جيريمي هنت: الأسد سيبقى لبعض الوقت… لماذا الآن وماذا عن حقائق الواقع!؟”
هشام الهبيشان
بالبداية، وليس بعيداً من تصريحات وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، والتي قال فيها “إن الرئيس بشار الأسد، سيبقى “لبعض الوقت”، بفضل الدعم الذي تقدمه روسيا، لكن بريطانيا لا تزال تعتبره عقبة أمام السلام الدائم ” ،والسؤال هنا بمضمونه السياسي والقانوني والأخلاقي، عندما يتحدث محور العدوان على سورية عن عقبات إحلال السلام الدائم في سورية ،هل ينسون أنهم عقبة دائمة ورئيسية في طريق هذا السلام !؟ ، وهم عندما يتحدثون عن شرعية رئيس دولة ،وعن اعتراضهم على شرعية هذا الرئيس ،هل ينسون مفاهيم الديمقراطية العالمية التي يدعون أنهم يتبنونها والواضح أن شريعة الغاب هي من تحكم قواعد سلوكهم في معظم أزمات وملفات العالم وليس في سورية فقط ، وهنا وبالمحصلة وبحكم حقائق الواقع فهذا التصريح ،لايسمن ولايغني من جوع محور العدوان على سورية ،الذي بدأ يدرك حقيقة هزيمته في سورية ،وماهذا التصريح وما سبقه وما سيلحقه ، إلا مادة للاستهلاك الإعلامي في الغرب “ليس لها أي تأثير أو وزن في سورية أو لدى حلفائها ،وتأتي أيضاً من باب مناكفاة روسيا “وهذا مايدركه الروس جيداً وخصوصاً بعد إعلان أمريكا سحب قواتها من سورية “.
اليوم ،وعند الحديث عن سورية بعد ثمانية أعوام من الحرب عليها ،وبعيداً عن تصريحات محور العدوان على سورية ،فالمؤكد انه مع مطلع العام الجديد 2019 وبقراءة موضوعية للأحداث على الأرض السورية، هناك مؤشرات إلى تحسُّن ملحوظ في ما يخصّ الأمن المجتمعي والأمن الاقتصادي، رغم حجم المأساة التي لحقت بالسوريين نتيجة الحرب على وطنهم، وفي السياق نفسه، هناك رؤية بدأت تتبلور في أروقة صنع القرارات الدولية حول الملف السوري، وتركّز هذه الرؤية على وجوب تجاوز فرضية إسقاط الدولة في سورية لأنّ كلّ الوقائع على الأرض أثبتت عدم جدوى هذه الفرضية.
وبالعودة إلى محور العدوان على سورية وتصريحاته ،وهنا ورغم التصريحات العدائية اتجاه سورية الدولة وبكل أركانها ، فالمؤكد أن محور العدوان قد تيقن أنّ سورية قد تجاوزت المرحلة الأصعب من عمر الحرب المفروضة عليها، ومهما حاولت دول التآمر إعادة الأمور إلى سياقها المرسوم وفق الخطة المرسومة، فإنها لن تستطيع الوصول إلى أهدافها، لأنّ حقائق تلك الحرب تكشّفت للجميع، لذلك أقرّت بعض القوى المتآمرة والمنخرطة بالحرب على سورية بأنه يجب التعامل معها بأسلوب مختلف والانفتاح عليها لأنها ستكون، بصمودها هذا، محوراً جديداً في المنطقة، وسيحدّد هذا الصمود شكل العالم الجديد.
وهنا لايمكن لمحور العدوان “أمريكا – فرنسا – بريطانيا – تركيا – قطر – السعودية “بالمطلق ،إنكار حقيقة انهم هم السبب الرئيسي لما جرى في سورية طيلة ثمانية أعوام مضت ، مهما حاولوا إلصاق هذه التهم بسورية الدولة بكيانها السياسي وحلفاء سورية ، ولقد كشفت تقارير شبه رسمية، وتقارير مراكز دراسات عالمية أنّ عدد الدول التي كانت تصدّر المرتزقة إلى سورية تجاوز اثنتين وتسعين دولة، وأنّ هناك غرف عمليات منظمة ضمن بعض المناطق المحاذية لسورية، لتدريب وتسليح هؤلاء المرتزقة ثمّ توريدهم وتسهيل عبورهم من أغلب المنافذ الحدودية، وخصوصاً الحدود التركية، والتي تحدّثت هذه الدراسات عنها بإسهاب، شارحة كيف سمحت تركيا بعبور الآلاف من المرتزقة، لذلك من الطبيعي أن نجد كمّاً هائلاً من الإرهابيين المرتزقة قد دخل إلى سورية، بهدف ضرب المنظومة السورية المعادية للمشروع الصهيو – أميركي وأدواته، وضرب الفكر العقائدي المقاوم لهذه المشاريع، خصوصاً المنظومة العقائدية للجيش العربي السوري واستنزاف قدراته اللوجيستية والبشرية، كهدف كانت ستتبعه أهداف أخرى في المنظومة الاستراتيجية للمؤامرة الكبرى على سورية، لأنّ تفكيك الدولة يستلزم تفكيك الجيش ومن ثمّ المجتمع ومن ثمّ الجغرافيا، وكان هذا الرهان هو الهدف الأساس من عسكرة الداخل السوري.
وبالمحصلة ،ورغم كل ما تم توريده وضخه في سورية من مرتزقة وعتاد وسلاح “تقدر كلفته مراكز عالمية كبرى بـ “300 مليار دولار “، فقد كان صمود الجيش العربي السوري وتماسكه وتلاحم الشعب مع هذا الجيش العقائدي، هو الطريق لانهيار أهداف هذه المنظومة، أمام إرادة الجيش وتلاحمه مع مكونات الداخل السوري كلّها من قوى شعبية وقياده سياسية، رغم محاولات شيطنته إعلامياً من وسائل الإعلام المتآمرة،إنّ لهذا التماسك والتلاحم للقوى الوطنية في الداخل السوري، والتي تؤمن جميعها بقضيتها والمتفهّمة حقيقة هذه الحرب وطبيعتها، أبعاداً وخلفيات، ومن هنا فقد أجهض هذا التلاحم بين ثلاثية الجيش والشعب والقيادة خطط المتآمرين وأسقط أهدافهم بالتضحيات الجسام، فالمؤسسة العسكرية السورية، وبفعل التضحيات الكبيرة التي قدّمها أبطالها، أرسلت رسائل واضحة وأثبتت أنها مؤسسة عميقة ووطنية وقومية جامعة لا يمكن إسقاطها أو تفكيكها ضمن حرب إعلامية، أو خلق نقاط إرهابية ساخنة في مناطق متعدّدة لمواجهتها.
وهنا نذكر أنّ انتفاضة الجيش العربي السوري السريعة وبدعم من الحلفاء في وجه كلّ النقاط الساخنة، وتمشيطه الكامل للعاصمة دمشق والكثير من مناطق وأرياف حلب وحمص ودرعا والقنيطرة ودير الزور، شكّلا حالة من الإحباط عند أعداء سورية وأدّيا إلى خلط أوراقهم وحساباتهم لحجم المعركة، فاليوم سقطت يافطة «إسقاط سورية»، بتلاحم الجيش والشعب والقيادة السياسية، وليتحدث وليصرح جيريمي هنت أو غيره بما يشاءوا، فاليوم وتحت ضربات الجيش وقريباً ستتساقط باقي بؤر الإرهاب “إدلب وشرق الفرات “سلماً أو حرباً ” وتتساقط معها أحلام وأوهام عاشها بعض المغفلين الذين توهّموا سهولة إسقاط سورية، وبعد سلسلة الهزائم التي مُنيت بها هذه القوى الطارئة والمتآمرة، بدأت هذه القوى إعادة النظر في استراتيجيتها القائمة والمعلنة تجاه سورية، ونحن نلاحظ أنّ حجم الضغوط العسكرية في الداخل بدأ بالتلاشي مع انهيار بنية التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً بعد إشعال الجيش وقوى المقاومة الشعبية وبدعم من الحليف الروسي معارك تحريرية كبرى وعلى جبهات عدة.
ختاماً، علينا أن نقرّ جميعاً بأنّ صمود الجيش العربي السوري والتلاحم بين أركان الدولة وشعبها وجيشها للحفاظ على وحدة الجغرافيا والديموغرافيا من الأعداء والمتآمرين والكيانات الطارئة في المنطقة، والتي تحاول المسّ بوحدتها، ما هو إلا فصل من فصول مقبلة سيثبت من خلالها السوريون أنهم كانوا وما زالوا وسيبقون بتكامل وحدتهم، صفاً واحداً ضدّ جميع مشاريع التقسيم، وسيستمرّون في التصدّي لهذه المشاريع، إلى أن تعلن سورية أنها أسقطت المشروع الصهيو – أميركي وأدواته وانتصرت عليه، وهذا ليس ببعيد بل قريب جدّاً.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/01/05