استهداف أميركي لكامل الشرق الأوسط
د. وفيق إبراهيم
الخطوة الأميركية الأخيرة بتصنيف الحرس الثوري الإيراني «إرهابياً» هي الآلية الضرورية بالنسبة للأميركيين لتصحيح «الاختراقات» المعادية لهم التي حدثت في دول الشرق الأوسط في الثلاثة عقود الأخيرة.
فهل هذا صحيح؟
لائحة الاتهامات التي عرضها وزير الخارجية الأميركي بومبيو تشير إلى أن القرار بتجريم الحرس الثوري الإيراني، مفتوح المدى إلى كل من يتعامل معه على مستوى الإقليم وربما أكثر. فهناك دفتر حسابات اخترعته يختلف اتهامات بالتعامل مع الإرهاب لأي مؤسسة سياسية أو اقتصادية لعرقلة أدوارها الإقليمية والداخلية والدولية..
فمثلاً هذا الحزب في تلك الدولة المناهض للأميركيين ولقوى داخلية موالية لهم لا يمكن تقليص دوره إلى حدود الإلغاء إلا بتسديد اتهام له بالإرهاب يمنعه من إدارة أعمال سياسية رسمية، فتعرقل له بذلك علاقاته في المصارف والبنى السياسية واتصالاته بالخارج. وينسحب هذا النمط أيضاً على الحكومات فيمنعها من مشاركة سياسيين في مؤسساتها الدستورية لا يروقون للأميركيين، سياسياً. هذا بالإضافة إلى منعهم من السفر على متن الخطوط الجوية الموالية للأميركيين أو المتحالفة معهم، وكل من يخرق هذا الحظر يصبح إرهابياً. فيعطلون بذلك العلاقات السياسية الطبيعية في دول الشرق الأوسط؟
هذا ليس بـ»سيناريو» من عالم الخيال، بل خطة لاستعادة الشرق الأوسط من قبل قوة دولية أميركية تسيطر عليه منذ 1945. وتخشى من اتساع رقعة خسائرها في ميادينه.
هناك سؤلان مترابطان عن الأسباب الأميركية التي تفرض على البيت الأبيض إدارة معظم معاركه في الشرق الاوسط؟ ولماذا اختيار إيران العنوان الذي يستعمله الأميركيون من افغانستان إلى لبنان.
يحتوي الشرق الاوسط على أكبر احتياطات معروفة من النفط والغاز في العالم تديرها دولٌ مرتبطة منذ تأسيسها بالسياسات البريطانية ولاحقاً الأميركية ـ هذا إلى جانب سمة التخلف الكبير الذي يفرض عليها استيراد كامل ما تستهلكه من الخارج، بنسب تتراوح بين 85 إلى 95 من استهلاكها. كما تشتري أسلحة لا تجيد حتى اليوم استعمالها بالإضافة إلى سلع كمالية اخرى هذا ما يضع الشرق الأوسط على لائحة الصراعات الدائمة بين الدول الكبرى، سياسياً في معظم الوقت وحربياً في الاستثناءات التاريخية.
للإشارة فإن معظم الشرق الأوسط ينتمي إلى النفوذ الأميركي، خصوصاً في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 وسقوط المحور العربي الذي كان يقاتل «إسرائيل» في اتفاقية كامب دافيد الأميركية ـ الإسرائيلية 1979.
بمفردها إيران شكلت جبهة رفض لمجابهة هيمنتهم ما استنزل عليها شراً مستطيراً من حلف أميركي ـ إسرائيلي خليجي بدأ فوراً مع نجاح ثورتها في 1979.
لكن هذا الشر الذي يتواصل على شكل حروب ومقاطعات وحصار يستهدفها لم ينل من حركتها الإقليمية، فتمكنت هذه الجمهورية الإسلامية من بناء تحالفات في قلب النفوذ الأميركي من قوى في افغانستان وباكستان واليمن والعراق وسورية ولبنان.. فتجاور بذلك أهم ركنين في السياسة الأميركية الشرق أوسطية: «إسرائيل» من جهة لبنان وسورية والخليج عبر بحره والعراق..
كما أنها تشكل مدى للعودة الروسية إلى الشرق الاوسط عبر بحر قزوين.. هذا إلى جانب أن إيران هي الدولة الثانية في احتياطي الغاز وإنتاجه في العالم والثالثة في النفط هذا إلى جانب كميات وازنة من اليورانيوم والمعادن الأخرى والمياه والأراضي الخصبة والمساحة الكبيرة يتبين بذلك أن التحالفات الإيرانية في الشرق الأوسط وصمودها منذ تأسيسها، وموقعها الاستراتيجي وارتباط معظم الخسائر الأميركية في سورية والعراق واليمن ولبنان بتحالف هذه الدول مع الجمهورية الإسلامية.. دفع الأميركيين نحو استعمال آخر سلاح لديهم وهو العقوبات «الاقتصادية السياسية» بعنوان إيراني خادع، واهداف شرق أوسطية ماكرة، تعتبرها واشنطن اختراقات إيرانية في مواقع نفوذها التاريخي.
إن ما يكشف صحة هذا التحليل هو أن الأميركيين يوجهون تهمة الإرهاب إلى الدولة الإيرانية منذ عقد على الأقل بكامل مؤسساتها، وهذا يشمل الحرس الثوري الإيراني الذي يشكل جزءاً من الجيش الإيراني، فما هو إذاً جديد قرار الاتهام الأميركي للحرس الثوري بالإرهاب؟
الجديد فيه أنه يصوّب على ما يعتبره تحالفات إقليمية للحرس الثوري، وهذا يشمل أفغانستان وباكستان، باعتبار إن للجمهورية الإسلامية علاقات ببعض قواها السياسية واليمن أنصار الله والعراق الحشد الشعبي وسورية الدولة ولبنان حزب الله وتحالفاته… أليس هذا المدى الواسع ميداناً كبيراً يبيح للأميركيين في خطتهم الجديدة الحد من خسائرهم مع إعادة إمساك قوية بالشرق الأوسط عبر محاصرة القوى المعادية للأميركيين في مؤسساتهم الرسمية والشعبية أو إثارة خلافات بينها وبين القوى الداخلية الأخرى الموالية للخليج وواشنطن وتركيا و»إسرائيل»؟
وهكذا يحاول الأميركيون بالعقوبات والحصار انتزاع ما خسروه سابقاً من الحرب الإرهابية على المنطقة التي كانت مدعومة منهم بشكل واضح لا لبس فيه..
لكن محاولاتهم لا تقتصر على هذا الجانب، لإعادة نفوذهم إلى كامل المنطقة، فبالإضافة إليها يحاولون عسكرياً الإمساك بشرق الفرات أكراد، أوروبيون، أميركيون وعشرة آلاف جندي أميركي في عشر قواعد تسيطر على معظم العراق وقوات في قطر والسعودية والبحرين والإمارات وعمان وتركيا.
هل الجنود الذين سحبتهم من ليبيا بعد اندلاع المعارك فيها مؤخراً هم قوة صديقة أو معادية؟ وهل لديها اذن أممي أو ليبي للمرابطة في ليبيا؟ وهناك مئات آلاف العراقيين الذين قتلتهم القوات الأميركية في مرحلة اجتياحها للعراق في 2003 من دون أذن أممي أو عراقي أو من الجامعة العربية؟
فمن هو الإرهابي إذاً؟
لذلك، فالمنطقة مفتوحة على صراع ذي طبيعة سياسية واقتصادية، لكن تفاقمها قد يدفع نحو حرب إقليمية كبيرة لن تمنح الأميركيين ما يحلمون به، إلا تكفي 39 سنة متواصلة من محاصرة إيران ليقتنع سادة البيت الأبيض بصعوبة إسقاط الجمهورية الإسلامية أو القضاء على تحالفاتها في المنطقة؟ فالتجربة الأميركية الجديدة تدفع إلى مزيد من التراجع الأميركي، وقد تفضي إلى خسائر جديدة في قلب نفوذها النفطي في اتجاه شرق أوسط متحرر.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/04/10