الجامعات بين الغاية والوسيلة
عبدالمحسن هلال
كشف تقرير لوزارة التعليم أن نسب الملتحقين بالجامعات بلغت 60% للتخصصات النظرية و27% للتخصصات العلمية للعام 1435، ثم فصل التقرير «التعليم في المملكة.. مؤشرات محلية ومقارنات دولية» تلك النسب على التخصصات المختلفة، لافتا إلى انخفاض نسب الطلاب المستجدين في مجالات العلوم والهندسة والصناعات الإنتاجية، أي استمرار الكتان كما كان، واختتم التقرير بإشارة إلى ارتفاع عدد المقبولين بالجامعات خلال الخمس سنوات الماضية من 277 ألفا إلى 326 ألف طالب، وسجلت الدراسات العليا أعلى نسبة نمو (مرحلة الدبلوم ارتفعت بنسبة 264%، الماجستير 41%، الدكتوراه 112%). حسنا فعلت الوزارة بإعلان التقرير برغم أنه لا يقدم جديدا، فتلك ظاهرة كانت معروفة وناقشها كتاب كثيرون خلال السنوات الماضية، فالاعتراف بالداء أول مراحل العلاج، غير أن السؤال ماذا فعلت الوزارة حيال ذلك ونحن الآن في منتصف العام 1437؟
قبل الحديث عن دور الوزارة، ثمة جملة اعتراضية لا يمكن تجنبها، كنت أظن أن هرمنا التعليمي مقلوب، فإذا به اليوم يبدو معوجا، لم يعد الأمر ترحيلا لمشاكل البطالة وانتظارا للوظيفة، فيلتحق الطالب بأي تخصص، يستمر انتظاره وتستمر دراسته دبلوما فماجستير فدكتوراه لعل الله يأتي بالوظيفة. وتقول وزارة الخدمة المدنية أن بعضهم يفضل الانتظار أكثر لفرص وظيفية حكومية رافضا وظائف مجزية في القطاع الخاص، صار الأمر حكما اجتماعيا للشهادات الجامعية درجة أن يتقدم الأهالي بطلبات ملحة لوزارة التعليم لقبول أبنائهم بالجامعات في أي تخصص كان، هنا يتورم الجسم الجامعي بجملة تخصصات نظرية لن يجد خريجوها وظائف، والأدهى أنهم يعرفون ذلك مسبقا، ثم تقذف الجامعات نهاية كل عام لسوق العمل المتخم جموعا تبحث عن عمل. هذه النظرة الاجتماعية للشهادة الجامعية يجب أن توجه لها الدراسات والأبحاث لتحييدها، ولعل أول مجالات الدراسة البحث عن البدائل.
إذا ظلت الوزارة تتدخل في عمليات القبول بالجامعات، وواصلت دعم هذه التخصصات النظرية على حساب العلمية فلن نحصد إلا تضخيما للهرم المقلوب وزيادة الانبعاج في الجسد الجامعي. تعلن الجامعات كل يوم عن مسايرتها لخطط التنمية وتلبية حاجة السوق من المهن المختلفة، لكنها واقعيا تزيد من عدد الكتبة وتوسع فتق بقشة البطالة. قلت سابقا أن الجامعة ليست جهة توظيف، وأزيد اليوم أنها ليست أيضا ملجأ لمن لا يجد وظيفة أو يريد التمظهر بالالتحاق بها أو ظانا أن شهادة أعلى، أي شهادة في أي تخصص، تعني فرصا وظيفية أكثر. إذا لم تتمكن الجامعات من المساهمة في حل مشكل البطالة، وإن بحثا ودراسة، أقله هي مدعوة ألا تزيد الطين بلة.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/03/11