هل بدأ الأميركيون بترحيل «داعش» إلى محيط إيران؟
د. وفيق إبراهيم
تُجمِعُ القيادات العسكرية الأميركية في البنتاغون والمكلفة شؤون الشرق الأوسط على أنّ عودة «داعش» إلى الميدان الإرهابي لن تتأخر عن ستة أشهر.
ولا تكتفي بهذه النبوءة! وتضيف عليها بأنّ البغدادي الذي يقود هذا التنظيم الإرهابي منذ 2010 لا يزال حياً وانتقل سراً إلى العراق، حيث يعمل على إعادة تأسيس البنية القتالية لداعش، لكن المدهش هو ما يؤكده البنتاغون الأميركي نفسه بأنّ «التنظيم» لا يزال نشيطاً ويجدّد وظائفه وجغرافيته الجديدة ولديه موارد من استثمارات سرية في أكثر من بلد في العالم، هذا إضافة إلى المال الموجود بين يديه نقداً.
بداية كانت المصادر الإعلامية والاستخبارية تشير إلى وجود أكثر من أربعين ألف إرهابي كانوا ينتشرون في شمالي سورية إلى أقصى جنوبها عبر أنحائها الشرقية. ومن البديهي السؤال: أين رحل هؤلاء؟ ومَن نقلهم؟ ولماذا الاكتفاء بالإعلان عن نحو بضعة آلاف منهم الى جانب آلاف الأطفال والنساء. فكيف تبخروا بسحر ساحر أميركي؟ تقاطع مع دعم كردي استحق الثناء من البنتاغون وشركائه.
يكفي تحديد جنسيات هؤلاء الإرهابيين حتى تتبيّن أحجامهم الكبيرة: الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وألبانيا وكوسوفو والهند وباكستان وتركيا وتونس والعراق وسورية ومصر والمغرب والخليج وإندونيسيا وكردستان العراقية والتركية والإيرانية، هذا إلى جانب عشرات البلدان الأخرى والدليل أنّ هناك داعشيين حضروا إلى سورية من كندا واستراليا وهم من أصول عربية وشرق أوسطية ومن آسيا الوسطى، ومحليين ولبنانيين وفلسطينيين وسوريين، هناك إذاً جهات تعتقل الإرهابيين في ميادين سورية والعراق فتستبقيهم في «ضيافتها» لإعادة استخدامهم في جغرافيات سياسية جديدة او قديمة حسب حاجات السياسات الأميركية وبتخطيط من أجهزة الأمن القومي الأميركي، علماً انّ هذه الأجهزة بدت في حالة شديدة من الارتباك بعد إعلان الرئيس الأميركي قراره بالانسحاب من سورية، لكنها لم تعد الآن قلقلة، لأنها انتقلت إلى مرحلة التخطيط حول استثمارات جديدة في «داعش» تنضبط في إطار المشروع الأميركي الكبير بشكل غير مباشر.
ولهذا المشروع المتجدّد أربع حلقات، تبتدئ بالخدمة الكردية في شرق سورية التي تشملُ قتل الذين لا يستسلمون طوعاً وأسر المستسلمين ونقلهم إلى معتقلات أميركية وترحيل النساء والأطفال والعجائز إلى المصادر التي أتوا منها.
تشمل الخطوة الثانية عملية إطلاق سراح تبدو إنسانية أو عشوائية لإرهابيي داعش، لكنها ترتبط بتخطيط دقيق للاستثمار بهم غير المباشر.
وإلا فكيف نفهم إطلاق سراح ألفي عنصر في مناطق أفغانية تنضبط في إطاري القاعدة وطالبان التي تفاوض الأميركيين حالياً؟ وكيف نستوعب الحركة الأميركية السعودية الإماراتية في بلوشتان وخوزستان الأهواز ومناطق الكرد الإيرانيين، وتمويل منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة والمقيمة في الخارج الأوروبي لتكثيف حركتها في الجزء الفارسي من إيران.
انّ العملية الإرهابية التي قتلت عشرات من الحرس الثوري الإيراني في إقليم زاهدان التابع لبلوشستان في هذا الوقت بالذات أكبر دليل على تسعير الحملة الأميركية الخليجية على إيران.
هناك حركات ثلاث يتمّ إنتاجها بالتوازي وتتعلق باستثمار الإرهاب في ضرب إيران وتفكيكها الداخلي، وإلا كيف يمكن استيعاب هذه الهجمات الداعشية على إيران، فيما يزعم الأميركيون والأكراد أنهم هم الذين قضوا على داعش في سورية والعراق؟
الحركة الأولى هي إعلان ترامب بقاء قواته في العراق مع تحويله هذا البلد قاعدة لتحرك القوات الأميركية في الشرق الأوسط. وهذا يتطلب الاستمرار في تفكيك العراق للاستفادة من خدمات بعض التنظيمات المرتبطة بالسياسات التركية والسعودية وذلك في إطار توفير بيئة تتقبل الإرهاب.
وهذا ما يحدث فعلاً بدليل انتقال آلاف الإرهابيين إلى بعض أنحاء كردستان والأنبار والوسط.
أما الثانية فتتعلق بأفغانستان، حيث تدور مفاوضات ناجحة مع طالبان ذات الجذر الأيديولوجي مع داعش وبموازاة نقل آلاف الإرهابيين إلى مناطق حدودية قريبة من إيران.
الجهة الثالثة ذهبت نحو إعادة جذب رئيس وزراء باكستان الحالي عمران خان إلى المحور السعودي الأميركي، علماً انه فاز في الانتخابات الباكستانية الأخيرة على حساب إسقاط مرشحي السعودية.
لكنها لعبة المال والصفقات التي تُغيّرُ المسارات، فها هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يزور باكستان موقعاً على صفقة بعشرين مليار دولار، وذلك بعد أيام عدة على العملية الإرهابية التي تبيّن أن داعشيين انتقلوا من بلوشستان من باكستان إلى شقيقتها بلوشستان إيران لتنفيذها في ناحية زاهدان فبدت الصفقة وكأنها مكافأة من أصحاب داعش السعوديين على العملية الإرهابية الأخيرة.
بذلك يستكمل الأميركيون وفريقهم الخليجي تطويق إيران من العراق وباكستان وأفغانستان وبتحريك داخلي بواسطة «مجاهدي خلق» فينكشف مؤتمر وارسو على أنه مخطط لتفتيت إيران وإعادة استنهاض «داعش» لاستعمالها في مناطق جديدة.
لكن لإيران وسائلها في إجهاض محاولات تفكيكها، أو الحرب المباشرة، هناك حروب تلوح في الأفق لن تكون روسيا بعيدة عنها. وهذا ما تعرفه أوروبا مسبقاً فتحاول الاعتراض على المشروع «الترامبي»، وحدهم عرب الخليج ومصر والأردن يتباهون بأداء دور أدوات لا تخدم إلا «إسرائيل» والسيطرة الأميركية على العالم مع الاستمرار في سجن شعوبهم في زنزانات القرون الوسطى وحسابهم عند شعوبهم عسير.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/02/19