آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

السعودية تدخل السباق النووي بقرار أمريكي

  د. سعيد الشهابي


من المؤكد أن رغبة أية ر ادولة في تصدلمشهد السياسي يجعلها مكشوفة أمام الرأي العام، ويفرض عليها التزامات كثيرة على صعيد نمط الحكم ومعاملة المواطنين واحترام القانون الدولي وسلوك المسؤولين. ومع أن هذا الانكشاف قد تخفف منه طبيعة العلاقات الدولية واشكال التحالف مع الدول الكبرى الفاعلة، فأنه يضغط كثيرا على الحكومة المركزية لذلك البلد. ولتوضيح المسألة، تجدر الإشارة إلى المملكة العربية السعودية وتوجهاتها في السنوات الأخيرة.

في الماضي كان الاهتمام بما يجري داخل حدودها في الماضي محدودا ولا يلفت انتباه الكثيرين، ولكن عندما قررت أن تتصدر المشهد السياسي العربي وتمارس دورا قياديا في المنطقة وتتصدى للتيارات التي تعتبرها تهديدا لنظامها السياسي وانتمائها الايديولوجي أصبحت أوضاعها مكشوفة بشكل اوضح للعالم الخارجي. فما أكثر الرجال والنساء الذين قطعت رقابهم بايدي السيافين طوال العقود السابقة، وما أشد التنكيل الذي لحق بالمعارضين خصوصا في العقود الأربعة الأخيرة، ولكن الاهتمام بذلك بقي محصورا بالمنظمات الحقوقية التي كتبت التقارير وأصدرت التوصيات، ولم يكن الشأن السعودي الداخلي موضع اهتمام عالمي واسع. وحتى عندما صدر فيلم «موت أميرة» في نهاية السبعينيات انحصر الاهتمام بظروف الفيلم ثم بالعلاقات التي توترت مع بريطانيا. أما اليوم، فقد أصبح الوضع الداخلي السعودي تحت المجهر الدولي. صحيح أن العالم الغربي أصبح أقل اهتماما ومبدئية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن مناوئي النظام تعددوا وأصبحوا اقدر على توجيه اهتمامات العالم للداخل السعودي. ومن المؤكد أن قضية جمال خاشقجي ساهمت في تكثيف الأضواء المسلطة على الجزيرة العربية ونمط حكمها وعلاقاتها الداخلية والاقليمية. هذا الاهتمام لن يتلاشى ما دام الشخص المتهم بإصدار قرار التصفية بالطريقة الوحشية التي حدثت بها يتصدر المشهد السياسي السعودي.

أمام هذه الحقيقة كيف يمكن التعاطي مع قضايا عديدة ذات صلة؟ كيف يمكن استيعاب الموقف الأمريكي الذي يتصدره دونالد ترامب والذي قضى مؤخرا بتزويد المملكة بالتكنولوجيا النووية؟ لماذا أفرجت السعودية عن بعض السجينات السياسيات مع استمرار محاكمتهن؟ ومن الذي طلب من السعودية فتح سفارتها في دمشق بعد ثمانية أعوام من غلقها؟ وما نصيب السعودية من نجاح دبلوماسيتها الإقليمية التي تسعى للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والتأزيم مع دول أخرى بعضها عضو بمجلس التعاون الخليجي؟ وكيف تنظر السعودية لمستقبل ذلك المجلس في ضوء التوترات التي تدب في اوصاله وبروز شبح الحرب على حدوده المطلة على بحر العرب ومضيق هرمز والضفة الشرقية الجنوبية من الخليج؟ أن من الصعوبة بمكان تمرير خيط يجمع هذه الحبات المتناثرة مع استمرار الرياح التي تعصف بالمنطقة واستمرار قرع طبول الحرب في أجوائها. فمثلا إلى متى سيتم تجاهل التحالف السعودي ـ الإماراتي الذي يعبث بالوضع العربي الاستراتيجي؟ وماذا عن القصف اليومي الإسرائيلي لقطاع غزة تارة، واختراق الأجواء اللبنانية ثانية وقصف مواقع سورية بشكل متكرر ثالثا؟ الأمر المؤكد أن الدبلوماسية السعودية الحاضرة مستنسخة من ايديولوجية الرئيس الأمريكي التي تروج للفوضى الخلاقة وتضرب الثوابت السياسية التي ميزت السياسة الأمريكية وأحدثت ألوانا متعددة في الأطياف السياسية الإقليمية بوتائر غير مسبوقة. وفي ضوء الاضطراب والفوضى الناجمة عن تلك السياسة، فإن السعودية ترتكب أخطاء فادحة إذا استمر تفكير قادتها بالنمط الحالي ولم يسعوا لإصلاح واحد من أكثر الأخطاء تعقيدا وخطرا، وهو تماسك البيت السعودي الذي كان الركيزة الأولى لاستمرار الحكم طوال تسعة من العقود.

المرأة تصدرت المشهد السياسي والحقوقي في السنوات الأخيرة بعد أن اكتظت السجون بالمعتقلين من الرجال. وبرغم عقود من محاولات التغريب والتخدير تحركت المرأة منذ بضع سنوات لاستلام زمام المبادرة في قضايا الشأن العام، فاعتقلت وعذبت وتعرضت لأصناف التنكيل

يمكن الادعاء بقدر من الثقة أن حكام الجزيرة العربية أصيبوا بردة فعل مدمرة قبل ثمانية أعوام عندما كادت رياح الثورة تعصف بالنظام السياسي العربي. وكما هي عادة بعض الأنظمة الخليجية فقد أصيب العديد منها بالذعر وكانت ردة الفعل الاولى تخصيص أموال طائلة لمواجهة ظاهرة التغيير السياسي من منطلقات ثورية. وبدلا من مراجعة أسباب انفجار الأوضاع العربية، نجم عن تواصل القوى الاقليمية اقامة محور قوى الثورة المضادة الذي شمل كلا من مصر و «إسرائيل» والإمارات بالإضافة للسعودية، بموافقة انكلو ـ أمريكية. ويمكن اعتبار السياقات السياسية في السنوات الأخيرة امتدادا لقناعات قادة هذا التحالف بأن الغرب لن يألو جهدا لدعم هذا التوجه بهدف الحفاظ على الوضع الراهن والتوازنات السياسية والعسكرية القائمة.

ويمكن اعتبار هذا التوجه قفزا على الواقع ومحاولة للتأثير على مسار القانون الطبيعي الذي يربط بين البقاء والسعي المتواصل للتطوير من خلال التغيير التدريجي. هذا التوجه ينطلق من تنامي قناعة ناقصة لدى الأنظمة التي تمتلك أموالا نفطية هائلة بأن المال يمثل مفتاح الحل وأن ما لا يمكن تحقيقه بالدبلوماسية والعلاقات العامة مع الموطنين، يتحقق بالمال الذي يسخر العسكر والأمن لخدمة اهداف النظام السياسي. أما مصالح البلدان فما تزال مربوطة بمصالح الأفراد أو العائلات أو الأحزاب الحاكمة. وهذا أمر خطير. أذ يجب التمييز بين ما هو أساس طبيعي للوجود السياسي وما هو أطروحات مفتعلة للايهام بأن الحل لن يتحقق إلا في ظل أنظمة القمع. ويمكن التوصل لنتيجة ذات أهمية بالغة بأن تحالف قوى الثورة المضادة التي تقودها السعودية في الوقت الحاضر لن يكون خيارا بديلا للتغيير السياسي المنشود، وأن هذا التوجه لاحتواء ظاهرة الربيع العربي لن يحل المشكلة الجوهرية المتمثلة بغياب الحريات والحقوق والمنظومة السياسية العصرية المتطورة. والأوضاع المضطربة في الجزائر والسودان والبحرين تؤكد ذلك.

في السنوات الاخيرة انفتحت شهية نظام الحكم السعودي على الهيمنة والزعامة وتوسيع النفوذ، منطلقا من الاعتقاد أن بالإمكان تطويع أغلب البلدان المناوئة للسياسات السعودية وذلك بتحييد مواقف قادتها وشرائهم بالمال النفطي. وسعت لكسب موقف التحالف الانكلو ـ أمريكي بتوقيع المزيد من الاتفاقات العسكرية خصوصا مع إدارة ترامب. وتجاهلت في الوقت نفسه مطالب مواطنيها الذين زجت بهم في السجون ومارست بحقهم أبشع اصناف التنكيل. وينطبق الأمر نفسه على الإمارات والبحرين اللتين سعتا لكسر شوكة المعارضة بارتكاب انتهاكات حقوقية مشينة. ولكن هل هذا كفيل بوقف مسار التغيير؟ ربما يمثل إطلاق سراح بضع نساء ناشطات في الأيام الأخيرة دليلا على ضياع بوصلة النظام بين تكريس القمع والاضطهاد من جهة والتظاهر باللين خصوصا إزاء المرأة من جهة أخرى لتحييد المنظمات الحقوقية الدولية والراي العام. المرأة تصدرت المشهد السياسي والحقوقي في السنوات الأخيرة بعد أن أكتظت السجون بالمعتقلين من الرجال. وبرغم عقود من محاولات التغريب والتخدير تحركت المرأة منذ بضع سنوات لاستلام زمام المبادرة في قضايا الشأن العام، فاعتقلت وعذبت وتعرضت لأصناف التنكيل. هذا ما افصح به عدد من السجينات السياسيات في الأيام القليلة الماضية أمام القضاة الذين أصروا على إجراء المحاكمات سرا. وربما خشي المسؤولون فضائح أكبر إذا سمح للدبلوماسيين الأجانب والإعلاميين بحضور محاكمات علنية، لأن إفادات السجينات سوف تضيف للغضب الذي اكتنف العالم بعد قتل خاشقجي وتكشف مدى سادية عناصر الأمن السعودية. أن إصرار الرياض على سرية محاكمة المعارضين أصبحت مصدرا لانتقاد الحكم السعودي. وقبل يضعة أيام قالت خبيرة في حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إن الجلسات السرية التي تجريها السعودية لأحد عشر متهما في مقتل الصحافي جمال خاشقجي لا ترقى إلى المعايير الدولية وينبغي أن تكون مفتوحة أمام العامة والمراقبين. ودعت أنييس كالامار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء، التي تقود تحقيقا دوليا في جريمة القتل التي جرت في القنصلية السعودية في اسطنبول في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، السعودية إلى الكشف عن أسماء المتهمين ومكان عشرة آخرين تم احتجازهم في بادئ الأمر. وما لم تفعل الرياض ذلك فسوف يستمر الغمز واللمز حول طبيعة النظام وسيزيد عبئه على حلفائه الغربيين وسيحرجهم كثيرا.


جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/04/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد