إذا أخفقت العقوبات هل تهاجم أميركا إيران في سورية ولبنان؟
د. عصام نعمان
ماذا تريد الولايات المتحدة من إيران؟
تطرح الاستخبارات الإسرائيلية، وفق صحيفة «هآرتس» 9/11/2018 ، فرضيتين: الأولى حملُ إيران على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي لإملاء شروط أكثر صرامة عليها تتعلق بإجراءات التطبيق والرقابة. الثاني إسقاط النظام في طهران في إطار «وثيقة بومبيو»، أيّ خطة النقاط الـ 12 التي نشرها وزير الخارجية الأميركي بعد إعلان رئيسه ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي في شهر أيار/ مايو الماضي. واشنطن تأمل بأن تؤثر العقوبات سلباً في الاقتصاد الإيراني ما يحمل طهران على التراجع.
إذا لم تتأثر إيران أو تتراجع، كما يؤكد معظم قادتها، فهل يدفع إخفاق العقوبات الولايات المتحدة إلى محاولة مهاجمة واستنزاف إيران وحلفائها في محور المقاومة على ساحات سورية ولبنان وربما العراق لإضعافها وتقويض قدراتها؟
«إسرائيل» واثقة بأنّ أحد المرامي الرئيسة لحملة الولايات المتحدة على إيران حماية ما يسمّيه المسؤولون في واشنطن وتل أبيب «أمن إسرائيل القومي». فما أن دخلت الموجة الثانية من العقوبات الأميركية حيّز التنفيذ في مطلع الشهر الحالي حتى سارع بنيامين نتنياهو إلى الترحيب بها وامتداح دونالد ترامب على إطلاقها. ذلك أنّ قادة الكيان الصهيوني يدركون انّ إيران لن تقف مكتوفة الأيدي حيال حملة أميركا وعقوباتها ضدّها وأنها قد تقوم، بحسب العميد رونين ايستيك، القائد السابق للواء المدرّعات، بخلق مصاعب لـِ «إسرائيل» كتوفير أسلحة متطورة لـِ «حماس» وحزب الله، «ولا أحد يعرف متى سيقرّر هؤلاء استخدام ترسانة الأسلحة التي راكموها». في هذا السياق، تحدث نتنياهو بعدما عيّن نفسه وزيراً للأمن او الحرب؟ بديلاً من أفيغدور ليبرمان المستقيل عن «المعركة الأمنية الدائرة وعن الحاجة إلى التصرف بمسؤولية». وقد فسّر ايستيك «المعركة الأمنية» التي أشار إليها نتنياهو بأنها «تعني احتمال مواجهة حركة حماس في الجنوب وحزب الله في الشمال في إطار ما تطبخه إيران من ردّ شامل على ما تحوكه أميركا و«إسرائيل» ضدّها من عقوبات وسيناريوات هجومية» صحيفة «يسرائيل هيوم»، 18/11/2018 .
في موازاة هذه التقولات بشأن ما «تطبخه» إيران وكيف تعتزم «إسرائيل» الردّ عليها، كشف نتنياهو خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست يوم الاثنين الماضي ما أسماه «اقتراحاً روسياً» تلقته الولايات المتحدة حول فكرةٍ لإخراج إيران من سورية ومنعها من التمركز العسكري فيها مقابل تخفيف العقوبات الأميركية عليها.
نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ردّ على نتنياهو بتصريح لم يؤكد فيه كما لم ينفِ «الاقتراح الروسي» المذكور موضحاً بأنه «كانت لدينا اتصالات وأفكار طرحت على طاولة البحث وقد تكون قريبة من فكرة الإقتراح، لكنها لم تُستكمل»!
الكشف عن «الإقتراح الروسي» كشف بدوره حقائق أخرى أبرزها ثلاث:
ـ أنّ طاولة البحث التي ضمّت مندوبين روساً وأميركيين لم تُدعَ إليها وربما لم تُستشر بشأنها مسبقاً إيران وسورية الأمر الذي أثار امتعاضهما، فسارعت الخارجية الروسية إلى إصدار بيان توضيحي يُفهم منه حرص موسكو على مراعاة مصالح إيران في سورية كون البلدين مستهدفين بعقوبات أميركية شأن روسيا.
ـ أنّ الولايات المتحدة أدركت عدم جدوى عقوباتها في إكراه إيران على تغيير سياستها ما حملها على البحث عن طريقة بديلة لتحقيق بعض مراميها بالسياسة ما عجزت عن تحقيقه بالعقوبات.
ـ أنّ نتنياهو كان على علمٍ بطبيعة الحال بطاولة البحث الأميركية – الروسية وبـ «الإقتراح الروسي» الأمر الذي حمله على التلويح لغرمائه ومنافسيه في «إسرائيل» بما أسماه «المعركة الأمنية»، ويعني بها ما يمكن أن يترتب على إقرار «الإقتراح الروسي» أو عدم إقراره من تداعيات سياسية وأمنية قد تستوجب، في رأيه، عدم حلّ حكومته لتفادي الإنشغال بمعركة انتخابية غير مأمونة النتائج و… العواقب.
إنّ كلّ التطورات والاحتمالات سالفة الذكر لها انعكاسات سلبية وإيجابية، والأرجح أنّ إيران وروسيا قادرتان على التعامل معها بما يخدم مصالحهما المشتركة في وجه الخصم المشترك الذي هو الولايات المتحدة. لكن ثمة سؤالاً لا بدّ من طرحه: أليس من حق سورية، بعد الحرب المدمّرة التي جرت فيها وعليها، ألاّ تكون بأي شكل من الأشكال ساحةً لتصفية الحسابات وعقد الصفقات بين أميركا وروسيا وغيرهما من دول كبرى أو إقليمية؟ وإذا كان حقها هذا ساطعاً وقاطعاً، كيف السبيل إلى تحقيقه وحمايته وكفالة مفاعيله الوطنية والسياسية والاقتصادية، محلياً وعربياً وإقليمياً؟
لا شك في أنّ أطراف محور المقاومة محيطون بكلّ التحديات سالفة الذكر وبمتطلبات مواجهتها، ولعلهم عاملون في هذا السبيل بلا إبطاء. مع ذلك، أرى من الضروري التأكيد مجدّداً على موقف القوى الوطنية والتقدمية الملتزمة خيار المقاومة والتحرير ونهجهما الداعي والعامل بلا كلل من أجل اعتباره أولويةً أولى في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها الأمة. من هنا تستبين الحاجة الاستراتيجية إلى تمتين مرتكزات وتأمين متطلبات محور المقاومة بكلّ أطرافه، ولا سيما بين سورية والعراق، بغية تحرير وحماية كامل التراب العربي في سوراقيا من مخاطر ومطامع الكيان الصهيوني العنصري العدواني، ومخططات تركيا الساعية إلى السيطرة على مساحات واسعة من الأرض والموارد الطبيعية في كِلا القطرين وعلى طول حدودهما معها، وكذلك حمايتها من الولايات المتحدة التي تحتلّ أجزاء من شرق سورية بغية تنفيذ مخططات عدوانية تقسيمية تنال من وحدتها وسيادتها ومواردها الطبيعية من نفط وغاز، كما تهدّد الأمن العربي القومي.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/11/26