المرتاحون والقلقون من الانفتاح الخليجي على دمشق
كمال خلف
عودة فتح السفارة الإماراتية وبعدها مباشرة البحرينية كان متوقعا وليس مفاجئا ، سبقه الكثير من المقدمات والمؤشرات ، ومن نافل القول التأكيد بأنه ليس معزولا عن إطاره الخليجي والدولي ، بعد أن اتضح أن كافة أطراف الصراع في سوريا وعليها تعيد تموضعها حيال الأزمة . هو ليس بعيدا عن الضوء الأخضر الأمريكي والتنسيق السعودي ، وربما ليس بعيدا عن الخلاف المتصاعد مع تركيا ، والخلاف المستمر مع قطر . وهو بلاشك تسليم بنتائج الحرب قبل كل شيء . لن تتوقف الأمور عند هذا الحدث ، مازال هناك الكثير في حقيبة مرحلة الانفتاح ، لكن كل شيء حسب مصدر دبلوماسي عربي سوف يسير بالترتيب ، وكل خطوة سوف تبني على سابقتها . لا تستبعد المصادر زيارة خليجية عالية المستوى إلى دمشق ، يقال أن العمل يجري عليها . إذن الأمور تسير بسرعة ولن ننتظر الكثير من الوقت حتى نصل إلى مرحلة جديدة جذريا ، سوريا تفرمل قليلا هذه السرعة لأنها ترغب بعلاقات تقوم على أسس راسخة وليس على ردات فعل ، أو انتصارات إعلامية .
تقول بعض المصادر أن السعودية تطلب من دمشق الحد من النفوذ الإيراني في سوريا كبادرة تشجع الرياض على إعادة العلاقة بعد الإمارات والبحرين . وإن كنا نقر أن هذه المصادر مقربة فعليا من صانع القرار في المملكة ، إلا أننا لا نظن أن ذلك صحيحا ، لأن حدود معرفتنا المتواضعة تشي بأن الأولوية الآن بالنسبة للسعودية هي محاربة تركيا وليس إيران .
وزير الدولة للشؤون الخارجية “انور قرقاش” قال إن الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغول الإقليمي الإيراني والتركي”، معتبرًا أن الإمارات تسعى عبر حضورها في دمشق لتفعيل هذا الدور.
إذا كانت هذه الأطراف الخليجية وصلت إلى هذه القناعة فعلا ، فهذا يعني أن تبني استراتيجية إسقاط النظام بالقوة عبر جماعات مدعومة من هذه الأطراف كان خطأ . وأن ما كنا نكتبه وندان ونهاجم عليه ، كان عبارة عن نصائح مبكرة لم يؤخذ بها وهذه السياسيات الغير مدروسة كانت هي بوابة للتدخلات الأخرى ، التي ثبتت حضورها في المشهد السوري واستطاعت التأثير فيه بينما خرج الدور العربي كما دخل مخلفا الدمار والدماء .
إن التدخل العربي بهذا الشكل الفج والعشوائي، هو من دفع سوريا إلى توثيق العلاقة مع إيران إلى درجة التحالف الصلب .
كان المتوقع أن تقدم قطر على خطوة تسبق فيها محور الإمارات البحرين السعودية نحو دمشق ، الطريق أمام الدوحة كان أسهل على اعتبار أن ثمة تقارب كبير جرى بينها و بين إيران على خلفية وقوف طهران مع الدوحة في أزمة المقاطعة الخليجية المصرية قبل عامين . بالإضافة إلى مسارعة الدوحة إلى فتح خط العلاقة الجيدة مع حزب الله ، وذلك انعكس في وسائل الإعلام القطرية بشكل واضح . كما أن الدوحة كانت حليف سابق لدمشق قبل اندلاع الأزمة 2011 .
كان من المفترض أن يكون حلفاء دمشق ، حزب الله وإيران جسر تواصل بين دمشق والدوحة، إلا أن الآراء حول هذه الصلات انقسمت حسب مصدرين ، الأول يفيد أن الدوحة كما أنقرة أحجمت عن فتح العلاقة المباشرة ، وفضلت أن تكون العلاقة عبر حلفاء دمشق حتى إشعار آخر . والثاني يؤكد أن الدوحة كانت مستعدة ، إلا أن الرئيس الأسد رفض الوساطات ولم يتجاوب مع مؤشرات التواصل .
إن السبق لإعادة العلاقات مع سوريا من قبل “الإمارات ومصر والسعودية” ، سوف يجعل موقف الأسد أكثر تشددا حيال المحاولات و الوساطات والطروحات لإدخال “حركة الإخوان المسلمين” في الحياة السياسية السورية كمدخل لاستقرار سوريا ، وكشرط للتقارب التركي القطري مع دمشق . وربما ينضم الأسد إلى دول المحور العربي الذي يخوض صراعا مع الإخوان المسلمين في المنطقة بعد أن كان يواجهه منفردا .
لاشك في أن روسيا تلعب دورا مركزيا في عودة سوريا إلى المحيط العربي ، لنتذكر أن الرئيس البشير استخدم الطيران الروسي في زيارة دمشق ، لنتذكر أيضا العلاقة المتينة بين ولي عهد السعودية محمد بن سلمان والرئيس بوتين ومطالبة روسيا المبكرة بعودة سوريا إلى الجامعة العربية .
لا تشعر إيران بأي قلق من هذه التطورات ، لأنها حسب علمنا ستؤدي بالضرورة إلى تقارب معها عبر دمشق ، ولا يوجد لدى طهران وسيطا أفضل من سوريا مع بعض دول الخليج .
إيران لا تريد في المرحلة المقبلة زيادة التوتر مع السعودية بل العكس تماما ، لذلك نعتقد أن إيران ترحب بهذا التقارب، وهي تعلم جيدا أن الأسد حليف موثوق به . كذلك حزب الله الذي يستفيد من عودة سوريا للعب دور في المحيط العربي ، لطالما شكل هذا الدور حصانة وحماية سياسية للحزب عربيا ، في وقت كان فيه غياب سوريا عاملا في تشويه صورة الحزب عربيا و محاولات عزله وأدانته .
من المفترض أن تشعر تركيا بالقلق ، لأن التقارب العربي مع دمشق ،سوف يؤدي إلى تبني الدول العربية لموقف سوريا المطالب بانسحاب تركيا من الأراضي السورية في المحافل الإقليمية والدولية .ربما تحصل سوريا على مساعدة وظهير إضافي للوقوف في وجه المشاريع التركية في الشمال السوري ، لذلك نعتقد أن الحضور العربي سيكون مواجها لتركيا وليس إيران في المرحلة المقبلة ، وعلينا مراقبة الشمال السوري جيدا بعد استكمال الانسحاب الأمريكي من هناك .
في لبنان ثمة فريق سياسي انخرط في الحرب السورية بالسرعة التي انسحب فيها من المشهد مختفيا وراء شعار “النأي بالنفس” ، الفريق المناوىء لسوريا في لبنان يشعر بالقلق وهو يتابع مجريات الانفتاح العربي المتسارع نحو دمشق . هو فريق يعتبر نفسه حليف لواشنطن ، وها هي تنسحب من سوريا دون التشاور مع أحد ، وهو كذلك حليف للسعودية التي تبدو بأنها ترتب لعلاقة جديدة مع سوريا في إطار خليجي وعربي . ربما يكون رئيس الحكومة اللبنانية “سعد الحريري” الحليف الأوثق للرياض في الوضع الأصعب الآن ، ماذا سيفعل إذا قررت الرياض الالتحاق بالإمارات والبحرين ؟ وهو تعهد بعدم فتح العلاقة مع دمشق أو زيارتها؟ وكيف سيواجه قوى سياسية لبنانية أساسية في مقدمها رئيس الجمهورية المطالبين بالإنفتاح على سوريا من منظار المصلحة اللبنانية ، وكيف سيواجه ضغط طبقة رجال الأعمال وهم يطرحون أمامه أنهم الأولى بالاستفادة من مشاريع إعادة الاعمار في بلد جار . هناك فريق سياسي في لبنان خسر رهاناته المحلية والإقليمية ، وهو ليس بوضع يسمح له أن يحدد وجهة لبنان السياسية المقبلة .
أما المعارضة السورية فهي تجاوزت مرحلة القلق إلى ما هو أصعب ، معنوياتها انهارت كما مؤسساتها، لم تعد تملك أوراق قوة أو مساومة ، لم يبق لها إلا الفضاء التركي بعد أن كانت لها جهات العالم الأربع .
تقلصت تلك المعارضة وانفض عنها ومنها الكثيرون . وصوتها بات خفيضا، لدرجة أن أيا من وسائل الإعلام العربية والعالمية لم ترصد ردود أفعالها” أن وجدت” على تلك المستجدات . أما المسلحة منها فقد رهنت مصيرها لتركيا كما فصائل إدلب ، وقسم كبير منها يخضع للأوامر التركية ويقاتل حيث المصالح التركية كما في” درع الفرات” و”غصن الزيتون” وغيرها .
هناك تحولات كبيرة في المشهد انطلاقا من سوريا كمركز لهذه التحولات . ولابد من إعادة توضع القوى وفق الخارطة الجديدة ، وانتظار مآلات هذه التغييرات .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/12/29