اعتداء على غانم الدوسري: «سكوتلانديارد» تحقق في بصمات ابن سلمان
علي جواد الأمين
تُجري الشرطة البريطانية تحقيقاً في اعتداء موثق على المعارض السعودي غانم الدوسري، في أحد شوارع لندن، بعد مرور شهر على جريمة اغتيال خاشقجي في اسطنبول، كما لو أنه استفاقة متأخرة على اعتداء يحمل بصمات محمد بن سلمان
مثّلت جريمة قتل جمال خاشقجي نموذجاً فاضحاً أمام عواصم اللجوء السياسي في العالم، كشفت مدى انعتاق حاكم السعودية الأوحد محمد بن سلمان من عقال المواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية. لا تجد تلك الحكومات، الحليفة للرياض، رادعاً لدى الأخير يمنعه من تكرار جريمة القتل الوحشية في أماكن أخرى، أو بطريقة أخرى، وخصوصاً في تلك العواصم التي تعجّ بالمعارضين واللاجئين السياسيين، لعل أهمها لندن.
قبل حوالى شهر من جريمة قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، اعتدى سعوديان يُرجح أنهما يعملان لمصلحة ولي العهد محمد بن سلمان، بالضرب، على المعارض الشهير غانم الدوسري، الذي يتمتع بحق اللجوء السياسي في بريطانيا منذ عام 2003، وصديقه رجل الأعمال الكندي، آلان بندر، في عملية حملت بصمات «عصابة» ابن سلمان، التي نفذت اغتيال خاشقجي، ما دفع سلطات لندن إلى إعادة فتح ملف التحقيق في الاعتداء لمراجعة ملابساته وأسبابه ومن يقف خلفه. يوضح الدوسري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «لكل اعتداء مبررات»، وأن «تبعية المعتدين للسلطات السعودية واضحة من خلال ترصدهما وتتبعهما لي، ثم الاعتداء عليَّ، وتلفظهما بعبارات تُدافع عن شخص محمد بن سلمان»، إذ إن الاعتداء جاء بعد ترصده وكشف مكانه من خلال مقطع نشره لمتابعيه في «سناب شات»، من مقهى «هارودز» في لندن، حيث كان يتناول القهوة مع صديقه بندر، فانتظره السعوديان المعتديان خارج المقهى، وتعقباه فور مغادرته وصديقه إلى أن قطع الأخيران مسافة 100 متر، ليهاجماه ويهدداه بالقتل، صارخين في وجهه قائلَين «من تكون حتى تتحدث ضد آل سعود وتنتقد محمد بن سلمان»، وعندما رد عليهما بندر بأن «هذه ليست الرياض... إنها لندن»، ردّ عليه أحدهما بالقول إن «لندن، وملكتهم عبدة للسعودية، والشرطة البريطانية كلاب عندنا»، قبل أن يرموه بكيل من التهم من تلك المعلبة الجاهزة في «مطبخ» الديوان الملكي، والتي نجدها في أوامر الاعتقال والهجمات الإعلامية ضد كل من يعارض «صاحب الأمر»، من سبيل «عبد قطر وعدو السعودية» كما قال له أحدهما.
اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات لحماية الدوسري الشخصية
المعتديان اللذان ظهرا في المقطع المصور الذي وثّق الاعتداء، عنصران في المخابرات السعودية، حسب ما أكد المغرد الشهير «مجتهد». ويبدو ذلك في ملابسات القضية، إذ كشف الدوسري لـ«الأخبار»، أن شخصاً قدّم نفسه على أنه يعمل لمصلحة ابن سلمان، تقدم إلى صديقه آلان بندر، أثناء وجود الدوسري، الذي كان ينزف من الفم، في سيارة الإسعاف قبل نقله إلى المستشفى، وعرض على بندر مبلغاً من المال، مقابل الامتناع عن تقديم شهادته عند فتح تحقيق في الحادثة، إذ تم تحديد هوية ذلك الشخص، بحسب الدوسري، بـ«أنه رجل أعمال سعودي مقرب من محمد بن سلمان». لا تُخفى يد النظام أيضاً في الإعلام شبه الرسمي، الذي صفق للمعتدين ووصفهم بـ«الأبطال»، كما ذكرت صحيفة «المواطن»، تحت عنوان «العميل الهارب غانم الدوسري عوى في لندن فلقن درساً قاسياً لكل من يتطاول على السعودية»، قائلة إنه «يجب الحذر عندما يستهين أحد مثل غانم الدوسري بالمملكة والقيادة على مسمع منهم»، تماماً كما احتفل «الذباب الإلكتروني» على شائعة مقتل الدوسري على يد سعودي في نيسان/ أبريل العام الماضي، تحت وسم «مقتل المرتزق غانم الدوسري»، وكرروا مقولة إن هذه نهاية «من يسمع ويطيع قطر».
الاعتداء الذي تم في 31 آب/ أغسطس الماضي، لاقى صدىً واسعاً في الصحافة البريطانية، حيث أكد الدوسري أنه مستهدف ومهدد بالقتل في تصريحات للصحافة وفي «تويتر»، لكن الشرطة البريطانية «سكوتلانديارد»، تأخرت في فتح تحقيق إلى ما بعد جريمة اغتيال خاشقجي بأسبوعين، كما لو أنها استفاقت من غفوتها، بأن ثمة من يُهدد مُعارضاً بالقتل في وضح النهار في لندن. وعندما سئل وزير الخارجية، جيريمي هانت، في برلمان بلاده عن الهجوم، قال إن «لندن قلقة جداً من هذا الفعل»، وإن بلاده «ستدافع عن حرية الصحافة».
لم تخرج النتائج الأولية عن التحقيق الجاري منذ أيام، لكن الدوسري أوضح لـ«الأخبار» أن «الشرطة البريطانية تقوم بجهود كبيرة في التحقيق»، ومن المؤكد أنها «توصلت إلى نتائج إيجابية»، مشيراً إلى أن الحكومة البريطانية اتخذت إجراءات مهمة لحمايته الشخصية، إذ «تم تقويم حجم التهديدات التي أتعرض لها يومياً، وبالتالي اتخذت الاحتياطات اللازمة لمنع أي اعتداء إرهابي قد أتعرض له»، وخصوصاً أن «مسلسل التهديدات لا يتوقف أبداً» كما قال، فضلاً عن التهديدات اليومية التي تصله في رسائل عبر «تويتر»، تلقى الرجل تهديدات من أمراء سعوديين، مثل عبد العزيز بن مشهور بن عبد العزيز آل سعود، الذي توعده في أيلول/ سبتمبر عام 2017، بأنه سيُؤتَى به قريباً إلى السعودية، قائلاً له «رأسك هذا سيصبح تحت رجل عمك محمد بن سلمان... وليس تحت رجليه فقط، بل تحت رجل أصغر واحد من آل سعود». بدا الأمير السعودي في التسجيل الذي نشره غانم في قناته في «يوتيوب»، غاضباً مما أطلق عليه في حينها «حراك 15 سبتمبر»، الذي أطلقه معارضون في الخارج، من بينهم غانم، بعد حملة اعتقالات «ريتز كارلتون»، مطالبين بإطلاق المعتقلين ومعالجة الفقر والبطالة وأزمة السكن ورفع الظلم عن المرأة وتحسين مستوى الخدمات، إذ ورغم فشل الحراك، خرج السعوديون بسياراتهم إلى الشوارع، وصوروا مقاطع وثقوا فيها اعتراضهم على النظام، وخوفهم من التظاهر، أرسلوها إلى غانم الدوسري، الذي نشرها بدوره في «تويتر»، ما أظهر حجم تأثير المعارضة في الداخل، وفي ضوء ذلك، أدرج اسم الدوسري في «قائمة سوداء» لمعارضي النظام، أعدها وأعلن عنها العام الماضي، الوزير والمستشار السابق في الديوان الملكي، سعود القحطاني، المتهم بتدبير اغتيال جمال خاشقجي.
يوضح الدوسري لـ«الأخبار» أن «السلطات السعودية اعتادت أسلوب التخويف وإرهاب المعارضين»، على الأقل بهدف ثنيه عن نشاطه، إن لم يكن قتله، لكنه يؤكد أن التهديدات والاعتداءات لن توقفه عن نشاطه السلمي، كما لم يوقف حلقاته الساخرة ضد العائلة الحاكمة في قناته «Ghanem Show»، التي يتابعها عشرات الآلاف، حيث يَبرع في انتقاد سياسات الحكام وتقديم معلومات عنهم، في قالب كوميدي، تأكيداً على ما يقول: «مستمر في طرح ما لديّ دون خوف، لاقتناعي التام بعدالة قضيتي».
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/03