لماذا الآن اعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على الجولان المُحتلْ؟
د. جواد الهنداوي
أمريكا اليوم ورئيسها ترامب ليست هي أمريكا الأمس ،حين كان رئيسها أوباما .
ولم يكْ مجئ ترامب للرئاسة تعبيراً وحيد وصادق عن إرادة الشعب الأمريكي ، وإنما كان تعبيراً أيضاً عن إرادة لوبيات فكرية وعنصرية وسياسية أمريكية وخارجية، وهذا الأمر لايزال محط تساؤلات وإجراءات سياسية وقضائية . بعبارة أوضح قولاً وأسرعُ إدراكاً وفَهماً، جاءَ ترامب لأجل تنفيذ أجندات وتصفية حسابات وانجاز صفقات، وقد وفى، على ما يبدو، بتعهداته تجاه أتباعهِ بتبني شعار أمريكا أولاً وسياسات انعزالية وجلب الأموال والاستثمارات وتقليل نسب البطالة، وتجاه خصومه وأصدقاءه ،من خلال سعيّه لتصفية القضية الفلسطينية وحل القضية الإسرائيلية والتحشيد ضد إيران والسعي لجعلها العدو في المنطقة بدلاً من إسرائيل
من عجائب وغرائب السياسة الأمريكية تبني وفرض فكرة أنَّ أمن إسرائيل وأمن بعض الدول العربية هو جزء من أمن الولايات المتحدة الأمريكية ورفض فكرة أمن مُتبادل ومشترك بين دول منطقة الشرق الأوسط، أي، المُغالاة في توظيف مبدأ المصلحة السياسية، وعلى حساب القواعد الأخلاقية والقانونية والشرعية، وإلغاء مبدأ الجغرافية السياسية وحتمية إثارهِ، أو توظيفه للاحتراب بين دول المنطقة .
لم تتوقفْ انجازات ترامب لإسرائيل ولنتنياهو، أبتداءاً من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومروراً بمسعاه لصفقة القرن والتطبيع ، ووصولاً اليوم إلى موقف الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتل .
هذه هي الخطوات التي رسمتها الإستراتيجية الأمريكية للمنطقة بعد مرحلة توظيف الإرهاب ، ويبدو تطبيقها ليس مرهوناً بانتصار الإرهاب أو فشله في هذا أو ذاك البلد ، المهم أنَّ الإرهاب قد أدّى مفعوله وترك أثاره في العراق ولمدة أكثر من عقد من الزمن ، وفي سوريا ولمدة ٧سنوات ، وفي ليبيا وفي دول أخرى .
فشل الإرهاب في إسقاط النظام السياسي الجديد في العراق ، وفشله في إسقاط النظام في سوريا وتفتيت الدولة السورية لن يحول دون الإرادة الإسرائيلية الأمريكية في المضي قُدماً في توسّع إسرائيل ورسم حدود جديدة لها بضم الجولان لسيادتها ، مع بدء الخطوات الأمريكية للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وبحدودها الجديدة .
مَنْ مِنَّا يعرف أين تقف حدود إسرائيل ؟ وإِنْ وجّهت السؤال إلى إسرائيليين عن حدود إسرائيل ، لا تحصل على إجابة موّحدة ؟
مَرّد عُجالة أمريكا في الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتل لا يقتصرُ فقط على رغبة الرئيس ترامب في دعم نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية القريبة القادمة ، وإنما يتعداه إلى أسباب جوهرية أخرى :
أول الأسباب، هو السعي إلى تعزيز إسرائيل سياسياً ، بعد فقدانها لعنصر احتكار قوة الردع في المنطقة، ما فقدته إسرائيل عسكرياً ينبغي تعويضه سياسياً .
فشل الإرهاب في إسقاط النظام في سوريا ينبغي تعويضه بنجاح سياسي استراتيجي لحساب إسرائيل ، والاعتراف ، ومن قبل أمريكا، بسيادة إسرائيل على الجولان هو التعويض المُقابل .
أمريكا تُبّرر اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان بحاجة إسرائيل لتعزيز أمنها القومي ، وبحجة وجود مقاتلي حزب الله ومستشاري الحرس الثوري الإيراني وبخطة سوريا لتنظيم ودعم مقاومة في هضبة الجولان المحتل .
الرئيس ترامب ونتنياهو يدركان جيداً بأن ظروف المنطقة والعرب يوفران الفرصة المناسبة لاتخاذ كلُ ماهو في مصلحة إسرائيل، دون اعتبار للقوانين الدولية أو الشرعية الدولية أو قرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ، وقد اعتادا العالم الحر والمنظمات الدولية على التعايش مع التجاوزات الأمريكية .
ترى إسرائيل أنها أمام فرصة القرن ولن تكتفي بصفقة القرن فيما يخص فلسطين .
اعتراف أمريكا بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتل أهم بكثير من ما مضى .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/18