اليمن يتمرّد على جلاديه
د. وفيق إبراهيم
تنتفضُ المحافظات الجنوبية في اليمن على التحالف السعودي الإماراتي الذي يزعم أنه اجتاحها قبل سنين ثلاث ليحررها من قبضة أنصار الله.
ويتضح أخيراً أنه مجرد استعمار همجي يتسربل «بلبوس أخوي مفبرك» سافكاً دماء نحو عشرين ألفاً من نساء اليمن وأطفاله ومجاهديه ويعمل على تفتيت الجنوب والشمال إلى كانتونات متعددة لخدمة أهداف أميركية وخليجية.
ماذا يجري في اليمن؟
أنصار الله والمؤتمر الشعبي والجيش اليمني يجاهدون في وجه إعصار سعودي إماراتي يغزو اليمن بتغطية أميركية إسرائيلية مع بعض العرب الخاضعين للرشى والمكرمات.
منذ أكثر من سنوات ثلاث لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم على الرغم من الحشود العسكرية الكبيرة والسلاح الجوي المستعمل وبأسلوب الفتنة تمكنوا من اجتياح محافظات الجنوب وبواسطة بعض القيادات العاملة دائماً في إطار تقسيم اليمن تمكنوا من تظهير صورة إعلامية متواطئة توحي وكأن الجنوبيين يؤيدونهم في مشروعهم التدميري.
ماذا كانت النتيجة؟ تبين أن هناك ثلاثة انعكاسات حقيقية: الأول صمود هائل من جبهة أنصار الله وحلفائهم مقابل انهيار اقتصادي وسياسي في محافظات الجنوب انقلب إلى حراك شعبي ضخم على شكل تظاهرات ضخمة انتشر في معظم المدن مطالباً برحيل ما أسموه «الاستعمار السعودي الإماراتي» وطرد مظاهر «دولة هادي المتسعودة» والمجلس الانتقالي الموالي لأبو ظبي معاً.
لقد تحول الجنوب ميدانياً لصراع مفتوح: أولاً بين السعودية والإمارات على النفوذ في المناطق الجنوبية يأخذ أشكالاً إعلامية وسياسية وعسكرية ولا ينفك يتصاعد مؤسساً لحرب كبيرة بين الطرفين.
وهناك قتال مكشوف بين الحراك الجنوبي الشعبي من جهة وتحالف السعودية والإمارات من جهة ثانية هذا إضافة إلى قتال مضمر بين حزب الصلاح الإخواني ومحور هادي والإمارات والحراك الجنوبي والحوثيين.
بما يكشف أن الدول المتورطة في هذا القتال معظمها أميركي النفطية وهي السعودية والإمارات وتركيا وقطر وهذا يعني أيضاً أن الحراك الجنوبي يعمل في ظروف صعبة في مواجهة التحالف السعودي الإماراتي وأدواته الداخلية من تركيا وقطر والقاعدة والإخوان المسلمين.
بالعودة إلى أسباب التحرك فهي بمفردها كافية للكشف عن الرياء السعودي الإماراتي في تبرير اجتياحهم اليمن.
فكيف يطالب المتظاهرون في الجنوب بالطعام ومناطقهم مفتوحة براً وبحراً وتنتشر فيها قوات سعودية إماراتية ألا يعني هذا الأمر أن قوات التحالف تمنع عنهم الطعام وتدمر مراكز أعمالهم وتقضي على كل مصادر العيش عندهم؟ وكيف تُوفِقُ السعودية بين دعم أرسلته منذ أيام عدة إلى البحرين وقدرته عشرة مليارات دولار ولا تفعل شيئاً لمناطق الجنوب اليمني التي تزعم أنهم مؤيدون لطروحاتها؟ ولماذا هذا الانهيار الاقتصادي المتفاقم في الجنوب اليمني حيث تسيطر أبو ظبي والرياض مباشرة بشكل كامل؟ وإذا كان الجوع مبرراً في الشمال المحاصر بحراً وجواً فما هي أسبابه في الجنوب؟
إن انتشار التظاهرات المطالبة برحيل السعودية والإمارات لا يقتصر على مدينة أو اثنتين بل يعم الجنوب بأسره من آبين إلى سيئون في حضرموت وشيوهة وبيجان وعدن وعسيلان ومأرب وعتق وكامل محافظتي حضرموت واب والأنحاء الريفية العميقة.
فانهيار العملة وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية سببه الصراع السعودي الإماراتي على النفوذ في الجنوب هذا الصراع الذي يرتدي أشكالاً عسكرية وأنماطاً صراعات اقتصادية تنعكس على الاستقرار الاجتماعي.
كما يتمظهر بمحاولات الطرفين وضع أيديهما على المواقع الاستراتيجية والسياحية في اليمن وخصوصاً في السواحل المطلة على بحر عدن والساحل الغربي المشرف على باب المندب.
إنما كيف الوضع الآن؟
التظاهرات تَعمُ الجنوب وسط صراع حاد بين القوات الإماراتية ومجلسها الانتقالي وقوات الشيوانية في مواجهة قوات سعودية وأخرى يمنية تابعة لعبد ربه منصور هادي، أما احتمال اندلاع القتال الكبير بين الطرفين فلم يعد بعيداً لا سيما أنه بدأ على شكل اشتباكات عسكرية محدودة تندلع بين الفينة والأخرى في معظم المدن ويجري إخمادها بسرعة.
هناك أيضاً دخول قطري تركي عبر تحضير حزب الإصلاح الإخواني للدخول طرفاً ثالثاً بالاشتراك مع بعض أجنحة الحراك الشعبي على قاعدة أن الجنوب يريد الانفصال ويقاتل ضد السعودية والإمارات وأنصار الله في الشمال. بما يُظهر أن كل الأطراف المحتلة للجنوب تعمل على تفتيت الجنوب إلى كانتونات تتوزعها كل من الرياض وأبو ظبي برعاية الأميركي وبالتحالف مع الإسرائيليين.
فهل ينجح هذا المشروع؟ يجب الانتباه إلى أن التحالف السعودي لا يزال مصراً على إسقاط الشمال على قاعدة تقسيم شطري اليمن إلى كانتونات متصارعة.
وهذه هي الطريقة الوحيدة برأيه لإضعافه وتحويله مسرحاً لكماشة سعودية تسيطر على باب المندب من شاطئيه اليمني والقرن الأفريقي.
فيكتسبُ آل سعود أهمية عند معلمهم الأميركي الغاضب عليهم والساخر منهم دائماً، فلعلهُ يرضى عنهم ويستثمر في حمايتهم في وجه الداخل والخارج.
إنما كيف يمكن للأميركيين وغيرهم أن لا يسخروا من السعودية وهم يسمعون قائد تحالفهم المالكي يتهم أنصار الله بالتسبب بالجوع، لأنهم يحاصرون حسب زعمه موانئ الحديدة ويمنعون انتقال الموارد والسلع الاستهلاكية إلى صنعاء وعدن. فكيف لهذه المواد أن تنتقل من الشمال المحاصر بقوات سعودية وإماراتية إلى الجنوب حيث تنتشر القوات السعودية بموانئ مفتوحة على بحار الخليج وعدن والأحمر.
وهل عدن منطقة داخلية لا سواحل لديها حتى تحتاج إلى صنعاء الداخلية الجبلية المحاصرة؟
بالنهاية لا يمكن الفرار دوماً إلى الأمام هناك هزيمة للتحالف العربي في الشمال المقاوم والجنوب الذي بدأ بالتمرد على جلاديه وسط محاولات لاحتواء الانتفاضة الجنوبية وحثها على المطالبة بالانفصال عن الشمال. فأين الحل؟ انه في مشروع سياسي يؤسس ليمن موحد عبر بناء دور مستقبلي على مستوى شبه جزيرة العرب والبحر الأحمر وخطوط الوصل بين هرمز وبحر عدن والمحيط الهندي فيعود اليمن بهذا الدور يمناً سعيداً مزدهراً.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/10/10