عن قمة الرئيس الواحد والأمير المستعجل: السياسة تُغيّب الاقتصاد وتعزز الانقسام
طلال سلمان
في العالم المتقدم، عموماً، يتقدم الاقتصاد على السياسة فتصير السياسة في خدمة الاقتصاد لأنه الأساس في بناء المجتمعات وبالتالي الدول.
أما في بلادنا المتخلفة فالاقتصاد ملحق بالسياسة، يصعد ويتقوى مع نجاحاتها ويهبط ويتردى مع اخفاقاتها… والسياسة في بلادنا مصالح شخصية وتكتلات تحكمها هذه المصالح، أما الاقتصاد فلعبة ارقام متروكة للاختصاصيين، وهؤلاء في موقع التابع والمنفذ للسياسات..
وهكذا فإن الملوك والرؤساء تعودوا ألا يشاركوا في القمم العربية الاقتصادية والاجتماعية مفوضين بالحضور بعض الوزراء الثانويين أو ربما وكلاء الوزارات، لأن الامور التي ستناقش غير مهمة، أو ثانوية، في أحسن الحالات..
من هنا إن القمة العربية الاقتصادية ـ الاجتماعية التي عُقدت في بيروت، يوم الأحد الماضي، كانت فارغة من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، ولم يحضرها إلا رئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز وبعض الوزراء المعنيين، حتى جاءت “المفاجأة” من قطر متمثلة بوصول أميرها تميم بن حمد آل ثاني إلى مطار بيروت، قبيل افتتاح المؤتمر، مصحوباً ـ كالعادة ـ ببعض المفاجآت، ومنها: أن قطر قدمت، كما الكويت، مبلغ خمسين مليون دولار لإنشاء صندوق للتنمية برأسمال قدره مائتي مليون دولار..
ثم جاءت “المفاجأة” الثانية ومن قطر ايضاً، إذ أعلن “البعض” أن الشيخ تميم قرر دعم الوضع الاقتصادي في لبنان بوديعة قدرها مليار دولار.. ليتبين في ما بعد عودة الامير إلى الدوحة أن بلاده ستضع وديعة بخمسمائة مليون دولار في المصرف المركزي في بيروت لدعم الاقتصاد في لبنان.. مما استدعى إطلاق سيل من برقيات الشكر وتصريحات الامتنان للدوحة وأميرها صاحب النخوة والهمة العالية.
…ثم غادر الجمع بيروت، وإن تفرد بعض الوزراء العرب بزيارة عدد محدود من المسؤولين، لإظهار التعاطف والتضامن مع لبنان المأزوم، سياسياً بالأساس، ومن ثم اقتصادياً واجتماعياً..
ليس سراً أن الدول العربية بمجموعها، بما في ذلك النفطية منها، تعاني مجموعة من الازمات يتداخل فيها الاقتصاد والسياسة بالأمن، مع تصاعد مخاطر الاعتداءات الاسرائيلية، سواء عند الحدود الجنوبية، أو عبر اختراق الأجواء اللبنانية لتوجيه ضربات صاروخية إلى بعض القواعد العسكرية، غير بعيد عن دمشق، بذريعة انها تحتوي مجموعات من الصواريخ التي يمكن أن تطال المدن والمعسكرات في مختلف انحاء الأرض الفلسطينية المحتلة..
فالسعودية تدفع غاليا تكاليف الابتزاز الأميركي والتركي لها، نتيجة العملية الاجرامية التي أودت بحياة الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قلب القنصلية السعودية في اسطنبول.. هذا فضلاً عن صفقات السلاح المهولة، وبغض النظر عن تهديدات الرئيس الاميركي ترامب بنزح الثروة من الرياض إلى واشنطن..
كذلك فالسعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة تنفق المليارات على حرب التدمير والقتل التي تشنانها على اليمن فتدمر العمران وتقتل الاهالي وتمكِّن لوباء الكوليرا أن ينتشر بين أطفال الشعب الفقير..
بالمقابل، فإن قطر تستثمر المليارات في مختلف انحاء العالم، ومؤخراً أعلن أن الدوحة قررت تقديم 11 مليار دولار لأنقره، كمساعدة لتخطي تركيا المصاعب الاقتصادية التي تعيشها والتي جعلت ليرتها تعاود الانخفاض بشكل دراماتيكي مثيرة المخاوف من تفاقمها بما يذكر بسنوات ما قبل “الانقلاب الديمقراطي” بقيادة الرئيس الحالي اردوغان..
ومفهوم أن العراق يعيش مسلسلاً من الازمات، سياسياً واقتصادياً، نتيجة التدمير المنهجي الذي اعتمده الاحتلال الأميركي بذريعة القضاء على النظام الدكتاتوري لصدام حسين، ثم نتيجة حكم الطوائف الذي نهب الخزينة العراقية وحطم قيمة الدينار، وهرَّب الاموال العراقية إلى الخارج، وترك العراقيين جوعى يتظاهرون في الشوارع ويقتحمون الحواجز العسكرية في مدينة البصرة، على مبعدة خطوات من شط العرب حيث يصب الرافدان (دجلة والفرات)..
هل من الضروري التذكير بأوضاع مصر التي يتزايد عدد سكانها بإطراد ملحوظ، بينما يصعب أن يزيد الدخل القومي بما يكفي ملايين الافواه التي تولد على مدار أيام السنة.. وبرغم المجهود الذي تبذله الدولة فان ازمة الفقر تزداد حدة، بينما “النخبة” المصرية تهاجر إلى حيث تضمن المستقبل الافضل..
ولا موجب للحديث عن ليبيا التي اختفت دولة القذافي فيها وتعجز الأمم المتحدة عن اعادة بناء هذه الدولة الغنية، التي “يتقاتل” على ثروتها النفطية الآن كل من فرنسا (التي كانت تستعمر جنوبها بعنوان سبها، وايطاليا التي كانت تستعمر ما تبقى وتجتهد لانقاص عدد سكانها بالمجازر والحروب بالسلاح الناري مقابل السيوف..)
الجزائر تعيش الأزمة السياسية المفتوحة أمام خيار التجديد ـ مرة رابعة ـ للرئيس المشلول، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يرفض الاستقالة أو التقاعد بداعي كبر السن..
أما المغرب فبعيد، وكذلك فإن الحكم فيه يجتهد أن يبتعد أكثر فأكثر عن النقاط الساخنة، وضمنا عن الصراع العربي الإسرائيلي، في المشرق..
في أي حال، كانت القمة الاقتصادية ـ الاجتماعية في بيروت مكتملة النصاب بحضور الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي انقذ هذا الاجتماع الوزاري برفع سقفه.. قبل أن يهبط، في صباح الافتتاح، أمير قطر، الذي أحدث الضجيج، ثم غادر بصمت يليق بهذه القمة العرجاء!
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/01/26