عبر من استشهاد نعالوة والبرغوثي
د. عبد الستار قاسم
استفاقت فلسطين يوم الخميس الموافق 12/كانون أول/2018 على يوم صعب إذ استشهد ثلاثة من أبنائها البررة الذين واجهوا الاحتلال الصهيوني بثقة وعزم وإيمان راسخ وهم أشرف نعالوة ابن قرية شويكة/طولكرم، وصالح البرغوثي ابن قرية كوبر/رام الله. وشهيد ثالث وهو مجد جمال مطير من سكان مخيم قلنديا وغير معروف البلدة الأصلية حتى الآن. رحم الله الشهداء الأبرار وأسكنهم فسيح جنانه.
من خلال اتصالات وسائل الإعلام بي حول الموضوع وقدرة الصهاينة على كشف أماكن اختباء المجاهدين كان التركيز على دور السلطة الفلسطينية في تقديم المساعدات الاستخبارية للمخابرات الصهيونية من خلال التنسيق الأمني الخطير على الأمن الفلسطيني. وردي أننا حقيقة لا نعلم ما قدمته السلطة الفلسطينية للصهاينة من معلومات، ومعرفتنا بالأمر على يقين ستأخذ وقتا طويلا. إنما السلطة متهمة في كل الأحوال، وسواء قدمت معلومات للاحتلال أو لم تقدم والسبب أنها ما زالت ملتزمة باتفاق أوسلو والتنسيق الأمني مع العدو.
تأتي الإجراءات الصهيونية ضد عموم الناس في المرتبة الثانية من التركيز. وردي أن كل إجراءات الاحتلال متوقعة، وهي إجراءات تقليدية تشمل الاعتقالات وتخريب الممتلكات واقتلاع الأشجار وهدم البيوت، الخ. شرح إجراءات الاحتلال لن يختلف عن الشرح الذي كنا نقدمه قبل عشرين عاما أو قبل خمس سنوات.
وأنا أحول النقاش إلى نقطتين وهما:
ـ أولا التحصين الأمني. أغلب شباب فلسطين غير مثقفين حول معايير التحصين الأمني، ومستوى وعيهم بهذا الموضوع ما زال منخفضا جدا إلى درجة أن بعضهم ما زال يستخدم وسائل الاتصال الحديثة حول نشاطهم. الفصائل الفلسطينية والأحزاب لم تقدم البرامج الكافية حول مهارة التحصين الأمني وخداع أجهزة الأمن وتضليلها، والمفروض أن تنبري وسائل الإعلام الفلسطينية لهذا الموضوع وأن تقدم دائما المعلومات الوافية التي ترفع من مستوى الوعي الأمني لدى الشباب والشابات. وهناك تجارب عالمية متعددة يمكن الاستفادة منها في بلورة مفاهيم للتحصين الأمني والإجراءات المرافقة لها. هناك تجربة الجزائر، وتجربة فياتنام، وتجارب القاعدة وحزب الله. من الممكن دراسة هذه التجارب وتقديم النتائج لمن يريدون تحصين أنفسهم أمنيا.
ـ ثانيا: استنفر الصهاينة أعدادا كبيرة من جنودهم بحثا عن أشرف نعالوة وعن صالح البرغوثي، واستنفرت أجهزتهم الأمنية، ومن المحتمل أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية قد استنفرت أيضا بحثا عن المجاهدين. فإذا كان اثنان من المجاهدين يضعون الكيان الصهيوني ومن والاهم على رؤوس أصابعهم فما بالك لو كان العدد كبيرا؟ هذه مسؤولية المقاومة الفلسطينية في غزة. هل بإمكان المقاومة الفلسطينية في غزة تفعيل المقاومة في الضفة الغربية أم لا؟ نعم ممكن. المهمة صعبة جدا بخاصة أن المقاومة تعاني من ملاحقة أجهزة الأمن الصهيونية والفلسطينية. لكن على المقاوم أن يحترم معايير التحصين الأمني باستمرار وعليه أن يفترض أن كل أجهزة أمن المنطقة العربية تلاحقه وتتبعه وتعمل على الإيقاع به.
إذا فعلت المقاومة في غزة ذلك فإنها ستصنع مشكلة كبيرة للصهاينة والسلطة على حد سواء، وستجبر الصهاينة على أحد أمرين وهما: إجبارهم على الانسحاب من الضفة الغربية دون قيد أو شرط، أو دفعهم إلى رفع الحصار عن قطاع غزة بدون شروط أيضا.
المعنى أن علينا أن ننتبه إلى أن الشتائم التي نوجهها ضد الاحتلال قد تنفّس عنا نفسيا لكنها لا تحل مشكلة. فقط تطوير قدراتنا هو الذي يسعفنا ويريحنا من الاحتلال وربيبته.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/12/14