آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الستار توفيق قاسم
عن الكاتب :
كاتب ومفكر ومحلل سياسي وأكاديمي فلسطيني، ولد في دير الغصون بطولكرم الفلسطينية، وأستاذ العلوم السياسية و الدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس.

أمريكا تمعن باستهتارها بالشعب الفلسطيني وتتعمد إذلاله


د. عبد الستار قاسم

تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بإجراءاتها المعادية للشعب الفلسطيني، وقريبا ستقدم دعما متعدد الأشكال للبناء الاستيطاني ولبناء كيان استيطاني  مواز للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حتى لا يكون هناك عنوان للفلسطينيين تراه دول العالم. هي أنهت منظمة التحرير وأخرجتها من تفاعلات الأحداث على الساحة الفلسطينية، والآن تعمل على إخراج السلطة الفلسطينية حتى لا تكون هناك بؤرة أمام العالم يمكن أن تنبثق إلى كيان فلسطيني مستقل. هناك من يرى في السلطة الفلسطينية شرنقة يمكن أن يتمخض عنها كيان يسميه الفلسطينيون دولة، هذه الشرنقة تريد الولايات المتحدة إزالتها. وكل هذا الحديث عما يسمى حل الدولتين ليس إلا مجرد هراء أمريكي كان يهدف فقط إلى تغييب حق العودة عن الساحة الدولية وعن ضمائر من يؤمنون بحقوق الإنسان.

أمريكا تتمادى مؤخرا بإغلاق قنصليتها في شرق القدس لتدمجها بسفارتها التي انتقل مقرها إلى غرب مدينة القدس. وهذه رسالة للفلسطينيين عموما مفادها أن الفلسطينيين الذين يرفضون الإجراءات الأمريكية بشأن نقل السفارة سيجدون أنفسهم بأحضان السفارة المنقولة رغما عن أنوفهم. الفلسطينيون في الأراضي المحتلة/67 بحاجة للقنصلية الأمريكية بخاصة فيما يتعلق بتأشيرات السفر إلى أمريكا، والآن عليهم أن يشدوا الرحال إلى السفارة الواقعة غرب القدس. أنتم أيها الفلسطينيون ترفضون إرادة الولايات المتحدة، لكن أمريكا قادرة على جركم رغما عنكم إلى حيث تريد هي. فمن شاء منكم الحصول على تأشيرة فما عليه إلا أن يطأ أرض السفارة غرب القدس وهو صاغرا وذليلا. الإجراء استهتار بكرامة الشعب الفلسطيني، وهجوم على انتمائه الوطني، وحط من تمسكه بحقوقه الوطنية الثابتة. وهو دعم جديد للكيان الصهيوني الغاصب الفاجر، واعتراف للصهاينة بقومية الدولة اليهودية، ونفي للوجود الفلسطيني وطموحاته، وتطلعاته نحو إقامة العدل واحترام حقوق الإنسان.

تدرجت الولايات المتحدة بإجراءاتها ضد الشعب الفلسطيني، وستستمر لأنها لا تلاقي عقبات في طريقها. العرب منبطحون منذ زمن بعيد، ورضا أمريكا عن الحكام العرب هو غاية المنى، والقيادة الفلسطينية ليست قيادة حقيقية وهي تستمر بسياساتها التي تلحق ضعفا متزايدا في الصفوف الفلسطينية، ولا تعبأ بوحدة وطنية أو عدالة اجتماعية أو مراكمة القوة. أمريكا مرتاحة تماما وهي تتخذ إجراءاتها ضد الفلسطينية لأنها تدرك أن ردود الفعل لن تتعدى الاستنكارات والتعبير عن مشاعر الاستياء، وتدرك أن العرب الذين يحترمون إجراءاتها أكثر بكثير من العرب التي يستاؤون مما تفعل.

في يوم ما، كانت الفصائل الفلسطينية تحمل السلاح وتتحدث عن ثورة فلسطينية، وكان لمنظمة التحرير تأييد قوي بين جماهير الشعب الفلسطيني. ومن طرف خفي، عملت أمريكا على التواصل مع المنظمة والتداول معها حول الحلول الممكنة للقضية الفلسطينية. كان هذا مع بداية السبعينات، وفسحت منظمة التحرير لأمريكا المجال لتبادل الأفكار. أقيمت علاقات سرية بين المخابرات المركزية الأمريكية ومنظمة التحريري عن طريق وسطاء، ولم تكن أمريكا في تلك الفترة بهذا الصلف وهذه الوقاحة التي نراها الآن. السبب واضح وهو أن الشعب الفلسطيني كان موحدا وقويا، وكانت أصابع الفصائل الفلسطينية على الزناد، ولم يكن الشعب بحاجة لأموال أمريكا أو أوروبا. كان الشعب الفلسطيني عزيزا قادرا على الانتقام لكرامته وعزته، ولم تتواقح أمريكا إلا عندما اطمأنت أن الشعب في غاية الضعف، وقيادته لا تلوي على شيء.

فإذا أراد الشعب الفلسطيني الخروج من هذا الضغط الأمريكي المتفاقم والمتواقح فإن عليه أن يبحث عن أسباب القوة، وأن يتبع سياسات تؤثر سلبا على مشاريع الأعداء. لا يكفي أن نقول إن أمريكا ليست وسيطا نزيها في مفاوضات عبثية، وإنما علينا أن نعيد عقارب الساعة إلى الوراء. والخطوة الأولى بهذا الاتجاه يجب أن تكون الاعتراف الصريح والواضح بالمقاومة الفلسطينية في غزة والتمسك بها كخيار استراتيجي يهدف إلى انتزاع الحقوق الوطنية الثابتة. أعداؤنا يخشون الحجارة، وهم بالتأكيد يخشون الرصاص أكثر. ومن ثم علينا الخروج من اتفاق أوسلو، ومن كل الاتفاقيات التي ترتبت عليه، وأن نسعى حثيثا نحو تحقيق الوحدة الوطنية على أساس مواجهة الأعداء بالقوة وليس بالخطاب الاستجدائي الحزين. وحدتنا هي مخرجنا، وعندما يتوحد الشعب الفلسطيني، لن تتمكن قوة من اختراقه. وهذا ينقلنا إلى إعادة صياغة حياتنا من جديد بحيث نبعث الحياة بالثقافة الوطنية، ونخلي الناس من كثير من همومهم الشخصية التي باتت تسيطر على تفكيرهم ومواقفهم.

والمسألة بسيطة، إذا كانت سياساتنا قد أودت بنا إلى المهالك، ودعمت الأعداء في مواجهتنا فالخلل بهذه السياسات.

المكابرة بالطغيان والاستعباد واستبعاد الآخرين تقودنا إلى مزيد من الدمار والهلاك، وعلينا أن نتمسك بمبدأ اختفاء من يفشل ليفسح المجال لدماء جديدة قد تكون أفضل.

الإدانات لأفعال أمريكا تشكل رسائل طمأنة للأعداء من حيث أن الأعداء اعتادوا على الإدانات كبديل للمواجهة والإصرار. فمن يكتفي بالإدانة ومناشدة الأمم يطلب من العدو أن يفعل ما يشاء لأنه لا يملك سوى الاستعطاف. ولا استعطاف يمكن أن يجدي بدون مخالب.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/03/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد