الفراغُ السياسيُّ يُنتِجُ الدولة الفاشلة
منصور الجمري
ما الذي يجعل دولاً غنية في مواردها المالية، مثل العراق وليبيا، تتجه نحو صيغة «الدولة الفاشلة»؟، الجواب هو ذاته السبب الذي يجعل دولاً أخرى غير غنية بالموارد تتجه أيضاً إلى صيغة «الدولة الفاشلة»، وهذا السبب هو حدوث «الفراغ السياسي»، بمعنى إفقار العملية السياسية، أو إفراغها، وبالتالي تكون البلاد تحت رحمة القبضة الأمنية التي تنهك الموارد. تتفاعل الأحداث بصورة متوقعة وتنتج القبضة الأمنية فراغاً سياسيّاً، وإنهاكاً لنسيج المجتمع وبعدها تتكون ولاءات دينية وقبلية وإثنية ومناطقية لتحتل مكانة أعلى من الولاء الوطني، ومن ثم تدخل المصالح الخارجية على الخط، ومع تضارب كل ذلك تتجه الحالة نحو وضع «الدولة الفاشلة»، أو العاجزة عن التنمية بما يلبي الطموحات.
العراق أنموذج صارخ للعجز السياسي، إذ إنه وبعد العام ٢٠٠٣ شعرت فئات من المجتمع أنّها استبعدت من هرم السلطة، وعجزت النخب التي تسلمت الحكم عن إيجاد صيغة عملية لتسيير الأمور الحياتية اليومية، بحيث أصبحت بعض المتطلبات الأساسية، مثل خدمة الكهرباء المستمرة، مطلباً يصعب تحقيقه على رغم توافر المواد المالية. كما أن المحاصصة الطائفية والفساد الإداري أدّيا إلى هدر الموارد بصورة جنونية. وفي الأسبوع الماضي حاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تثبيت قواعد جديدة للسياسة عبر اجتماعات مع قادة أحزاب واتجاهات، ورؤساء كتل برلمانية، لكن يبدو أنَّ تلك الاجتماعات زادت من الاختلافات والتهديدات المتبادلة.
الوضع في ليبيا أسوأ، إذ الاختلافات بين المناطق والقبائل، وتنظيم «داعش» يركز نفوذه في المناطق التي سيطر عليها، ويسعى إلى خلق حالة من الفوضى في تونس، من أجل القضاء على أي أمل لنجاح أية تجربة ديمقراطية؛ ومنع تلبية تطلعات الناس الذين خرجوا في ثورة الياسمين في نهاية ٢٠١٠ ومطلع ٢٠١١ مطالبين بحرية سياسية وكرامة العيش.
مع ازدياد حالات «الدولة الفاشلة»، يتحول الأمر إلى ما يشبه العدوى في المنطقة، وهي عدوى قد تنتشر بصورة غير محسوبة وغير متوقعة. فمثلاً، عندما ينهزم تنظيم «داعش» عسكريّاً في سورية والعراق، فإنَّ أفراده سينتشرون في أماكن أخرى، كما أنَّ حالة الاستقطاب الطائفي في المناطق تنهك الموارد بالحروب والحملات الأمنية التي تتوسع باستمرار. الكثيرون يرددون أنه لا مخرج مما نحن فيه إلا من خلال «السياسة»، وذلك لأن قتل العمل السياسي السلمي ينتج الأوضاع المأساوية التي نشهدها حاليّاً.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/03/10