هل ينفجر الصراع التركي الأميركي؟
د. وفيق إبراهيم
يزداد الصراع الأميركي التركي في شمال سورية ومناطقها الشرقية نتيجة لعجز الأميركيين عن اختراع حلّ بثلاثة رؤوس:
أولاً المحافظة على هيمنة الأكراد على طول نهر الفرات في منطقة تمتد من مشارف الحدود السورية العراقية إلى جهات تقترب من الحدود السورية مع تركيا وذلك لتغطية المشروع الأميركي المتستر بالمشروع الكردي.
ثانياً: الإصرار على عدم استفزاز تركيا مما يتهددها من المشروع الكردي الذي يستهدفها حكماً إذا نجح في تأسيس كانتون له على أراضي شرقي سورية حتى أجزائها الشمالية.
ثالثاً: تجهدُ واشنطن لاستيعاب التهديد العسكري التركي ومنعه من اجتياح شرق الفرات للقضاء على المشروع الكردي بذريعة أنه إرهابي يغطي المشروع الفعلي الإقليمي لحزب العمال الكردي التركي، لذلك تطلق واشنطن تهديدات متنوعة تحذر أنقرة من بدء الهجوم.
هذه المحاولات الأميركية جاءت على شكل تهديد للمعارضات السورية ونصائح للأتراك.
لكنها دعت الطرفين إلى عدم الاقتراب من القوات الأميركية والفرنسية اللتين تقطعان الطرق عن أي هجوم محتمل على الحليف الكردي، يكفي أن واشنطن حذرت بعنف الجيش الحر الذي زعم أن قواته المشاركة تتعدّى 15 ألف عنصر.
هذا على المستوى العسكري أم في الخفاء يخوض الأميركيون مفاوضات قاسية مع الأتراك لتجميد عملياتهم العسكرية لبضعة أشهر مقدمين أسباباً لا تقبضها أنقرة الخبيرة بالمماطلة الأميركية التاريخية.
في هذا المجال يزعم الأميركيون أنهم بحاجة إلى عدة أشهر فقط للقضاء على آخر بؤر للإرهاب في شرق الفرات ويزعمون أن داعش التي كانت تملك 40 ألف عنصر في هذه المناطق لم يعد لديها إلا بؤر تنتشر في الشرق ما يفرض على الجيش الأميركي والكرد القضاء عليها قبل نموها مجدداً وعندها يصبح بالإمكان مفاوضة أنقرة على كل المواضيع، كما يزعم الأميركيون.
لكن أنقرة تواصل حشد قواتها الضخمة في الشمال ولا تأبه للتهديدات الأميركية بدليل أنها شنت غارات جوية استباقية على مواقع حزب العمال الكردستاني في مناطق سنجار العراقية البعيدة عن حدودها 106 كيلومترات مع قصف صاروخي ومدفعي أصاب نقاط كردية شمال سورية.
ماذا يريد الترك؟
يؤكدون أن الكرد في سورية والعراق هم من حزب العمال الكردستاني صاحب مشروع كردستان الكبرى ووحدات حماية الشعب الكردية السورية هي من أجنحته العسكرية.
لذلك يطالبون بسحب نقاط المراقبة التي نصبها الأميركيون عند حدودهم مع سورية قرب جرابلس ويرون أنها عيون إضافية لمساعدة الكرد على تأسيس مشروعهم السياسي.
وللمزيد من الضمان يُصرون على تطبيق اتفاق لهم مع الأميركيين على سحب الكرد من مدينة منبج وتسليمها لهم، لكن الأميركيين لم يُنفذوا الاتفاق الذي كان يجب أن يتسلم الأتراك المدنية بموجبه منذ حزيران الماضي ويريدون أيضاً نقاط مراقبة لهم في جرابلس والسيطرة عليها بواسطة الجيش السوري الحر المزعوم التابع لهم، مؤكدين حقهم باسترداد مدينة «عين العرب» «كوباني» المحررة منذ 2014 بدعوى أن غالبية سكانها هم من العرب مقابل أقلية كردية هامشية.
وتقول أنقرة أيضاً أن الكرد في مناطق شرق الفرات لا يشكلون ربع سكانها ما يعني أنهم يسيطرون على مناطق للغالبية العربية وبالقوة المسلحة المدعومة من الأميركيين والفرنسيين.
تدفع هذه الخلافات السياسية العميقة المتواكبة مع استعدادات عسكرية ضخمة إلى الجنوح نحو ترجيح احتمال حرب محددة بين الطرفين الكردي والتركي قد يتمكن الأميركيون من استيعابها في حال تطورها نحو الأسوأ.
ماذا الآن عن موازنات القوى السياسية؟
الأكراد مشروع أميركي يختبئ بشكل واضح خلف الادعاء بمحاربة الإرهاب، لكنه يؤسس فعلياً لتفتيت سورية حسب الرغبات الأميركية، وتقسيمها على أساس وجود نفوذ أميركي كبير في الشرق وبعض الشمال مقابل نفوذ روسي مؤيد للدولة السورية في الغرب حتى حدود النفوذ التركي، وهذا واضح في دعوة الأميركيين للروس لتأييد مشروع انسحاب الإيرانيين والقوى المؤيدة لهم في سورية وهذا ما لم تقبل به موسكو ولا إيران ولا الدولة السورية.
من الممكن هنا إضافة الاتحاد الأوروبي إلى جانب الجهة التي تؤيد الأكراد إلى جانب قطر المؤيدة لأنقرة والسعودية والإمارات المواليتين للمشروع الأميركي في سورية وبالتالي للكرد وبعض العشائر العربية الممولة منهما.
في الجهة التركية فلديها الائتلاف الوطني السوري الذي أعلن مباركته لغزوها العسكري المرتقب لما يُفترض انه وطنه والجيش الحر «المفبرك» الذي يدّعي أن مشاركته مع الجيش التركي في الهجوم قد تصل إلى 15 ألف جندي في وقت تقول صحيفة اللوموند الفرنسية إن قسماً قليلاً من عناصر الجيش الحر يتكلمون اللغة العربية وذلك في إشارة إلى وجود قسم معتبر منهم من عناصر الجيش التركي ولدى أنقرة أيضاً جبهة النصرة وحراس الدين من الأخوان المسلمين وبعض التنظيمات من تركمان سورية وأحزاب التوحيد.
أما لجهة الدول تحظى تركيا بتأييد إيراني في هجومها المرتقب يتقاطع مع تأييد روسي قال علناً أن الأكراد يؤمنون تغطية للاحتلال الأميركي لبلادهم، وطهران هاجمت أيضاً الدور الأميركي في شرق سورية وشمالها.
لماذا هذا التأييد الصريح من قبل طهران وموسكو مقابل رفض سوري رسمي لأي دور تركي أو كردي على السواء، فدمشق تعتبر تركيا قوات احتلال والكرد في قسد «منشقين» عن الدولة ومتعاونين مع المحتل الأميركي.
يتبين بالتحليل أن أردوغان استشعر بحاجة الأميركيين إلى التقدم في تشكيل مشروعهم الكردي وذلك بعد نجاح روسيا وطهران في تسهيل تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وهذا يؤدي إلى إمساك مؤتمري استانة وسوتشي بمركزية الحل السياسي السوري عبريهما.
وهذا يشجع على الاعتقاد أن إيران وروسيا تريدان تحسين وضع تركيا قبالة المشروعين الأميركي والكردي ويحولان دون تأمين ظروف مؤاتية لتفتيت تركيا والعراق وإيران أيضاً، بتشجيع أميركا والسعودية للأكراد فيها.
ويبدو أن تركيا تعهدت بالمقابل لهاتين الحليفتين بإيجاد حل كامل لمشكلة إدلب تعيد السيادة السورية الكاملة إليها.
وبذلك يدخل الكرد مجدداً في «طاحونة الأمم» ومعهم معارضات سورية متوهمة أن لا يزال لديها الوقت للعودة إلى وطنها وإعلان ولائها للدولة السورية المستعدة دوماً لاحتضان أبنائها الذين أخطأوا في حق وطنهم في ساعات غفلة وقلة تدبر ويأس.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/12/17