السيد حسن ينقّط الحروف
عبد الستار قاسم
تفوق السيد حسن نصر الله على كل خطباء الأمة العربية إذ أنه الأكثر جذبا للمستمعين على الساحتين العربية والعالمية، وهذا سيسجله له التاريخ كقائد حقيقي ملهم لم يقف على رأس دولة يوما. بل أنه الأكثر تفوقا على المستوى العالمي في تقديم خطابات في غاية الترتيب والوضوح والزخم المعرفي وبدون غوغائية أو تضليل للجماهير التي تقف معه وتؤيده وتبني على أفعاله الكثير من الآمال والتطلعات. من هو رئيس الدولة أو صاحب التأثير على الساحة الإقليمية الذي برز خطيبا متمكنا من قوة الحجة وقوة التنفيذ؟ لا أحد سواه. حتى الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يستقطب الملايين من أبناء الأمة العربية في كل البلدان العربية عندما يقف خطيبا لم يكن بدرجة السيد حسن. وما يميز السيد حسن أنه يقول ويده مليئة بالقدرة والرغبة بالتضحية في مواجهة الأعداء وإحقاق الحق. ولهذا كسب ثقة الصديق والعدو، وينتظر خطابه الأقرباء والغرباء عسى فيما يقوله ما يساعد على قراءة المستقبل أو استطلاعه. الشاشة التي يظهر عليها السيد حسن تجمع حولها الأصدقاء والأعداء وكل واحد له اهتماماته . أصحاب القرار على المستويين الإقليمي والدولي دائما يستمعون له جيدا للاستنارة بطروحاته السياسية وغيرها والتعرف على عدد من التوجهات المحلية اللبنانية، وعلى ما يمكن أن تتطور إليه أوضاع المنطقة العربية الإسلامية مستقبلا. وليس غريبا أن ينشغل المحللون السياسيون والعسكريون والأمنيون الصهاينة بفحوى خطابه، ويشبعونه تحليلا ودراسة ليكونوا فكرة عما يمكن أن تتطور نحوه النشاطات السياسية والعسكرية في مراحل مقبلة.
ولا ينكر عليه هذا التميز والامتياز إلا عناصر عربية يؤذيها حديث العزة والكرامة والشرف والإصرار ومجابهة التحديات.
التف عشرات الملايين عبر العالم مساء السادس والعشرين من كانون الثاني/2019 حول شاشة الميادين للاستماع للسيد حسن الذي غاب عن الشاشة فترة زمنية طويلة نسبيا، وأغلبهم في شوق لسماع تحليله لتطورات المنطقة، ولفهم الغطرسة الصهيونية المتزايدة، ولمعرفة رد فعل حزب الله على ما قاله الصهاينة بأنهم دمروا سلاحا استراتيجيا للحزب، وهو سلاح الأنفاق، وللتبيّن عن الوضع في سوريا. ومن لم يكن مشتاقا كان يبحث عن رؤية مستقبلية للوضع في سوريا والبحرين واليمن و للصراع الدائر حول فلسطين وتطور المقاومة العربية الإسلامية.
بدأ حوار الميادين في وقته المعلن وامتد على أكثر من ثلاث ساعات، وشمل مواضيع كثيرة منها رئيسية على مستوى المنطقة، ومنها محلية تخص دولة عربية بعينها بخاصة لبنان.
جو الحوار
بدا السيد حسن على طول زمن الحوار هادئا جدا، وبقي إلى حد كبير بنبرة صوتية واحدة. لم يعل صوته بشأن محور معين، وحافظ إلى حد كبير أيضا على لغة عربية فصحى، وهي اللغة التي تصل لكل العرب بدون معاناة البحث عن معاني كلمات عامية خاصة بهذا البلد أو ذاك.
والمهم في الأداء أن السيد حسن قدم للمشاهدين الكثير من المعلومات وليس مجرد التحليل حول عدد من الأمور وعلى رأسها الشأن السوري، وصفقة القرن والدور السعودي في تعقيد بعض الأزمات العربية.
وبدا السيد حسن في كامل قواه الجسدية واللغوية والتحليلية والمنطقية. لم يبد عليه المرض كما روجت بعض وسائل الإعلام. وهذه هي المسألة الأولى التي افتتح بها السيد غسان بن جدو الحوار. وقد نفى السيد حسن كل الإشاعات التي مسّت صحته، وكان دائم الابتسام وهو يتحدث عن شؤونه الصحية.
الأنفاق
ربما كانت مسألة إعلان الصهاينة عن اكتشاف أنفاق قالوا إنها من صنع حزب الله أكثر ما كان يشغل بال المهتمين بشؤون المقاومة إذ أرادوا سماع تعليق الحزب على ما قاله الصهاينة. في هذه المسألة، بقي الغموض سيد الإجابات، وتقديري أن السبب يعود إلى اعتبارات أمنية تتعلق بأمن الحزب وخططه العسكرية. ترك السيد الباب مفتوحا للتكهنات حول من حفر الأنفاق، وأنا تقدير أنها أنفاق حفرها حزب الله ليس لتكون منفذه الاستراتيجي الخارق للسيطرة على الجليل، وإنما لتساعده على تحقيق عنصر المفاجأة في أي هجوم قد يحصل على منطقة الجليل. وما قاله حول عدم منطقية الاعتماد على أربع أنفاق لإدخال جيش إلى منطقة معادية صحيح. الجيش يحمل معدات وأجهزة وأدوات تزويدية كثيرة، وهي أكبر من قدرة الأنفاق على استيعابها. أما من الممكن أن تشكل الأنفاق مدخلا لجنود يقيمون رؤوس جسور على الطرف الآخر من الحدود الافتراضية بين فلسطين ولبنان. وعلى كل حال، اكتشاف هذه الأنفاق يسبب خسارة كبيرة لمن حفرها بغض النظر عمن هو.
وبالرغم من ذلك، أكد السيد حسن أن حزب الله يمتلك القدرة والأدوات لدخول الجليل، ولديه من يستطيعون القيام بهذه المهمة بمهنية عالية.
وأشار بأن الحزب قد حصل على كل ما يلزمه من أسلحة، وأن غارات الصهاينة على سوريا بحجة تدمير أسلحة لحزب الله لا معنى لها، وأن الحرب في سوريا قد أكسبته خبرة قتالية كبيرة. قال إن الحزب يملك صواريخ ذكية تصيب الهدف بدقة. لم يذكر أعداد هذه الصواريخ وترك الأمر لنتن ياهو ليخمن ويقرر العدد الذي يراه مناسبا.
ومن المهم أن السيد حسن ترك الميزان العسكري غامضا، وهي مسألة حساسة إذ لا يجوز تقديم معلومات للعدو، بل من المفروض تقديم عبارات تجعله في تيه من أمره. كان يمتنع السيد عن الإجابة حول تفاصيل أمنية وعسكرية. ولعب السيد بمعنويات المستوطنين والصهاينة عموما عندما أكد لهم قدرات الحزب العسكرية وقدرته على دخول الجليل، وقدرته على إصابة الأهداف التي تقع ضمن المخطط بدقة. وأكد للجميع أن الخطط العسكرية مدروسة ومدونة وهي تنتظر التنفيذ. هو لم يقل إنه سيشن حربا، لكنه أكد على استعداد الحزب على مواجهة أي هجوم صهيوني يستهدف لبنان.
ومن خلال حديثه، ألمح إلى أن الجبهات قد تشتعل معا إذا قام الصهاينة بحرب شاملة. هو لم يقل صراحة أن محور المقاومة سيهب معا في المواجهة، لكن حديثه لم يخف التعاون المستمر بين مختلف الأطراف. وأكد على تواصل الحزب مع مختلف الفصائل الفلسطينية بخاصة فصائل المقاومة. لكن السيد لم يوضح جيدا علاقة الحزب مع المقاومة في غزة، ولم يشر إلى استعداده لمساندة هذه المقاومة فيما إذا تعرضت غزة إلى هجوم صهيوني شامل.
المجال السوري
قدم لنا السيد حسن الكثير من المعلومات حول الكواليس الديبلوماسية التي تجري حول الحل في سوريا. شرح لنا مواقف الأكراد والأتراك والأمريكيين والروس. ويبدو أن الذين يعرفون ما يريدون بالضبط هم السوريون والروس. أما الأمريكيون فلا يريدون البقاء في سوريا، ولكن يفضلون الحصول على ثمن سياسي قبل أن تغادر قواتهم مواقعها في سوريا. والأكراد وقعوا في ضلال من أمرهم لأنهم خسروا أطرافا مهمين بالنسبة لوضعهم الخاص، وأمريكا مستعدة دائما للتخلي عنهم.
وإجمالا قال السيد وكما نعرف أن الوضع في سوريا لم يستقر بعد بسبب مشكلة شرق الفرات ومشكلة إدلب. لكنه أكد على استرخاء النظام السوري واطمئنانه لدحر كل الفئات التي وقفت ضده في قتال مدمر.
صفقة القرن
لم يؤكد السيد حسن أن صفقة القرن قد فشلت نهائيا، وأشار إلى أشخاص ثلاثة كانوا يشكلون أعمدة الصفقة وهم ترامب ونتن ياهو ومحمد بن سلمان. ترامب فوضوي ووضعه الداخلي في أمريكا صعب للغاية، ونتن ياهو يخوض معارك داخلية بسبب تحقيقات بالفساد وقرب موعد الانتخابات، ومحمد بن سلمان ذوى بعد مقتل الصحافي الخاشقجي. ولو قال السيد إنها فشلت لما أخطأ لأن كل الشعب الفلسطيني يرفضها، وتاريخيا لا تمر مبادرة أو صفقة تعتدي على عمق الوعي الفلسطيني والحقوق الوطنية الثابتة.
السعودية
واضح أنه يحمل السعودية الكثير من المآسي التي يمر بها العرب. فهي التي مولت وسلحت المعارضة في سوريا والتنظيمات الإرهابية، وهي التي تمنع الحوار في البحرين، وتشن حربا على اليمن وتجند المرتزقة. ورأيي أن هذا صحيح من حيث أن السعودية هي رأس الفساد والإفساد في المنطقة العربية الإسلامية. همها الأكبر دائما المحافظة على نظام الحكم وليس الدفع باتجاه النهوض والتقدم، وصرف الأموال بطريقة ترفع من شأن الأمة وتحافظ على كرامة وعزة العرب.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/01/28