خريطة طريق للإسكان
غسان بادكوك
ربما لو تم إجراء استطلاع شعبي واسع النطاق بين السعوديين حول أكثر الهواجس التي تشغل حيزاً واسعاً من تفكيرهم، لجاء حلم امتلاك مسكن خاص في الترتيب الأول على قائمة طويلة؛ ربما تشمل ثانيا تطوير الخدمات الصحية (وقد يتفاوت هذا الترتيب وفقا لعيِّنة البحث)؛ ولكن هذا لا يعني بطبيعة الحال استثناء هواجس أخرى مهمة؛ منها حصول الخريجين الجدد على فرص وظيفية مناسبة، أو تطوير مستوى تعليم الأبناء، استطلاع كهذا هو مؤشر فقط على الأولوية التي يحظى بها امتلاك السكن عند شريحة متعاظمة من المواطنين، الذين فقد غالبيتهم الأمل في قدرتهم على تحقيق ذلك الحلم؛ ولاسيما بعد استمرار الارتفاع الهائل والمفتعل على أسعار الأراضي السكنية، خلال العقد الماضي على وجه التحديد، ليس فقط داخل النطاقات العمرانية للمدن بل وحتى خارجها!. ومع الأسف فإنه رغم المخصصات المالية الضخمة والجهود الاستثنائية التي لم تبخل بها الدولة ممثلة في قيادتنا الرشيدة لتيسير امتلاك المواطنين لمساكنهم، فإن أداء الأجهزة الحكومية المختلفة المعنية بالموضوع، لم يستطع أن يواكب دعم الدولة اللامحدود لحل هذه المشكلة المزمنة التي باتت تؤرق أكثر من 60% من السعوديين، بعد اضطرار معظمهم لدفع ما يزيد على 35 % من دخولهم للإيجارات، والتي بدورها تواصل الارتفاع بدون ضوابط تحد من مغالاة الكثير من الملّاك؛ ممن استمرأوا الزيادات السنوية غير المبررة، في غياب قانون ينظم عملية رفع الإيجار!؛ ليس فقط للبيوت وإنما كذلك للمحلات التجارية ومباني قطاع الأعمال، وهو ما أسهم في تضخم أسعار كافة السلع والخدمات عاماً بعد عام؛ يأتي ذلك رغم الإحصاءات (الغريبة) التي تفاجئنا بها الجهة المعنية من آن لآخر، والتي تحاول أن تقنعنا بأن مؤشر غلاء المعيشة لا يتجاوز 3 % في أسوأ الحالات!.
وحتى يمكن حل هذه الإشكالية المعقدة التي تم إهمالها طويلاً، كان لابد من التشخيص الدقيق لأسبابها الرئيسية، قبل معالجتها من جذورها، وهو ما اقتربت منه الدولة أخيراً بإقرارها فرض رسوم على الأراضي البيضاء، في مبادرة جادة منها للتصدي لتضخم الأسعار، وفك احتكار القِلّة الذي أسهم في تحويل الأراضي من وسيلة للبناء إلى أداة لتوريث الأموال، وهو ما أدّى إلى أن تصبح 40 % من مساحة العاصمة الرياض - على سبيل المثال - عبارة عن أراض فضاء داخل النطاق العمراني!، هذا فضلا عن تسبب ذلك في رفع نسبة قيمة الأراضي إلى إجمالي تكلفة المساكن، لما يزيد على 60 %، في حين تتراوح هذه النسبة بين 20 إلى 25 % في الدول الصناعية، وتقل عن ذلك بشكل كبير في الكثير من الدول النامية، حيث يبلغ متوسطها هناك نحو 10 % فقط.
ولا تتوقف تحدياتنا السكنية على ما تقدم، بل أسهم تحدٍ آخر في تفاقم معضلة امتلاك السكن وهو عدم ارتفاع مستوى دخل الفرد، الذي تُقدِّره العديد من المصادر بنحو 80 ألف ريال سنوياً، في الوقت الذي يبلغ فيه (متوسط) أسعار البيوت الجديدة حالياً - بمختلف أنواعها ومساحاتها وتصميماتها ومواقعها - نحو مليون ريال، وهذا يعني أن قيمة الوحدة السكنية تبلغ حوالي 12 ضعف متوسط الدخل السنوي لغالبية المواطنين، وهو مُضاعف مرتفع جداً بالمقاييس العالمية التي تتراوح بين 3 إلى 4 أضعاف فقط؛ كما هو الحال في الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، ويضاف لما تقدم تسارع وتيرة النمو السكاني الذي يبلغ نحو 2.5 % سنوياً على الأقل، وسيطرة الشريحة العمرية الشابة على التعداد السكاني للمواطنين بنسبة عالية تبلغ أكثر من 60 %؛ يبلغ منهم نحو 150 ألف فرد سن الزواج سنوياُ وهو ما يسهم في خلق طلب مرتفع على المساكن بواقع قد لا يقل عن 200 ألف وحدة كل عام.
ومع واقع معقد كهذا، يتساءل المواطنون عن قدرة وزارة الإسكان على التعامل بكفاءة مع مشكلة بهذا العمق والأبعاد، خصوصا وأن ما رشح حتى الآن من حلول وتصورات، أو حتى من نتائج محدودة على أرض الواقع طوال عمر وزارة الإسكان، لا يدعو للكثير من التفاؤل، مع ترجيحنا بأن معالي الوزير ماجد الحقيل ربما لا يزال في مرحلة دراسة الأوضاع، واستكشاف الفرص، والمفاضلة بين الخيارات.
والأكيد هو أن حل مشكلة صعوبة امتلاك المساكن في المملكة يتطلب العمل على أكثر من اتجاه؛ في نفس التوقيت، وفيما يلي بعض التصورات التي لا أشك بأنها حاضرة في أذهان مسؤولي وزارة الإسكان وأن ما يتطلبه الأمر هو عدم إضاعة المزيد من الوقت لتبنّيها وتشمل:
1- تقديم الدولة تسهيلات للمطورين العقاريين تشمل قيمة الأراضي وتأشيرات العمالة الحرفية، لتحفيزهم على سرعة بناء مساكن مختلفة المساحات والأسعار.
2- تشجيع الشركات الكبرى على إطلاق برامج ميسرة لتمليك موظفيهم بيوتاً تتناسب مع مختلف مستويات الدخول؛ كتجربة شركة أرامكو الناجحة على سبيل المثال.
3- زيادة فاعلية تحصيل قروض صندوق التنمية العقاري التي كان التراخي فيها سبباً في انخفاض موارد الصندوق المُعدّة للإقراض.
أضيف بتاريخ :2016/02/27