هل هي نهاية الدولة الريعية في الخليج؟
قاسم حسين
فرض انهيار أسعار النفط العام الماضي على دول الخليج اتخاذ خطوات وإجراءات غير مسبوقة، بدءاً برفع الدعم عن السلع الأساسية وانتهاء بالتلويح بفرض الضرائب، في دول كانت توصف لعقود بالدول الريعية.
هل هي إذاً نهاية الدولة الريعية في الخليج؟ هذا هو عنوان الورقة التي قدمها الأمين العام السابق لجمعية المنبر التقدمي، الكاتب حسن مدن، في المنتدى الفكري السنوي الثاني الذي عُقد الجمعة الماضي، على بعد عشرات الأمتار من عين عذاري التاريخية، ونُظّم على هامشه معرضٌ مصغّرٌ للكتب المستخدمة.
يتوقف مدن أمام مصطلح «الدولة الريعية»، ليكشف أن أول من توقف عند هذا المفهوم هو المفكر الإيراني حسين مهداوي العام 1970، فهي لا تقتصر على الدول النفطية، بل تعم الدول التي تحصل على الريع مقابل احتكار طرق المواصلات كقناة السويس، أو تأجير قواعد عسكرية أو موانئ بحرية للدول غير المطلة على الماء. لكن تعريفات أخرى أكثر تفصيلاً طرحها آخرون مثل الاقتصادي والوزير المصري السابق حازم الببلاوي، توضح أن الريع مصدره أجنبي، وتتسلمه الحكومة ويعيش أكثر السكان على استهلاكه وليس إنتاجه، ومن هنا فإن الدولة الريعية هي حلقة الوصل بين اقتصادات خارجية والاقتصاد المحلي، وما ينتج عن ذلك من تبعات سياسية، أولها ما تتمتع به هذه الدول من حرية التصرف بالمال، بالطرق التي تريدها، وبالتالي التعامل مع فئات المجتمع لضمان موافقتها على الأمر الواقع، وهو ما يتم الحديث عنه في لعبة الولاءات.
من ناحية التبعات الاقتصادية للدولة الريعية، الاهتمام بالاستيراد والاستهلاك، على حساب الصناعة والإنتاج الحقيقي. هذا الوضع يعوّق التنمية الحقيقية، ويخدّر الناس، والأخطر أن الثروات الهائلة التي توفرت لدول الخليج خلال الطفرة النفطية، وُجّهت للاستثمار في العقار والسياحة والبضائع الاستهلاكية، بدل القطاعات التي تنتج مزيداً من الثروة، إن لم توضع في الحروب. وعلى مستوى الأفراد، تفشت ظاهرة بناء القصور والاستراحات ومنتجعات الترفيه، والاتكالية والبذخ وهدر الطاقة والمياه وضياع قيم العمل والإنتاج.
يتنقل مدن بحثاً عن «الدولة الريعية»، التي يرى المفكر الكويتي الراحل خلدون النقيب، أنها استمرت منذ اكتشاف النفط حتى نهاية الستينيات، حيث وُلدت «الدولة التسلطية»، بما تمثّله من نظام سياسي واقتصادي، كما هي في الخليج، وكما كانت في مصر وسورية والعراق في الخمسينيات بعد الانقلابات. وينقل عن الباحث الإماراتي محمد غباش مفاهيم السلطة في الخليج، من بينها «النظرية القبلية» التي تشكل أحد أسس نظرية ابن خلدون. فـ «الخليجي لا يشعر بمواطنيته في دولة حديثة بل كعضو في تحالف قبلي واسع يمحضه ولاؤه مقابل حصوله على نصيبه من الغنائم». وهو ما يسجل عليه غباش تحفظه باعتبار ما شهدته دول الخليج من تحولات اجتماعية كبيرة وحركة عمران وبناء مدن قوّضت إلى حد كبير أسس النظام القبلي القديم. مع ذلك ظل المواطن الخليجي متعلقاً بانتماءاته القبلية، ولاتزال العصبية القبلية هي المحرك لسلوكه السياسي. ومثل هذه الإشارة تفسّر لنا المواقف السياسية في الكثير من القضايا والأحداث التي تعصف بالمنطقة هذه الأيام.
يخلص مدن إلى أننا أمام أزمة جديدة طويلة المدى، جراء انهيار أسعار النفط، تنذر بنهاية الدولة الريعية، حيث شهدنا عجوزات في الموازنات العامة، سرعان ما انعكست على إجراءات التقشف، وهذه هي البداية والآتي أعظم. خصوصاً من جهة تأثيرها على زيادة الفئات المعوزة، وتآكل الشرائح الوسطى، وزيادة نسب البطالة في صفوف الشباب، فحسب دراسة لمؤسسة الخليج للاستثمار، وصلت البطالة في بعض دول الخليج إلى 30 في المئة، وفي البحرين 23 في المئة، أي أن هناك واحداً من كل أربعة شبان لا يحصل على فرصة عمل، في بلدان يغلب عليها الطابع الشبابي (60 في المئة من السكان).
إن التدابير التقشفية التي تستهدف مكاسب المواطنين المعيشية، تحميل لهذه الشعوب خطأ سياسات لم يكن لها رأيٌ أو يدٌ فيها، فالفوائض الضخمة أيام الوفرة المالية لا أحد يعلم أين ذهبت، كما يقول مدن، ووزير المالية اعترف امام مجلس النواب قبل أسابيع أن هناك 14 جهة حكومية لا تدخل عائداتها ضمن الموازنة العامة للدولة، ولا تخضع لأية رقابة، سواءً كانت من قبل البرلمان أو الصحافة أو المجتمع المدني والرأي العام. فأنت لا يحق لك أن تسأل في مثل هذه الظروف وحتى قبلها بسنوات، وإلا خُوّنت واتُهمت بكل الموبقات!
من الواضح أن هذا الأمر يتصل بالحقوق السياسية لشعوب المنطقة، وقد شاهدنا –يقول مدن- أن استخدامات الريع النفطي لاستيعاب شرائح مجتمعية، كما في دول خليجية لم تفلح في وأد المطالبات السياسية في المشاركة بالقرار، عبر مؤسسات تمثيلية حقيقية، ورقابة شعبية صارمة على أوجه صرف المال العام.
صحيفة الوسط
أضيف بتاريخ :2016/03/03