سلوك أمريكا مع السعودية فاضح لأوروبا والأمم المتحدة ومجلس أمنها ورسالة سياسية لكل دولة عربية حليفة لأمريكا وإسرائيل..
فؤاد البطاينة
مشهد مستهجن وخطير على أمن الدول والشعوب المستضعفة والنظام الدولي يشهده العالم بصمت أوروبي ودولي، فيه أمريكا الدولة الكبرى والعضوة في مجلس الأمن القيم على السلم والأمن الدوليين وعلى الأمن الجماعي، يتنقل رئيسها من مكان إلى آخر وهو يخاطب ملك السعودية الدولة العضوة في الأمم المتحدة عبر الأثير أمام سمع العالم بعبارات التهديد والابتزاز لدفع المال ليحميه وإلا …. والخلفية وأهمه.
يخاطبه بلغة أولاد أزقة الماروانا ومواخير الـ” 42nd st in the 80s”، خطاب لا تستخدمه إلا عصابات المافيا والإرهاب وقطاع الطرق ولكن سرا، والعالم الحر يستمع ويتابع عجز الحاكم السعودي وضعفه وذله وهو يفاوض على قيمة المطلوب في الوقت الذي يتم فيه تشليحه موارد الشعب واستخدامه لأقذر المهمات للإيقاع بأرض الجزيرة ومقدراتها، ويجري هذا في عصر الأمم المتحدة وخطابات القانون الدولي ومحاربة الإرهاب.
ألا تدرك الدول الغربية بالذات خطورة ما تمارسه دولة بحجم الولايات المتحدة وموقعها ومسئوليتها في النظام الدولي القائم وهي تقوم بنشر الفوضى السياسية وكل ما يطيح بمعايير التعامل الدولي وقواعد القانون الدولي المستقرة وبركائز النظام الدولي . إلا تتذكر الدول الخمس الكبرى أنها بررت لنفسها زعامة العالم والعضوية الدائمة بمجلس الأمن والحق الحصري بالاضطلاع بالحفاظ على بالسلم والأمن الدوليين على أساس تعهدها واستعدادها لتحقيق الأمن الجماعي الذي يحمي الدولة الضعيفة وحقوقها من الدولة القوية المارقة كركيزة أساسية في نظام الأمم المتحدة ؟. فكيف تصمت وهي ترى أمريكا تقوض هذا المفهوم الذي أطاح غيابه بعصبة الأمم، ما الذي يجري؟
هل ترى الدول الأوروبية بأن روسيا “غول” يسعى لابتلاعها ولذلك تقايض أمريكا على حمايتها منه مقابل التضحية بالقانون الدولي والسلم والأمن الدوليين وبمفهوم الأمن الجماعي وبكل ما يحمي رتابة ما استقرت عليه الحالة الدولية؟ وإذا كان الأمر كذلك، أليس هذا ما يجر العالم إلى خيار من اثنين، فإما إلى مفاهيم عهود الامبراطوريات البائدة، وإما إلى خيار الحرب الكونية؟، وكلاهما يعود بالبشرية إلى مربع انطلاقها الأول، نسأل هنا روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا التي تشارك أمريكا في احتلال مجلس الأمن عن المبرر لوجود الأمم المتحدة ومجلس أمنها؟
أم أن المسألة وما فيها أن المشروع الصهيوني في الوطن العربي يلتقي مع مشاريعها في الوطن العربي، وكُتب على العرب وقضاياهم أن يكونوا خارج نطاق خطاب ميثاق الأمم المتحدة والمعايير التي تحكم النظام الدولي؟
إن طبيعة تعامل الدول الكبرى مع الدول العربية الحليفة لها تؤكد بأنها لا تقوم على أساس من تبادل المصالح، ولا الاحترام المتبادل، ولا على رغبتها بمساعدتها لتنهض اقتصاديا أو صناعيا أو في بناء قوة كافية للدفاع عن نفسها . بل تعتبرها دولا مستهدفة وتسعى لتخلفها وإشاعة عدم الاستقرار فيها ومحاربة التوجه الديمقراطي لدى شعوبها وسلب ثرواتها وإخضاعها.
ولعل عدم تدخل الدول الكبرى في فرض حل الدولتين على ما فيه من تنازل عربي وتكريس للاحتلال وظلم للشعب الفلسطيني، يشكل دلالة واضحة على أن تلك الدول عندما تبنت قيام دولة للصهيونية على حساب شعب عربي ووطنه في فلسطين، إنما كانت مدفوعة وراء مشروع يلتقي مع المشروع الصهيوني في الوطن العربي ويعتاش عليه.
لا شك بأن أمريكا اليوم كنظام، تعتمد سياسة معزولة عن القيم التي قامت عليها الدولة الأمريكية والمثبتة بدستورها، فتلك القيم ليست موجودة في الواقع الذهني والعملي لها، بل أن الموجود والممارس خارج حدودها قيم أخرى تنافيها وتنافي عملية التطور السليم في السياسة الدولية والديمقراطيات الغربية وتعايش الأمم .وإن هذا التحول ابتدأ وتطور مع اختراق الصهيونية لتلك الدولة، فأمريكا هذه لا تؤمن بالأخر وحقوقه ولا بمفاهيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ولا بالقانون الدولي . بل تؤمن بإمبرياليتها المتحالفة والمتفقة مع المشروع الصهيوني الذي تتبنى تنفيذه.
وإن سلوك ترامب يعبر عن جزء من الحقيقة الأمريكية المختبئة في رؤوس رؤسائها السابقين وصناع القرار، وإن كنا نعتبره مجنونا فذلك لطريقة طرحه لطروحاته وليس لطبيعتها كحكر عليه، لأن طبيعتها ليست سياسته وحده بل سياسة أمريكا كنظام، وبالتالي فإنه يُعبر عن الواقع الأمريكي المخفي بطريقة أنانية يُظهر فيها نفسه لصناع القرار بأنه الحامي لهذا الواقع بجرأة يفتقدها غيره، وللناخب الأمريكي بأنه الأصدق والأسرع في جلب الفرص والمنافع له.
ما يهمنا كعرب، أن سياسة أمريكا هذه تأخذ شكل العملية process فهي (سيروره) لا تهبط مرة واحده ولا نهاية لها إلا بمواجهتها، وإن نجاح أمريكا في تفريغ سياستها موزعة على العالم سيجعل من الكل في المجتمع الدولي خاسرا بالمحصلة، لكن الخسارة الأكبر ستلحق بالدول غير القادرة على حماية نفسها، ومنها الدول العربية كافة، المرسوم لها أن تصبح مجرد اقطاعيات مملوكه بما عليها، تنتقل من مالك لأخر في فترات زمنية متباعدة . أما الدول القادرة على حماية نفسها كالدول الأوروبية ودول أخرى ( باستثناء روسيا ) فلن تعود مؤثرة في السياسة الدولية ولا قادرة على تحقيق طموحاتها ومشروعاتها القومية والعقدية عبر الحدود، ولا حماية مبادئها أو نشرها، إلا في حال أن حصلت على لقب الإمبراطورية.
الوطن العربي كله في خطر صارخ ومفضوح، وليست الجزيرة العربية وسوريا والعراق وليبيا واليمن إلا حلقات ضمن سيرورة لمخطط ابتدأ بفلسطين . أرض الجزيرة بثرواتها وموقعها وتاريخها مستهدفة اليوم بالاحتلال والتمزيق . ومصر الكنانة على الطريق والأردن دخل الطاحون . ولا تفسير للصمت الأوروبي على سلوك أمريكا الإرهابي الابتزازي الإذلالي للنظام السعودي إلا على خلفية سياسية عميقة مطلوب امتدادها للدول العربية الحليفة الأخرى .
ولا من المنطق أن نصدق بأن هدف أمريكا مجرد المال من السعودية، فأموال السعودية كلها بقبضة أمريكا وبنوكها ولا تساوي في لحظة قرار أمريكي سوى أرقام وهمية تملكها السعودية . ولا يصدق عاقل صدق نوايا الهجمة الأوروبية على نظام السعودية من أجل تصفيته شخص الخاشقجي بينما ترى وتشارك بالقتل الجماعي لشعوبنا من قبل أنظمتنا وإسرائيل وتزداد تأييدا ودعما لها.
السلوك الأمريكي والصمت الدولي إزاء السعودية رسالة نافذة على كل أنظمة الدول العربية المتعاونة مع أمريكا وإسرائيل باستحقاقات مختلفة، والنظرة الأمريكية بسطوتها إزاء النظام السعودي الذي تقزم بشخص واحد هي نفسها النظرة والسطوة إزاء النظام الأردني المحجم بشخص واحد، بعد أن عجز كلا النظامين عن الانقلاب على عقد إيجار الحكم في مستعمرتين، لكن وسيلة الابتزاز للهدف السياسي مختلفة وتتبع الحاجة للدور وخصائص الدولتين المادية والجغرافية والسياسية والسكانية.
لا نريد للملك ولا للأردنيين أن يكونوا على موعد مع مواجهة ما تواجهه السعودية، ولكن بنكهة سياسية خطيرة، ولا نريد للملك أن يلجأ لإقامة علاقة خضوع واستسلام مع أمريكا وإسرائيل في السر ويُنَفذ المطلوب ويعلن لشعبه غير ذلك تهربا من تلك اللحظة ومن مواجهة مصيره، فعلى الملك أن ينتبه بأنه أوهن من النظام السعودي بكثير ويجاريه في عدم الحس بشعبه، ولا يمتلك ذرة من أسباب الرفض والصمود أمام أمريكا أو إسرائيل، إلا أنه سيكون أقوى حاكم عربي إن عاد وتحالف مع شعبه الأردني – الفلسطيني صاحب القضية المباشر.
بمثل هذا التحالف لن تستطيع عليه أمريكا وغير أمريكا . فالقوة الغاشمة تستطيع أن تدمر مقدرات دولة وتكسر جيشها، ولكنها لا تستطيع احتلال بلد أو تغيير نظام وكسر إرادته حين يقف شعبه معه، وإن الحل الوطني بانقلاب الملك على أمريكا وإسرائيل قبل فوات الأوان سيقلب طاولة التآمر الكبير على أصحابها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/10/14