الطائفية والأزمات السياسية
هاني الفردان
الطائفية مفهوم مشتق من «طاف، يطوف، طواف، فهو طائف» فالبناء اللفظي يحمل معنى تحرك الجزء من الكل دون أن ينفصل عنه، بل يتحرك في إطاره وربما لصالحه.
والطائفية كتعريف هي انتماء إلى طائفة معينة دينية أو اجتماعية لكن ليست عرقية، فمن الممكن أن يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف أوطانهم أو لغاتهم.
كثير هي الأحداث الطائفية التي يسردها التاريخ، منها على سبيل المثال ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى بين البروتستانت والكاثوليك أو الأرثوذكس والكاثوليك. وقد كانت الطائفية أبرز الانقسامات التي تحدث عنها التاريخ بين السنة والشيعة في العراق في القرن الثالث عشر ميلادي وما قبله وما بعده، وكذا كان للمسيحيين العرب دور بارز في حملة نابليون على مصر إذ كانوا في صف نابليون.
من حق كل البشر الانتماء والتصريح بالانتماء إلى أي دين أو اعتقاد أو طائفة، بشرط أن تكون أفكار الشخص لا تحض على أذى أو الإجرام بحق الآخرين.
معظم الأحيان تكون «الطائفية السياسية» مكرسة من ساسة ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي، بل هو موقف انتهازي للحصول على «عصبية» كما يسميها بن خلدون أو شعبية كما يطلق عليها في عصرنا هذا، ليكون الانتهازي السياسي قادرا على الوصول إلى السلطة.
إن مجرد الانتماء إلى طائفة أو مذهب لا يجعل الإنسان المنتمي إلى تلك الطائفة طائفيًّا كما لا يجعله طائفيًّا، عمله لتحسين أوضاع طائفته أو المنطقة التي يعيشون فيها من دون إضرار بحق الآخرين، لكن الطائفي هو الذي يرفض الطوائف الأخرى ويرفض إعطاءها حقوقها أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها؛ تعاليًا عليها أو تجاهلاً لها وتعصبًا ضدها، أو حتى للحفاظ على ما أخذه من غير وجه حق بفعل أوضاع واعتبارات سياسية، حتى اعتبرها مكتسبات لا يمكن التنازل عنها على رغم كونها ليست حقّاً له.
الحقوق البشرية والإنسانية لا يمكن أن تقسم وتجزأ بين الناس، فالناس سواسية في جميع الحقوق المدنية والسياسية، ولا فرق بين مسلم أو مسيحي أو هندوسي، أو شيعي أو سني، أو البروتستانت والكاثوليك... إلخ من التقسيمات على أسس دينية وطائفية.
مصطلح الطائفية، مصطلح أصبح (رجاجاً) وغالباً ما يستعمل للابتزاز السياسي، والتهويل والتخويف من الآخرين، عندما يكون الحراك ذا صبغة سياسية، إذ يبدأ العمل على التخويف من تلك المطالب بوصمها بمصطلحات متعددة، كما حدث إبان انطلاق الثورة التونسية والمصرية والليبية وغيرها.
على الصعيد البحريني، كان مصطلح الطائفية غائباً حتى حركتْه أطراف معينة، وتبنتْه جهات واضحة، وروجت له، عبر قنوات تلفزيونية ومقابلات صحافية.
فقد نشرت صحيفة «الحياة» لقاء مع مسئول بحريني رفيع أكد أن «الأزمة في البحرين طائفية»، وأن «المشكلة» في البحرين ليست بين حكم ومعارضة، بل عبارة عن «مسألة طائفية» بين السنة والشيعة!
بعد استغلال مصطلح «الطائفية» سياسيّاً في وقت معين، تم التراجع عن ذلك عندما تبنى العالم ذلك الخطاب العلني، وصنفت البحرين ضمن مناطق الصراع الطائفي كالعراق وسورية في خطاب للرئيس الأميركي الثلثاء (24 سبتمبر/ أيلول 2013) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
هناك من وقع في خطأ استراتيجي واضح، لم يستوعب أبعاد الحديث عن وجود أزمة «طائفية» في البحرين، فيما لم تنجح محاولات التصحيح اللاحقة لذلك، في ظل وجود من حمل على ظهره الترويج لتلك المسألة، كجمعية «تجمع الوحدة» التي أصدرت تقريرها ووثقت فيه أن حراكها كان طائفيّاً، ولحفظ «كيانهم»، بعد توصيفهم لمشهد أحداث «فبراير 2011» بـ «الطائفي» أيضاً، وما ذكر من أن استخدامهم كان «كورقة ضغط شعبية مناهضة رافضة لتلك المطالبات الأحادية، وهذا الموقف المناهض والرافض كان في ظاهره لصالح المكوّن الآخر من المجتمع في حفظ كيانه وحقوقه.
هناك أيضاً من تحدث في تصريحات علنية موثقة عبر وكالات الأنباء العالمية (وكالة الأنباء الفرنسية في 27 مايو/ أيار 2012) وقال بالحرف الواحد: «الآن انتهت الثقة بين الطائفتين السنية والشيعية»، وحاول في وقت آخر التنكّر من تبعات ما روّج لهُ واستمات في الدفاع عنه خلال عامين ونصف العام، من وجود أزمة طائفية في البحرين.
هذه حقائق تاريخية تؤكد حقيقة مَنْ أظهر روح الكراهية الطائفية، وهي موثقة، ولا يمكن التملص منها أبداً بعد أن أقرّوا بها على أنفسهم، فهي لاصقة بظهورهم وباعترافاتهم، ولا يمكن أن ترمى على ظهور الآخرين، الذين كانوا يرون أن ما يحدث في البحرين أزمة سياسية وليست طائفية.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/02/29