الحراك الشعبي في السودان والجزائر ونظرية المؤامرة؟
جمال الكندي
يشهد الشارع السوداني والجزائري حراكاً جماهيرياً تحت عدة عناوين سواءً كانت اقتصادية أو سياسية أو تجمع الاثنين معاً، هذه العناوين خلقت مناخات مساندة لمن يريد أن يعبث بخارطة القرار السيادي لهذه الدول.
التجربة السورية والعراقية واليمنية حقيقة لمثل هذه السناريوهات، فقد بدأت سلمية وانتهت اليوم بواقع مؤلم مزق كينونة هذه المجتمعات بحرب أهلية كان وقودها ومازال العامل الخارجي الذي يراقب ويتدخل في الوقت المناسب.
في السودان والجزائر توجد مناخات ذات أبعاد اقتصادية وسياسية تخلق البيئة الملائمة التي تجبر الناس بكافة مشاربهم على الخروج والمطالبة بالتغيير، وفي المقابل هنالك عيون تراقب وتنتظر الفرصة المناسبة للتدخل لتغذي هذه التظاهرات من أجل مصلحتها السياسية.
هنا نحن لنا وقفة في نظرية يتبناها كثير من أصحاب الأقلام السياسية، ويسقطونها على البلدان التي شهدت مظاهرات تطالب بالتغيير سواء في فترة ما يسمى (الربيع العربي)، أو فيما يحصل في الساحة السودانية والجزائرية اليوم. إنها نظرية المؤامرة التي تقول: إن ما يحصل من اضطرابات في أي دولة هو ناتج عن مؤامرة خارجية، الغرض منها مصلحة سياسية أو اقتصادية وراء ذلك ، ودائماً أصحاب هذه النظرية يعلقون اخفاقاتهم بسبب وجود عامل خارجي، وبذلك يبررون أي تحرك شعبي في بلدانهم لهذا العامل، ويهملون جانب الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي الذي حرك شعوبهم.
نظرية المؤامرة لا نستطيع أن نأخذها بحذافيرها ونسقطها على واقع الشارع العربي الثائر في فترة الربيع العربي، أو في الساحات الملتهبة حالياً، ولا نستطيع كذلك أن ننفي وقوعها، فهي لا تقدر أن تلج إلى أي دولة إلا إذا توفر عاملان هما : الأسباب والمصالح، وإذا عالجنا العامل الأول سقط العامل الثاني، ولو كانت المصالح مهمة للعنصر الخارجي، فحينما تختفي الأسباب تضيع المصالح.
الأسباب تكمن دائماً في العامل الاقتصادي والسياسي، والمصالح هي في أهمية هذه الدول جغرافياً وسياسياً واقتصادياً لصناع القرار في المنطقة، لذلك فإن الأسباب هي التي تخلق الأرضية الخصبة للعامل الخارجي للتدخل في هذا البلد أو ذاك ، تحت عناوين مختلفة وجاهزة عن الغرب وخاصة أمريكا منها حقوق الإنسان وحرية التعبير ومكافحة الإرهاب وغيرها.
إن ما يحدث في السودان والجزائر لا يخرج عن هذا النطاق وهو محصور بين نظرية المؤامرة، والتقصير الاقتصادي، والمحسوبية السياسية التي كما قلنا أهم مداخل الأيادي التي تريد أن تعبث بمقدرات الشعوب وتغتال – إن صح التعبير- الإرادة والقرار السياسي لهذه البلدان .
الحراك الشعبي والسياسي لهذه الساحات حالياً ، سواءٌ كنا مؤيدين لها أو معارضين، لابد لنا أن نضع لها قاعدة ننطلق منها عندما نتحدث عن تجربة هذه الدول، القاعدة تقول: إن هنالك نظاما سياسياً لكل بلد ، هذا النظام السياسي هو الذي يوجهها ويرسم خارطتها السياسية، فهل هو نظام ملكي أو برلماني؟ يعني الأول ينحصر الحكم فيه في أسرة واحدة كما هو الحال في دول الخليج العربي مع الأردن والمغرب، والآخر ارتضى لنفسه الديمقراطية وهي الشراكة في الحكم، أي وجود أحزاب سياسية تحمل أجندات مختلفة في السياسة والاقتصاد، وكل حزب يرتكز على قاعدة شعبية تؤيده، وتوصله عن طريق الانتخابات إلى الحكم، فهي الفاصل والمعيار في المفاضلة السياسية بين هذا الحزب أو ذاك، وهذا ما يسمى عند الغرب باللعبة الديمقراطية فهل نحن طبقناها في بلداننا العربية ذات البعد الحزبي ؟؟.
إن الحل هو في القبول بالمشاركة السياسية الحقيقية التي تحصن البلدان من العامل الخارجي، بتبني ثوابت وطنية تكون خطوطاً حمراء لا يتجاوزها أحد من السياسيين وهنالك أمثلة على ذلك، فمثلاً النظام الأمريكي يحكمه حزبان الجمهوري والديمقراطي، وهما يختلفان في التوجهات الاقتصادية والناخب الأمريكي هو الذي يختار الأصلح بينهما، ولكن في المنحى السياسي هنالك قاعدة ثابتة تصوغها ما يسمى “الدولة العميقة في أمريكا” فربما تتغير الوجوه ولكن تبقى السياسية الخارجية ثابتة.
ولو نظرنا أيضا إلى نظام الحكم في إيران لوجدنا أن الوجوه تتغير كذلك بين المحافظين والإصلاحيين وكلٌ له طريقته في السياسة والاقتصاد، ولكن هنالك خطوط حمراء في السياسية الخارجية ميزت هذا النظام عن نظام الشاه وجعلت أمريكا تصنفها العدو الأول لدعمها القضية الفلسطينية مادياً ومعنوياً وعسكرياً.
هذه هي اللعبة الديمقراطية لمن أراد أن يعيش في كنفها، ولكن الذي يحصل في هذه البلدان أنها نظام ملكي برداء ديمقراطي شفاف لابد ليوم من الأيام أن يتمزق ويحدث ما نراه من مظاهرات تطالب بالتغيير، فلماذا لا تتغير الوجوه ؟ التي ستغير حتماً من الواقع الاقتصادي مع بقاء الثوابت التي تحفظ الوحدة الوطنية واستقلال القرار السيادي والسياسي لهذه البلدان؟!.
الحراك الشعبي في الجزائر ضغط من أجل تثنية الرئيس “عبد العزيز بو تفليقة” من ترشيح نفسه لولاية خامسة، وقد نجح، وأصدر الرئيس بوتفليقة قراراً انعكس إيجاباً على الجزائريين بتأجيل الانتخابات الرئاسية وعدم ترشحه لها ،وهذا الأمر كان ينتظره الشارع الجزائري لمعرفته بشخصية الرئيس بوتفليقة الوطنية بأمتياز، فهو الذي وحد البلد وقضى على إرهاب في ما يسمى بالعشرية السوداء في تاريخ الجزائر.
هذا الحراك حقق مطالب الجزائريين، وهو بذلك لم يسمح بدخول العامل الخارجي في الشأن الجزائري ، أما في الحالة السودانية فالتنازلات الحكومية لم تحقق بعد إرادة المتظاهرين، ومازال الشارع السوداني ينتظر تغيير حقيقي على الأرض، يغير من الواقع السياسي السوداني الحالي إلى واقع ديمقراطي يحفظ وحدة السودان وسيادتها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/13