ناصر قنديل

– في المثل الرائج «تغطية السموات بالقبوات» إشارة لحالة قد تنوجد في أي جدال أو سجال أو حالة في المجتمع أو في السياسة. ويقصد بها اختراع قضية للتغطية على قضية أخرى، بصورة مفتعلة، لأن السماء تعلو كل قبة ولا تغطي القباب السموات، ونشهد في هذه المرحلة اللبنانية شيئاً شبيهاً. فلنبدأ من حكاية العقدة الحكومية، ببساطة وبلا فذلكات في البلد فريقان يتواجهان منذ سنوات هما فريق الثامن من آذار وفريق الرابع عشر من آذار، ومحاولات التحدّث عن زوال الانقسام بينهما أول تغطية للسماوات بالقبوات. فالانقسام بين اللبنانيين بائن وظاهر ولا يحتاج دليلاً أكثر من العجز عن تشكيل حكومة، وليدلنا فطاحل الحديث عن نهاية الانقسام بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار على موضوع ينقسم حوله الفريقان اللبنانيان اللذان يضم أحدهما تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ومحور ما يجمعه وما يفصله عن الفريق المقابل هو الموقف من المقاومة وسلاحها والموقف من سورية والعلاقة معها. والعقدة الحكومية الراهنة تقول ممن يتكوّن الفريق المقابل الذي تجري محاولة لتبعيضه، وهو الفريق المتمسك بالمقاومة وسلاحها وبالعلاقة مع سورية، ويضم حركة أمل وحزب الله وتيار المردة والحزب السوري القومي الإجتماعي وعدداً من النواب المنفردين منهم أعضاء اللقاء التشاوري وسواهم، ويقف التيار الوطني الحر بين الفريقين على مسافة أقرب لقوى الثامن من آذار، لكن دون التطابق معها في المفاهيم والمصطلحات، ولا انقسام آخر في لبنان إلا عند الذين يريدون تغطية السموات بالقبوات.

– تغطية السموات بالقبوات هي أن يتمّ الحديث عن تمثيل بالمفرق لقوى الثامن من آذار لاستضعافها، بل لاستحمارها، ويتم تمثيل بالمفرق لقوى الرابع عشر من آذار تذاكياً لكسب المزيد، فبلعبة تغافل وتغطية سماوات بقبوات، تنال قوى الرابع عشر من آذار إثني عشر وزيراً مقابل سبعة فقط لقوى الثامن من آذار، رغم تمثيل نيابي متساوٍ بينهما هو 44 – 45 نائباً، ويتباكى أركان الرابع عشر من آذار على الظلم اللاحق برئيس فريقهم الذي يتولى تأليف الحكومة لأن قوى الثامن من آذار طلبت تعديلاً بسيطاً في الخلل ليصير التمثيل الوزاري لعدد النواب ذاتهم، 11 بـ 8، فهل من مثال على تغطية السموات بالقبوات أكثر وضوحاً؟

– عندما يتحدّث الرئيس الحريري عن غياب كتلة تمثل النواب السنة من خارج تياره، وعن كونهم ممثلين من ضمن كتل أخرى، فهو أيضاً يغطي السموات بالقبوات، والدليل أنه وفقاً لمنطقه، فليرفض تمثيلهم ككتلة، ولينصف تمثيل الكتل التي ينتمون إليها أصلاً، فكتلة التنمية والتحرير تتمثل بـ 17 نائب وتنال ثلاثة وزراء فقط، بينما كتلة القوات اللبنانية تتمثل بـ 4 وزراء مقابل 15 نائباً وكتلة اللقاء الوطني التي تضمّ النائب فيصل كرامي مع نواب تيار المردة تتمثل بوزير واحد بينما تضم 7 نواب، ووفقاً لمبدأ تمثيل القوات والاشتراكي والمستقبل يحق لها التمثل بوزيرين، لكن كيف تكون تغطية السموات بالقبوات إن لم تكن كذلك؟

التتمة ص8

– القضية ببساطة هي تعطيل الحكومة، وتحميل المسؤولية لحزب الله، ولمن يسأل لماذا عليه أن يفتش عن تغطية السموات بالقبوات ومعناها. فالعقوبات الأميركية ليست إلا حرباً نفسية مفعولها الحقيقي هو في هذه اللعبة الجهنمية التي تجري محاولات نقلها إلى الشارع في اصطناع مظلومية لرئيس الحكومة والهدف هو ترجمة العقوبات الفعلية التي تتشكّل أدواتها في الداخل اللبناني، بالضغط المالي مرة، والتهويل حول مصير الليرة مرات، ووقف تمويل قروض الإسكان وتعطيل الحكومة والتهديد بالشارع، أليست هذه تغطية السموات بالقبوات؟

– عندما تموّل دولة الإمارات رسمياً دراسة تنفيذية لأنبوب الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، وعندما تقول «إسرائيل» جهاراً إنها تستعجل بيع غازها واستثماره قبل أن يصير لبنان جاهزاً، فهل أكثر من تعطيل للجهوزية اللبنانية من تعطيل تشكيل الحكومة، وإن احتاج التعطيل إلى تمويل وفقاً لمعادلة تغطية السموات بالقبوات، فلتكن كلفة التعطيل جزءاً من كلفة دراسة الأنبوب الإسرائيلي، فهذا غيض من فيض تغطية السموات بالقبوات.

– عندما يلاقي ولي العهد السعودي هذه الحملة الشعبية والحقوقية في استقباله، وتسقط الهالة التي أحاطت برموز المملكة لعقود، يصير مطلوباً أن يخرج في لبنان من ينال من هالة المقاومة ورمزية قائدها فيتحدّث عن تشبيه حزبها بالرجل الآلي العديم الرحمة والمشاعر ويحمّله مسؤولية تعذيب اللبنانيين وربما تقطيع أوصالهم، كما فعلوا بجثة جمال الخاشقجي في قنصليتهم في اسطنبول، تحت شعار أن استقرار السعودية ضمان لمصلحة لبنانية، والرئيس الأميركي يقول للأميركيين أن هذا الاستقرار ضمان لأمن «إسرائيل»، فكيف لهذا أن يحدث إلا ضمن معادلة تغطية السموات بالقبوات؟

جريدة البناء اللبنانية