نظام عربي جديد يلوح في الأفق!
د. وفيق إبراهيم
يتقدم التنسيق بين سورية والعراق بخطى راسخة على المستويين السياسي والعسكري، إنما بمواكبة دقيقة من معوقات أميركية سعودية وإسرائيلية تعمل على تفجيره.
هناك إذاً صراع بين تنسيق متحالف مع إيران وروسيا، وبين الحلف الأميركي الذي باشر منذ أشهر بإعداد آليات جديدة فمن وارسو إلى المشروع الكردي مع تشديد الانتشار العسكري الأميركي في العراق واحتلال مناطق في شرقي الفرات والشمال السوري من قبل قوات غربية إلى جانب الاستمرار في التفاوض مع الأتراك وتغطية احتلال جبهة النصرة الإرهابية ومثيلاتها لإدلب وصولاً الى أرياف حلب.
لماذا هذا التصعيد وماذا يريد أطرافه؟
يجب الربط بين ما يحدث من انهيار عربي كبير يتجلى في غياب موقف عربيّ موحّد بالحد الأدنى مع توقيع مصر السادات لاتفاقية كمب دايفيد في 1979 والأردن لوادي عربة والسلطة الفلسطينية لاتفاق أوسلو.
أدّى هذا الوضع إلى استسلام عربي كامل تزعمته السعودية والإمارات والمغرب وقطر غطى بدوره اجتياحات أميركية لسورية والعراق ومعظم العالم العربي والإسلامي.
لكن النتيجة كانت مذهلة، العراق المحتلّ بقي على ثباته في مسألة الصراع مع إسرائيل حتى تحرير فلسطين المحتلة، ولم تقبل حكومة واحدة من حكوماته المتعاقبة منذ 2003 بتغيير ايمانها بعروبة فلسطين.
أما سورية التي نشر الحلف الأميركي السعودي مئات آلاف الإرهابيين فيها، مع احتلال أميركي تركي كردي لبعض أراضيها، فحاربت بإعجاز تدخُّل نحو ستين دولة وتحالفت مع إيران وحزب الله وروسيا في وجه الحلف الأميركي التركي الخليجي الإسرائيلي.
هناك إنجازان يسمحان بولادة آليات جديدة في المنطقة، تدمير العراق لمعظم الإرهاب الذي كان يسيطر على معظم اراضيه، واستعادة الدولة السورية لنحو سبعين في المئة من أراضيها.
لكن المشروع الأميركي في المنطقة يجدّد أيضاً حركته محاصراً إيران إلى درجة محاولة خنقها، معاوداً نشر قوات له في العراق ومثيراً من جديد مطامع حكام كردستان والفتنة السنية الشيعية.
أما الجانب الأكثر دهاء في المشروع الأميركي فيتعلق بالإصرار على عدم السماح بإعادة فتح الحدود السورية العراقية لما تجسّده من بداية علاقات تنتقل من الإطار المعنوي وعبارات التآخي والإعجاب الى خطة تنسيقية عملية تبتدئ بفتح معبر واحد هو البوكمال وتستمرّ بالارتقاء من التنسيق الأمني والعسكري إلى السياسي. وهذا ما يخشاه الأميركيون والإسرائيليون والخليجيون.
أسباب الرفض هنا واضحة، لأنّ هذا التقارب ينتج تحالفاً بين بلدين فيهما ستون مليون نسمة ويربطان بين الخليج والحدود مع إيران والسعودية والكويت والأردن وتركيا وحتى البحر المتوسط.
وفيهما ثروات معدنية وطاقة وإراض خصبة ومياه وعقول علمية ولا يحتاجان إلا إلى مشروع سياسي بالتنسيق بين طاقاتهما.
لقد استثار هذا التنسيق الأميركيين الذين يحاولون تدميره في المديين العراقي والسوري مباشرة.
كما تسبّب بصدمة للخليجيين فهؤلاء بدأوا بإرسال وفود متعددة إلى العراق حملت معها عروضاً بدعم وإسناد ومشاريع اقتصادية واعدة وكبيرة جداً فآل سعود أرسلوا نحو أربعة وفود ترأسها وزراء هامون في البنيان السعودي، وكذلك الإمارات ما استنفر قطر التي أوفدت فريقاً قدّم عروضاً هائلة على مستوى اتفاقات اقتصادية محترمة.
لكن هذه الوفود حملت معها إلى جانب الإغراء الاقتصادي شروطاً سياسية.
بالنسبة للفريق السعودي الإماراتي فقد بدأ مصراً على منع أيّ تقارب لبغداد مع إيران وروسيا مقترحاً حلفاً خليجياً عراقياً أميركياً.
لجهة قطر فلم تخجل من دعوة العراقيين إلى تقارب مع تركيا يستبعد السوريين والإيرانيين والسعوديين والإماراتيين، هذا هو الخليج بسياساته التي تشبه أداء الهواة في صراع بين محترفين.
يتبقى إسرائيل التي تعتبر أكبر المتضرّرين من أيّ تقارب سوري عراقي لأنه يُنهي صفقة القرن، واضعاً الكيان المصطنع في وجه تنسيق عراقي سوري فلسطيني وحزب الله وهذا يعني العودة إلى مناخات بداية الصراع العربي الإسرائيلي مع تأسيس قتال فعلي أكثر فاعلية من المراحل السابقة.
فهل هذا ما تريده سورية والعراق؟
نجاح الاستمرار في هذا التنسيق وتطوّره نحو تحالف ثنائي فعلي شديد الترابط عسكرياً وسياسياً واقتصادياً هو إعلان بولادة أكبر منظومة عربية لديها قوى بنيوية ومتحالفة مع إيران التي أثبتت بصمودها منذ اربعين عاماً أنها البلد الأقوى في الشرق الاوسط.
كما أنّ التحالف مع روسيا يزوّد هذا التنسيق بإمكانات مجابهة المشروع الأميركي، فها هو وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يجول بطائرته في أجواء سورية مع سرب كامل من مقاتلات سوخوي بما يؤكد على عمق التحالف بين البلدين واستعدادهما لكل المفاجآت العسكرية.
يجب إذاً الربط بين زيارة الرئيس بشار الأسد مؤخراً إلى إيران والمؤتمر الثلاثي بين إيران والعراق وسورية الذي انعقد منذ أيام في دمشق بين قيادات أركانها العسكرية بهدف إعداد تنسيق حربي فعلي مع وصول الجنرال الروسي شويغو منذ يومين فقط إلى دمشق ايضاً، هذه مؤشرات على تفاهمات عميقة في وجه العدوانية الأميركية.
إنّ التنسيق السوري العراقي منطلقٌ نحو إعادة بناء نظام عربي بعمق إيراني وروسي يشكل بديلاً نوعياً من نظام عربي قديم كان يقوم على الحدّ الأدنى الممكن وأسقطته كامب دايفيد 1979 بالضربة القاضية.
فهل هذا ممكن؟
هناك عراقيل أميركية سعودية إسرائيلية لا يستهان بها ولن تدخر أياً من إمكاناتها لتفجير هذا التنسيق، لكن سورية والعراق وإيران وروسيا هي من فئة البلدان التي تمتلك مصادر قوة متنوّعة وتشكل للكثير من الدول العربية والعالمية ملجأ من العدوانية الأميركية.
ولا شك في أنّ هذا الحلف يزداد قوة بانتماء الصين إليه ما يؤدّي إلى ولادة نظام عربي قوي يتحالفُ مع ثلاثية عالمية له فيها حليفان هما روسيا والصين.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/03/21