فتنة التَّحريض.. شُعلة حرب أهليّة
تماضر اليامي
اللهم عليك بمن استخفّ بأوامرك، واستهزأ بحدودك ودينك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم عبر وسائل الإعلام وغيرها. اللهم أرِح المسلمين من شرِّهم، اللهم إنا نبرأ إليك من صنيعهم، فإنهم شرذمة قليل. اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، إلهنا طال شرهم وفسادهم وتعدوا حدودك واستهزأوا بدينك وتجرأوا على ثوابتك. اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر. اللهم جمِّد الدِّماء في عروقهم. اللهم اجعلهم يتمنون الموت ولا يجدونه”.
يُخيَّل لمن يسمع هذا المقطع من خطبة الجمعة لأحد منابر المساجد السعودية أن الدُّعاء الذي ينضح كرها وغِلاًّ وعداوة مُوَجَّه “لأعداء الله” الذين يتوهّمهم المُتنطِّعين مِمَّن جعلوا من كل من يختلف معهم في أقل و أدق التّفاصيل عدُوا لله ورسوله. بعد أن قال الله تعالى “لكم دينكم ولي دين”، وقال: “أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”، وقال: “إنك لا تهدي من أحببت”، وقال: “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وقال: “لا إكراه في الدين”، وبعد أن بُعِث الرسول عليه الصلاة والسلام ليُتمِّم مكارِم الأخلاق ويُفشي السَّلام بين الناس، وبعد أن تعايش نبينا بسلام مع اليهود قبل النَّصارى، يأتون هؤلاء ليستعْدوا بدُعائهم وتحريضهم جميع الأديان على الإسلام، بل يستعدون حتى المسلمين على بعضهم البعض. بدايةً ضاقت صدورهم فلم تتَّسِع لأصحاب الدِّيانات غير السّماوية، حتى من سَلِم المسلمون من لسانه ويده منهم، ثم ضاقت أكثر فلم تتّسِع لهؤلاء بالإضافة لأصحاب الكتاب جملة وتفصيلا، ثم ضاقت ضيقٌ فوق ضيق لِتَسقط منها الطَّوائف المسلمة الأخرى، وتلتها في سقطَتِها المذاهب الأخرى ثم المدارس الفكريّة ضمن نفس المذهب، وأخيرا ووصولاً الى محور الخطبة العصماء طال الدُّعاء بالهلاك والبلاء أصحاب مِهنة رسميَّة تحت وزارة من وزارات الدَّولة.
المُصيبة الأخطر من هذه الجُرأة المُطلقة في التّحريض وبث ثقافة العداوة بين أفراد المُجتمع الواحد بإستخدام منبر رسمي يُفترض أن يكون تحت إشراف الدّولة، تكمُن في تدليس الحقائق وإسدال ثوب العداء لله ورسوله على كل من يتجرأ وينقد التّطرُّف نفسه الذي أرسل شبابنا لفخ داعش أو تجاوُزات المُتطرِّفين الذين يستغلون صِفتهم الرَّسمية لإيقاع أنواع الضَّرر بالمسلمين المسالمين قبل غيرهم. “لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” ومع ذلك فهؤلاء يتغذون على الكِبر ومنه طعامهم وشرابهم وملبسهم وفِراشهم وويل لِمن يجرؤ فيُسائلهم أو ينتقدهم أو يُحاججهم أو حتى يختلِف عنهم، فمأواه جفاف الدِّماء في عروقه وبِئس المصير.
وهُم مِن أجل أن يُسبِغوا الشَّرعيَّة على تحريضهم يُصَوِّرون للمُؤَمِّنين خلفهم أن عدُوُّهم هو عدو الله ورسوله، ولا أدري متى نصَّبهم الله تعالى أو رسوله متحدِّثين عنهم وممثِّلين لهم، بل حاشا أن يكون ما يمارسونه من كِبر و بُغض و استعداء وتحريض من خُلُق القرآن و خُلُق الرسول.
إن تنامي مشاهد العداء الداخلي وعُلو صوت التحريض ناقوس خطر يدق وخوفي من أن يكون اهمال هذه الظاهرة غير الطَّبيعية بمثابة تمهيد خط سريع بإتجاه حرب أهليه لا سمح الله.
أضيف بتاريخ :2016/02/23