بعد بادية السويداء... متى تبدأ عملية تحرير إدلب؟
العميد د. أمين محمد حطيط
خلال الأشهر الأربعة الماضية شُغِل الجيش العربي السوري بمعركة تعتبر من أكثر العمليات العسكرية تعقيداً وخطورة، حيث دارت في ظروف وبيئة استجمعت مزايا وخصائص تجعل الكثير من القادة العسكريين يهابونها حتى تدفعهم الى تجنبها والبحث عن غير عسكري لمساءلته. وللإيضاح أكثر فإن أميركا التي توجد بشكل غير شرعي في قادة عسكرية أنشأتها على الحدود السورية الراقية قريباً من الحدود مع التنف، أميركا حشدت في محيط تلك القاعدة جمعاً من إرهابيي القاعدة يتجاوز الـ 6 آلاف إرهابي من داعش، وتم إمداده بكل ما يحتاجونه من عتاد ومعدات وسلاح وذخائر تلزمهم للقتال في الصحراء وفي أرض وعرة ـ قتال العصابات المحترفة ضد جيش نظامي.
أمام صعوبة الموقف كان على الجيش العربي السوري ان يختار بين سلوكين، القبول باستمرار الإرهابيين ممسكين بمنطقة واسعة يتخذونها قاعدة انطلاق «للغزو والإغارة» على أماكن آهلة في الجنوب كما فعلوا قبل أشهر ضد السويداء وأربع من قراها حيث قتلوا ودمروا وأحرقوا وخطفوا النساء، أو الذهاب إلى عملية عسكرية معقدة لمواجهة الجيش الأميركي البديل مع احتمال مواجهة الجيش الأصيل في التنف، والعمل في منطقة توصف في تصنيف العمليات العسكرية «العمليات الخاصة للقتال في الصحراء» مع ما يتوقع من خسائر بسقف عالٍ.
وبين هذين الحلّين اختار الجيش الحلّ الأصعب والأشرف متقبّلاً حجم التضحيات التي سيقدّمها ثمناً لهذا الخيار، وبالفعل وما ارتكبت العصابات الإرهابية جريمتها في السويداء وقراها حتى أطلق الجيش العربي السوري عملية تطهير البادية شرق السويداء ضد داعش المتناثرة على مساحة تتجاوز 3 آلاف كلم وتتكئ على قاعدة عسكرية أميركية في التنف. ووضع الجيش لعمليته خطة تأخذ بالاعتبار تعقيدات الميدان. فالتزم العمليات المتروّية من دون دعسات ناقصة، معطوفة على قرار صارم بإنجاز المهمة، مهما طال الوقت وكانت التضحيات. وأثبتت خطة الجيش بأنها واقعية منطقية مجدية بدليل أنه وصل اليوم إلى الوضع الذي يمكنه القول فيه بأن المهمة أنجزت وقاعدة التنف جردت من القناع ولن يجديها التمسك بمخيم الركبان حيث تتخذ ممن فيه من المدنيين السوريين بمثابة رهائن مختطفين خدمة لأهداف أميركا في احتلالها.
والآن وبعد إغلاق اجتثاث الإرهاب من الجنوب غرباً وشرقاً فإن المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة تنحصر في اثنتين، الأولى في إدلب و»ترعاها» تركيا الشريك في منظومة استانة مع روسيا وإيران فيما خصّ الوضع السوري والمكلفة بموجب اتفاق سوتشي بتسوية وضع إدلب، والثانية شرق الفرات وترعاها أميركا التي أنشأت التحالف الدولي غير الشرعي وزعمت أنه لمحاربة الإرهاب، الأمر الذي جعل البعض يقول إن الجيش العربي السوري أنجز ما هو مطلوب منه في حربه الدفاعية طاوياً صفحة الحرب وإن ما تبقى من ارض سورية خارج يد الدولة الآن لن يكون حله عسكرياً على يد الجيش العربي السوري لاعتبارات ميدانية وسياسية سورية ودولية. فهل هذا القول في محله؟
من الطبيعي أن تتلقف تركيا وأميركا هذا الرأي لكونه يبرر لهما استمرار وجودهما في سورية الوجود الذي نراه احتلالاً، بكل ما للكلمة من معنى. فأميركا دخلت إلى سورية من دون أذن أو من دون قبول من الحكومة السورية الشرعية وتنفذ عمليات عسكرية على الأرض السورية خارج الإرادة والقبول والتنسيق السوري، وتنفذ في سورية مشروعاً خطراً يرمي إلى إعادة التوزيع الديمغرافي والاتجاه إلى تقسيم البلاد بإقامة الكيان الكردي الانفصالي، وان احتمال الحل السياسي مع أميركا لوقف عدوانها والخروج من سورية وترك الشعب السوري يقوم بصياغة النظم التي تحفظ وحدته وسيادته واستقلاله، هو أمر مستبعَد لأنها تريد حصة في سورية من نفطها وثرواتها الطبيعية كما وفي قرارها السياسي. وكلها أمور لا يمكن لسورية المنتصرة في الحرب الكونية التي شنت عليها أن تتقبّلها بأي وجه من الوجوه.
أما تركية التي ناورت وداورت واستغلت هويتها القومية والدينية التي منحتها فرص الانضمام إلى منظومة استانة إلى أن وصل الأمر في سوتشي إلى تكليفها بمعالجة موضوع إدلب بتنسيق مع روسيا. أن تركيا هذه تعمل لمشروعها الخاص وتدّعي أنها تحاول تنفيذ اتفاق سوتشي وتدعي أن العبء كبير ويلزمها الوقت الكافي. ولكن الحقيقة أن الوقت الذي يلزم تركيا لتنفيذ مشروعها الخاص الهادف الى إقامة منطقة خالية من الإرهاب في شمال سورية وعلى ما يقارب ربع الأرض السورية من الغرب إلى الشرق تحتاج إلى سنة كاملة تنتهي في أواخر العام 2019 تقوم خلالها بإعادة هيكلة المجموعات الإرهابية بحيث لا يبقى في منطقة إدلب إلا مَن يأتمر مباشرة بإمرتها، ثم تتوجه للشرق باتفاق أو من غير اتفاق مع أميركا لتوسيع منطقة نفوذها عملاً بسياسة الأمر الواقع.
على ضوء ما تقدّم لا نرى أن حل مسألة إدلب سيكون عن طريق اتفاق سوتشي، خاصة أن هذا الاتفاق بذاته يفتقر إلى آلية تنفيذية تضمن حسن التطبيق وأوكل أمر تنفيذه إلى مَن لا يوثق به ويؤتمن على مهمة، وأن سورية سترى نفسها أمام واقع يؤكد أن لا تحرير لإدلب إلا بالقوة العسكرية، وأن لا تطهير لها من الإرهاب إلا بالعملية التي جرى التحضير لها لتنطلق في بدء الخريف الحالي، وإذا كانت الظروف الميدانية المحلية والظروف السياسية والاستراتيجية حملت على التأخير والقبول باتفاق سوتشي مرحلياً وبشكل مؤقت فان الأمور تغيرت اليوم مع التصدعات في الواقع الإقليمي والتعزيزات في الواقع العسكري السوري وكلها جاءت لمصلحة سورية التي تلمس باليقين القاطع أن الإرهابيين في إدلب ماضون في مشروع تركيا ضد المصلحة والسيادة السورية، وما الاعتداء الأخير على مواقع الجيش السوري في ريف حماه الشمالي ومحاولاتهم للاعتداء على مواقع الجيش في محيط سهل الغاب وريف اللاذقية إلا نموذج من تلك الاعتداءات التي أودت في يوم واحد بحياة 18 عسكرياً سورياً في مواقعهم.
أما المنطقة الشرقية، وتحديداً شرق الفرات فإن سورية لا يمكن أن تسكت على تنفيذ الخطة الأميركية العدوانية وستجد نفسها وكما قال الوزير وليد المعلم وزير الخارجية السورية إن الجيش سيتوجّه إلى شرق الفرات بعد إدلب «ستجد نفسها ملزمة أيضاً بعمل تحريري مركب من عمل عسكري تقليدي وغير تقليدي ومواجهة سياسية لإخراج أميركا من أراضيها واستعادة السيادة حتى الحدود مع تركيا والعراق».
وعليه ليس السؤال الآن كيف تحرّر إدلب وشرق الفرات / بل إنه في الحقيقة متى تبدأ عملية التحرير ووفقاً لأي برنامج أوليات. وفي هذا نرى أن التمهيد لمعركة إدلب انطلق فعلياً وينتظر استكمال بعض الشروط والظروف التي قد يكون منها اجتماع استانة في نهاية هذا الشهر لتنطلق عملية التحرير بكل زخمها. أما عملية استعادة شرق الفرات فإنها ستنتظر الانتهاء من عملية إدلب وستكون الملف الأخير الذي سيطويه الجيش العربي السوري وحلفاؤه لإعلان الانتصار النهائي على العدوان.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/20