الأجيال القادمة إلى الجريمة
علي سعد الموسى
في ظرف أسبوع واحد اهتز المجتمع تحت فاجعة ثلاثة حوادث إجرامية من نوع غير تقليدي. قاتل يطيح بسبعة أفراد في مكتبين متجاورين، وآخر ينحر ابنه الطفل، وثالث يقتل والدته الطاعنة في السن. نحن بمثل هذه القصص الغريبة ندخل إلى مرحلة جديدة من الجريمة، وأصناف من أوصافها لم يتعود عليها المجتمع، ولم تكن من ثقافته حتى السنوات الأخيرة. ظاهرة القتل بلا سبب، ولأفراد بلا سابق معرفة أو احتكاك أو تماس، هي ظاهرة عرفها الغرب منذ سنين طويلة عبر الاقتحام المسلح للجامعات والمدارس الثانوية بالتحديد أو عبر ما يسمى القاتل التكراري "serial killer"، الذي يصطاد ضحاياه بشكل عدمي عبثي ويختبئ تماما بعد كل قصة قتل غامضة. أشهر هذا النوع من الجرائم كان لـ"مجرم فرجينيا" الذي قتل 13 شخصا في ظرف شهرين، وكان وللغرابة يختار المكان ثم يبدأ بتعداد المارين أمامه حتى يصل إلى الرقم 300 قبل أن يطلق النار عليه.
السؤال الجوهري: كيف ولماذا وصلنا إلى العتبة الأولى من السلم الطويل لهذا الصنف من الجريمة؟ التحليل التلقائي هو تأثير المخدرات وللأسف الشديد، فالإحصائيات المتوفرة فقط تشير إلى أرقام فلكية في حجم الاستهلاك المحلي وأعداد المستخدمين قياسا بحجم السكان. نحن، وكي لا نتعامى في وجه الحقائق المرعبة أكثر المجتمعات استهلاكا لحبوب "الكبتاجون"، ناهيك عن أن الوفرة المالية تجعل من سوقنا أكبر المستهدفين من قبل عصابات المخدرات بأصنافها المختلفة. هناك منها ما يجعل التعافي من الإدمان مهمة مستحيلة من الناحية الطبية، وهؤلاء، وهم رقم صعب، أخطر القنابل القادمة إلى ساحة الجريمة المحلية.
لكن السبب الثاني، وهو الأكثر رعبا، هو تنشئة أجيال قادمة على برامج الألعاب الإلكترونية عبر الأجهزة المنزلية. ومن المفارقة أن البرامج التي تقوم على فكرة العنف والقتل تحظى بالأولوية والتفضيل لدى كل 8 أطفال من بين كل عشرة، وتستأثر بما يقرب من 70 % من مبيعات برامج الألعاب الإلكترونية، بحسب المركز البريطاني لرصد ومتابعة الدوافع الإجرامية في تقريره الأخير نهاية العام الماضي. وكلها برامج تقوم على مبدأ المنافسة الجماعية بين أطفال يتواصلون عبر الإنترنت ويدخلون إلى ذات البرنامج الواحد، ويتبارون في جمع النقاط على المبدأ الخطير: قتل أكبر ما يمكن في أقل وقت. الكارثة أن هذه البرامج تربي هؤلاء الأطفال على استسهال القتل والقبول بفكرة العنف، والأخطر من هذا أننا كآباء على "أمية" مطبقة بهذه البرامج، لأن الفوارق الإلكترونية ما بيننا وبين الجيل الصاعد أصبحت متباعدة. نحن نشتري هذه الألعاب تحت إلحاح أطفالنا، ولكننا لا نستطيع حتى مجرد البدء في تشغيلها، ناهيك عن القدرة على فهم محتواها وتحليلها. الخلاصة أننا على أعتاب الجيل الإلكتروني المجرم، فلا يوجد في لغتي غير هذا التوصيف.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/02/21