الصاروخية ، “واسبر” كان يعمل ضمن فريق يعكف على هذا المشروع .
ولا تعتبر روسيا نفسها معنية بهذا الجانب الذي لا يدخل في سياق الحرب السورية والأهداف الروسية التي جاءت من أجلها موسكو إلى سوريا ، لذلك نأت روسيا بنفسها أمام الإسرائيليين بما يخص هذا الجانب ، لكن إسرائيل لم تركن إلى هذا الموقف الروسي المحايد فهي تدفع موسكو لمنع السوريين والإيرانيين من إنجاز مشروعهم ، وهو ما لم تستجب له موسكو حتى الآن .
بينما ازدادت وتيرة محركات هذا المشروع بين إيران وسوريا وحزب الله وآخرين ، بل وتتوج في توقيع وزارتي الدفاع الإيرانية والسورية لاتفاقية عسكرية خلال زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي لدمشق في 26 آب أغسطس الماضي ، لتصبح الخبرات الإيرانية في مجال تطوير الصواريخ و بناء ترسانة صاروخية بين يدي السوريين ، بالإضافة إلى تفعيل ما لدى سوريا من خبرات في هذا المجال توقفت بسبب الحرب الدموية على سوريا خلال السنوات الماضية . وازعم أن هذا التعاون غير مسبوق وهو الأول والأهم من ناحية النوع بين البلدين الحليفين طوال عقود .
وسبق زيارة وزير الدفاع الإيراني حاتمي بأسبوع زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي” جون بولتن ” إلى إسرائيل ، وقال أمامه الإسرائيليون ما العمل لإخراج الإيرانيين من سوريا؟ حسب وسائل إعلام إسرائيلية . بينما في ذات التوقيت وبالتزامن أطلق وزير الخارجية الإسرائيلية تصريحا لافتا وقال إن الجيش السوري يستعيد عافيته وسيصبح خلال وقت قصير من أقوى جيوش المنطقة .
وما ذكرناه يقدم تفسيرا لقرار دمشق والمحور عدم الانجرار إلى الرد المباشر ، والدخول في لعبة التصعيد ، لأنها كانت منكبة على إنجاز مشروعها، بانتظار اللحظة التي ستقف فيه إسرائيل أمام حقيقة جديدة ، تجعل عدوانها يخرس إلى الأبد . وهذا ما أشار إليه الأمين العام لحزب الله عندما قال إن هذا العدوان الإسرائيلي لم يعد يطاق والمحور يدرس وقفه. فهل كان نصر الله يلمح إلا أن المشروع نجح ، وأن هناك مفاجآت ستقلب المعادلة في السماء السورية ، بل في شكل الصراع بين المحور ككل وإسرائيل .
ربما لم نكن لنفكر بالكتابة عن هذا الموضوع لحساسيته ، لولا أن الأمين العام لحزب الله صرح به أمس ، ولم يكن لنصر الله الحديث عنه لولا أن تطورا مهما حصل على صعيد هذا المشروع ، ، فهل رفعت الأقلام وجفت الصحف، ووقعت الواقعة التي ليس لوقعتها كاذبة . الله أعلم .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/09/21