هل تمُر صفقة القرن المعدَّلة؟
د. وفيق إبراهيم
تزداد التسريبات الأميركية والإسرائيلية عن «صفقة قرن معدّلة» لإعادة جذب الفلسطينيين إلى اتفاق ينهي قضية فلسطين حتى تتمكّن الإمبراطورية الأميركية من إمساك الشرق الأوسط من قرنيه واستخدامه في مناطحة أخصامها.
سبق لهذه «الصفقة» التي بدأ الحديث عنها يكبر مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأميركية فبدت حاجة لسياسات واشنطن في العالم الإسلامي أكثر من أصحابها، وتحوز على موافقة إسرائيلية كاملة لأنها حاولت أن تعكس السقوط العربي الأخير في مراحل صعود الإرهاب الداعشي.
فنظمت مبادرة تحرم الفلسطينيين من وطنهم وتوطن اللاجئين منهم في بلدان الاستضافة وتمنح القدس بشطريها لـ«إسرائيل» مع وضع قطاع غزة في العناية المصرية و60 في المئة من الضفة الغربية في دائرة الاهتمام الأردني.
بيد أن الانتصار السوري الذي ألحق هزيمة نكراء بالمحور الأميركي ـ التركي ـ الخليجي المستثمر في إرهاب كوني غير مسبوق لا في العدة والعديد والعتاد والتمويل والايديولوجيا المتوحشة.
كان إرهاب الدول المتآمرة على دمشق يستند إلى معادلة سقوط الدولة السورية وتفتيتها لتمرير ما أسموه آنذاك «صفقة القرن» التي كانت تشبه «صفقة» لكلّ العرب والفلسطينيين.
أدّى هذا الانتصار السوري إلى نجاح العراق بدوره في تحطيم المشروع الإرهابي ما منح المقاومة الفلسطينية أوكسيجيناً رافضاً للانهيار، تجسّد في مقاومات قطاع غزة الباهرة على الرغم من الحصار والإمكانات المحدودة مانعاً السلطات الفلسطينية في الضفة من تمرير الصفقة لغياب ظروف الانهيار الكامل أو النسبي المطلوب في مثل هذه الصفقات.
فجاء الإعلان الأميركي بقرب انسحاب قواتهم من سورية تأكيداً على تراجع مشروعهم في سورية ولبنان والعراق، وانسداد الأفق أمام صفقة القرن الأولى على الرغم من حصولها على تأييد أكثر من ثماني دول عربية كان بإمكانها جذب دول أخرى.
ولتنظيم انسحابها على أسس تمنع السقوط الكامل للدور الأميركي عاد الحديث عن صفقة قرن معدّلة لا سيما أنّ التطبيع الخليجي والمصري والأردني والتونسي والمغربي مكتمل الملامح انعكس إرباكاً على السلطة الفلسطينية متحوّلاً صمتاً مشبوهاً يخجل من نفسه فيصرخ مرة في الأسبوع رافضاً انتهاء القضية الفلسطينية ويعود بعدها إلى صمت المتواطئين المتربّصين.
ما هي هذه الصفقة المُعدَّلة حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية؟
إنها تلحظ دويلة فلسطينية منزوعة السلاح ترتبط أمنياً واقتصادياً بـ»إسرائيل» وتقوم على نحو 85 في المئة من الضفة الغربية 15 في المئة منها للمستوطنات الإسرائيلية المبنية في ثلاثة أنحاء من الضفة. القسم الأول من هذه المستوطنات تطلق عليه «إسرائيل» بالدرجة الأولى التي يُحظر أيّ تفاوض بشأنها وتتبع لـ«السيادة الإسرائيلية» كما تقول الصفقة.
وهذه تشكل 60 في المئة من الاستيطان الإسرائيلي في الضفة المحتلة.
أما الاستيطان الإسرائيلي من الدرجة الثانية فيتوزع في إطار المدن الفلسطينية مؤدّياً دور «القامع الدوري» لحركة الانتقال البشري الفلسطيني وتعرض إسرائيل «أراضي إسرائيلية» ملاصقة للضفة يقيم عليها عرب الـ 48 كما يسمّيهم الكيان الغاصب وذلك مقابلاً لها.
كما تُصرّ «الصفقة الإسرائيلية» على استلحاق المستوطنات من الدرجة الثالثة لـ«السيادة الإسرائيلية» مقابل تسويات في جهات تابعة للكيان من صحراء النقب.
بالنسبة إلى مدينة القدس فتتبع لدولة «إسرائيل» بقسميها باستثناء بضعة أحياء عربية محيطة بالقسم الشرقي تكون عاصمة للدويلة الفلسطينية وبذلك يتبع المسجد الأقصى وكنيسة القيامة للكيان الإسرائيلي الغاصب على أن يشارك كلّ من الأردن والسلطة الفلسطينية في شؤون إدارة المرافق المقدسة تحت السلطة «الإسرائيلية».
وبخبث واضح تتجاهل الخطة أيّ تحديد لمصير قطاع غزة وكأنها تتعمّد تحويل المطالبة العربية الفلسطينية من السيادة على القدس الشرقية بما فيها «الأقصى والقيامة» إلى المطالبة بقطاع غزة. وقد يكون لدى «الصفقة» مشروع للمبادلة بين غزة وقسم من صحراء النقب أو «عرب الـ 48» إلا أنها خبّأته للتفاوض اللاحق ولم تقترب «الصفقة» الكبيرة من موضوع أربعة ملايين لاجئ فلسطيني ينتشرون في الأردن وسورية ولبنان ومصر ومعظمهم يقيم في مخيمات بؤس وشقاء، هذا بالإضافة إلى ملايين آخرين يتوزعون في بلاد العالم.
فأين الجديد في هذه «الصفقة» المدوية؟
يعتقد الأميركيون والإسرائيليون أنّ منح بضعة أحياء في القدس الشرقية مع تبادل أراضٍ بين الضفة وأجزاء من مناطق 48 كافٍ لتمرير الصفقة بالإضافة إلى سقوط نحو تسع دول عربية في خانة التطبيع مع «إسرائيل» وهي قطر والسعودية والبحرين والإمارات ومصر والأردن وتونس والمغرب وعُمان وهناك دول أخرى تنتظر وما بدّلوا تبديلاً في الاستجابة للأوامر الأميركية.
إنّ ما يجعل من هذه الصفقة حدثاً إعلامياً وسياسياً كبيراً هو الحاجة الأميركية الاستراتيجية الماسّة إليها، فهناك تراجع أميركي يُراد تغطيته بتحقيق إنجاز نوعي يجمع العرب بالتحالف مع «إسرائيل» في إطار حلف كبير يقف في وجه محور المقاومة الممتدّ من لبنان الى سورية فالعراق وإيران واليمن، والمتحالف مع روسيا بالمصالح المتبادلة، لذلك يترقب الأميركيون الجمع بين الإسرائيليين والعرب في قمة وارسو الشهر المقبل للانتهاء من قضية فلسطين وإعلان الحلف المذكور الذي يتخذ من تهديد إيران عنواناً رئيسياً له، فهل ينجحون؟
تمكن حلف المقاومة حتى الآن من تحرير مساحة 320 ألف كيلومتر مربع من مساحة سورية والعراق صامداً في اليمن ومجاهداً في إيران وصلباً في غزة الصمود، ولا شك في أنه مستمرّ في أداء دور تاريخي للدفاع عن المنطقة كما فعل الأسلاف دوماً في وجه الرومان والمماليك والعثمانيين والفرنسيين والبريطانيين والأميركيين والإسرائيليين، وهو لن يدّخر جهداً في استعادة الكيان الغاصب إلى إطاره الحقيقي في بلاد الشام وفلسطينها.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/01/21