اثنان أضحكهما قرار وزراء الداخلية العربية.. أي بؤس بلغه هؤلاء !!!
إسماعيل القاسمي الحسني
لقد بات معلوما بأن القرار العربي مختطف من قبل بعض أنظمة الخليج العربي، و إنه لمن المؤسف أن نعيش زمنا، نشاهد فيه هذه اللوحة التعيسة التي تذكرنا بعض تفاصيلها برواية “البؤساء”، من المؤسف جدا أن ترى انجرار سلطنة عمان، و عهدنا بها تعتمد الحكمة و التروي، و تحرص على استقلالية قرارها، لا نفهم اليوم بصراحة اعتبارها حزب الله منظمة إرهابية، و لقد فتشت البارحة و صبيحة اليوم بين ثنايا وسائل إعلامها عن توضيح أو شرح لمواطنيها، يقدم الأسباب الموضوعية لهذا الانقلاب على خطها السياسي، غير أنني لم أوفق لذلك؛ و من دواعي الأسى أن تعاين حالة البؤس التي ترسمها في أسوء اللوحات حالة تبعية النظام المصري، و هو الذي يمثل ما يمثله في عالمنا العربي للخيار السعودي الصرف، مصر التي تملك كل المؤهلات لقيادة العالم العربي، تقزّمت إلى درجة لا تزيد عن قيمة بلدية نائية في الربع الخالي، و بحثت كذلك عن الأسباب الموضوعية و الواقعية التي تعني مصر حتى تصادق على اعتبار حزب الله منظمة إرهابية، تسعف المواطن المصري و من ورائه نحن، على فهم أو تفهم موقف القيادة المصرية، و أعترف هنا كذلك بالفشل في العثور على تصريح أو مقال يعرض المعطيات التي ارتكز عليها خيار مصر، طبعا هنا أستثني جماعة “التوك شو” العبثية، لكونها مجرد دمى لا تملك رأيا و لا علما؛ و لا يفوتني كذلك التعبير عن الحسرة على موقف المغرب، و هي دولة كذلك تستوجب الاحترام و لها مكانتها، كما لها مؤهلات عالية تجعلها مستقلة القرار، أي مبرر وطني كما غيرها، يجعلها تعتبر حزب الله منظمة إرهابية؟.
تلقيت نسخة من نص بيان وزراء الداخلية الصادر بتونس 2016/03/02 ساعة بعد صدوره ليلة أمس، مرفقا ببعض التفاصيل عن أجواء الاجتماع و موقف العراق و لبنان و الجزائر، كل منها عبّر وفق مقدوره عن استقلال قراره و رؤيته و تقديره للموقف؛ و أسجل بكل موضوعية و هدوء أنني أعدت قراءة النص لأكثر من ثلاث مرات، و كانت النتيجة أنني أصبت بحالة من الغثيان مزمنة، نتيجة حالة الانحدار و انعدام المسؤولية و تفسخ العقل السياسي (إن جاز وصفه بالعقل) و الأمة في مرحلة بالغة الحساسية و الخطر.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، جاء في مقدمة البيان أو ديباجته ما نصه:”…إذ يستذكر الأهداف التي قامت عليها جامعة الدول العربية وإذ يؤمن بأن الأمن العربي كلٌّ لا يتجزأ….” و أهم الأهداف لو عقل هؤلاء هو تحرير فلسطين، يبدو أن الوزراء لا يعرفون ذلك، أو لعلهم يتصورون بأن الأمة لها ذاكرة الحوت، و إلا و هم يخيطون بيانا استجابة للسعودية و استهدافا لحزب الله لما ذكّروا بأهداف جامعة الدول العربية، ثم و بما أن “الأمن العربي كلّ لا يتجزأ” فكيف لم يؤتى على ذكر ليبيا مطلقا، و الحال أنها دولة عربية و ليست حزبا، و وضعها الأمني المتفجر يشكل خطرا جديا محدقا بثلاثة دول عربية بشكل مباشر (مصر-تونس-ليبيا) !!! كيف و ساعة صدور هذا البيان و في تونس و على أرضها تمت مواجهة دامية في بن غردان، ليس مع عناصر من حزب الله، و لا ميليشيا تدعمها إيران سياسيا و ماليا، و إنما من مجموعات تحمل فكرا ولد و ترعرع في الجزيرة العربية و منها تم تصديره إلى كل الدول العربية. ما فات السيد وزير الداخلية التونسي و هو يصادق على هذا البيان المهزلة، أن الجماعات التي قامت بمهاجمة متحف باردو مثلا و غيره من قبل بعمليات إرهابية ليست ميليشيات حزب الله، و لا حتى من المتعاطفين معه، بل تعتبره عدوا واجبة الحرب عليه، جماعات كان قد أشار وزير خارجية تونس نفسه لانتمائها الفكري، و صرح أسماء الأنظمة العربية التي تدعمها، و ما فاته أيضا ما عرضه مركز فيريل بألمانيا هذا العام 2016/01/31 ، حيث اعتبر تونس تحتل المرتبة الخامسة بتصدير الإرهابيين لسوريا، الذي قدر إلى ذلكم التاريخ بما يزيد عن عشرة ألاف و خمسمائة (10500) مقاتل، و هؤلاء كما صرحت القيادة التونسية ذاتها ليسوا من ميليشيات حزب الله، و لم تصف هذه المجموعات بأنها تحمل فكره أو تسير على خطه، و إنما تعرّفهم بشباب مظلل من قبل الفكر الوهابي، المعروف المصدر و الممول. و بالمناسبة تأتي السعودية على رأس القائمة بعدد الإرهابيين من جنسيتها، يزيد عن خمس و عشرين ألفا (25000).
بعد الديباجة المركبة من عبارات أشبه بأعجاز نخل منقعر، تأتي ثلاثة نقاط فضفاضة لا معنى لها و لا دلالة فعلية أو عملية، فيها من التكرار الممل لمفردتي الإدانة و الشجب حدا ممجوجا، لنقف على النقطة الرابعة، و جاء فيها:”إدانته الشديدة لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة” و ما لفت انتباهي في هذه الفقرة التعيسة استخدام مفردة “الدولة” مضافة لإسرائيل و إن توشحت بصفة الإرهاب، و هذا يشتم منه رائحة الاعتراف بصفة “الدولة”، و عدم استخدام وصف “العدو”؛ تعويم للموقف و كلام مرسل لا شاطئ له، بل تشعر عند قراءتك لنص البيان كله، بأن موضوع فلسطين أقحم إقحاما ليضفي شيئا على قيمة البيان لا أكثر، ليس غريبا على هؤلاء امتطاء القضية المركزية للأمة و المتاجرة بها و توظيفها.
يلي هذه النقطة مباشرة الهدف من كل الاجتماع، إدانة العدوان الذي تم على سفارة السعودية في طهران، لقد بات استحضار ضرورة اجترار إدانة هذا العمل في كل محفل و مناسبة، أشبه بمناسك تعبدية لابد من أدائها، أصبحت الاجتماعات الرسمية صلاة تكبيرة إحرامها “إدانة العدوان على سفارة السعودية”، و إلا لن يقبل بيان اجتماعها كما لا تقبل الصلاة.
النقطة السادسة أكثر صفاقة، حيث تضمنت إدانة اختطاف مواطنين قطريين في العراق، لا شك أن هذه الجريمة مدانة، و لكن أن يقحم هذا الأمر بالتفصيل، في حين يتجاوز الوزراء موضوع ليبيا نهائيا، و يتعرضون لفلسطين و محنتها بالعموم، و الحال أن فيها مواطنين يقتلون يوميا و آخرين يختطفون و آخرين يسجنون و يعتقلون، و مساكن تهدم و عائلات تهجر، هذا التخصيص هنا و التعميم هناك هو ما يكشف بؤس البيان و أصحابه، و يعري المراد منه و يفضح هدفه.
أترك جانبا النقطة السابعة التي تعود لإدانة إيران، لكونها و إن صحت في جزء منها بالتدخل في بعض الدول العربية، غير أنها تغفل عن عمد عجز كل الدول العربية و وهنها و هوانها. فالتدخل الإيراني وجه لواقع عربي، يقابله وجه ثاني يحاول المسؤولون العرب إخفاءه و القفز عليه، و الخلاصة أن سنن الكون لا تتغير و لا تتبدل و منها: الطبيعة تأبى الفراغ.
و نأتي للهدف الرئيس، الذي ركزت عليه أساسا معظم وسائل الإعلام، الذي تضمنته النقطة الثامنة من نص البيان: “إدانته وشجبه للممارسات والأعمال الخطرة التي يقوم بها حزب الله الإرهابي لزعزعة الأمن والسلم الاجتماعي في بعض الدول العربية. أما وجود حزب الله في سوريا، فهو بطلب و تنسيق مع القيادة السورية التي تقر بشرعيتها “منظمة الأمم المتحدة” المرجعية العليا في العالم، و أما وجوده في اليمن يبقى ادعاءات لا تقوم على دليل و لا إقرار منه كما عودنا بخصوص قراراته؛ و السؤال للسادة الوزراء: أي بعض الدول العربية يعنون؟ مالي أم نيجيريا أم الصومال أم مصر أم تونس أم ليبيا أم الجزائر؟ هل يعنون التفجيرات الانتحارية التي استهدفت مساجد بعينها في الكويت و السعودية نفسها؟ أفيدونا يرحمكم الله: هل بقي على الأرض من يجهل الجماعات التي تستهدف هذه الدول و تضرب استقرارها؟ أخشى إن كان موجودا فليس سوى هؤلاء الوز/وراء.
ختاما هناك رجلين اثنين أتصور أن هذا البيان البائس التعيس دفعهما لضحك، أولها رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، الذي كانت وسائل إعلامه أول المبادرين بالترحيب و التهليل له، و كأني به يقول مسفرا عن وجهه يضحك فرحا و شماتة، لعدوه الأول السيد حسن نصر الله:” ما قولك الآن و قد دعّمني إخوتك؟ ماذا ترى لو أعلنت الحرب بيننا من صفوف عرب اصطفت خلفي مناصرة جهارا، لا تخشى شارعا و لا شرعا و لا مشرّعا؟”؛ و في المقابل يضحك ساخرا مستهزئا السيد حسن نصر الله و كأني به يقول:” لو كان هؤلاء بضاعة لأهديتها لك، لكونهم حمل ثقيل و ليس ذخرا، و لنعم السند لك من يوم عطّلوا التصويت على تقرير غولدستن حماية لك من الجنائية الدولية…………خابوا و قد خيّبوا أمّة”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/03/04