سفارة عمّان لدى الرياض: لقاء كوليس وابن سلمان... وقلق إماراتي من السعودية!
خليل كوثراني
يفيد السفير الأردني لدى الرياض، علي الكايد، في تقرير رفعه إلى سلطات بلاده بتاريخ 18/ 1/ 2018، بتفاصيل نشاطه الدبلوماسي في العاصمة السعودية. لقاءان مليئان بالأخبار المثيرة والنميمة الدبلوماسية، جمعا، في اليوم نفسه لكتابة التقرير، السفير الكايد بكلّ من السفيرين لدى الرياض، البريطاني سايمون كوليس، والإماراتي شخبوط بن نهيان.
يسرد الكايد ما سمعه من السفير البريطاني في الجلسة التي خيّمت عليها المناقشات في شأن ملف «صفقة القرن» وقرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. يكشف السفير كوليس للكايد أنه التقى أخيراً بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأن الأخير أبدى أمامه امتعاضاً من الضجة الدولية المثارة حول السعودية وصفقة القرن، في إشارة إلى الأجواء التي أشاعها الإعلام حول دور السعودية في الصفقة. وبحسب ما ينقل كوليس عن ابن سلمان من مبررات وتوضيحات (تصبّ في خانة التنصّل من تورّط الرياض في ملفَّي القدس وصفقة القرن)، فإن الإدارة الأميركية طلبت نقل بنود «الصفقة» إلى الجانب الفلسطيني «ولا تستطيع السعودية (بحسب ابن سلمان) رفض الطلب الأميركي وهي الحليف والداعم الأكبر لمصالحها»، في إشارة على ما يبدو إلى الاجتماع الشهير بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وابن سلمان، حين نقل الأخير إلى عباس الطرح الأميركي.
أكد بن نهيان صحّة الكلام المتداول حول إعطاء الملك سلمان إجازة لولي العهد (الأناضول)
ينتقل كوليس إلى الحديث مع الكايد عن قرار نقل السفارة إلى القدس، فيستشهد بانعكاساته لتقييم موقف واشنطن في إطار «صفقة القرن»، أو ما يسمّيها هو «مبادرة سلام جديدة». يكشف أن الجانب الأميركي تواصل مع لندن «لطلب دعم مبادرة جديدة للسلام ستُعلَن ربما نهاية الشهر». لكن الرد البريطاني أتى برفض دعم «أي مبادرة من دون معرفة بنودها». ويستنتج كوليس من لجوء واشنطن إلى بلاده طلباً للدعم ليقول إن «الموقف الصلب، الأردني والفلسطيني والأوروبي والإجماع الدولي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار ترامب المتعلق بالقدس، ساعد في إقناع الرئيس ترامب بخطأ قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويعزّز ضرورة الحصول على دعم أوروبي قبل أن يطرح أي مبادرة سلام جديدة». ويعني التقدير البريطاني هذا أن محور جاريد كوشنير ـــ محمد بن سلمان تعرّض إثر قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، للإحراج، ويحتاج إلى فرلمة هجومه، ما يفسّر ربما تأجيل الإعلان عن «المبادرة» الأميركية العام الماضي وترحيلها إلى 2019.
وفي شقّ آخر، ينتقل الحديث إلى الشأن السعودي الداخلي، حيث يشرح السفير البريطاني أن «السياسة السعودية حالياً هي نتاج نقص خبرة ولي العهد المحاط بالمشاكل داخلياً وخارجياً». ولم يكتف كوليس بإبداء تصوّره الآنف لواقع دائرة صنع القرار في المملكة، بل رجّح المعلومات التي تم تداولها حينها حول العلاقة بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ونجله المعيّن حديثاً ولياً للعهد، فيقول: «يبدو أن هناك اختلافاً في الرؤى تجاه بعض القضايا بين الملك سلمان وولي عهده، ما دفع الملك إلى التدخّل أخيراً لتغطية بعض الثغرات ومساعدته»، متوقعاً أنه «قد يدفع هذ التدخل ولي العهد إلى تغيير سلوكه في الفترة المقبلة». لا يشير الكايد لدى حديثه عن كلام السفير كوليس حول الداخل السعودي إلى أكثر من ذلك، ولا يوضح الأسباب، لكن المرجّح، بالعودة إلى تلك المرحلة، أن المقصود هو عمل الملك سلمان على إصلاح تبعات حملة اعتقالات «الريتز كارلتون» واحتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، إلى جانب كبح الاندفاعة الكبيرة لديه تجاه ملف «صفقة القرن» بالتنسيق مع مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنير.
ولي العهد: الإدارة الأميركية طلبت نقل بنود «الصفقة» إلى الجانب الفلسطيني
في اليوم نفسه، يلتقي السفير الكايد بشخبوط بن نهيان، السفير الإماراتي لدى السعودية. لقاء تضمّن تصريحات مفاجئة من الأخير تجاه السعودية، تناقض مواقفه وبلاده في العلن بحق المملكة ومتانة العلاقات بين البلدين الخليجيين، وتعتبر أن علاقة أبوظبي بعمّان «أهمّ» من علاقتها بالرياض. وحرص الكايد على أن يشير في تقريره إلى أن لقاءه مع السفير الإماراتي تمّ بناءً على طلب «الشيخ شخبوط». الإفادة المختصرة في التقرير تشي بمحاولة الإمارات تطمين الأردن، في وقت كان فيه الأخير قلقاً من الضغوط الأميركية والخليجية عليه، السياسية والاقتصادية، في إطار مشروع «صفقة القرن»، والتي يتنصّل السفير الإماراتي من مسؤولية بلاده عنها، ويرميها بصورة غير مباشرة على السعودية.
في تفاصيل اللقاء، يفيد التقرير الدبلوماسي بأن ابن نهيان تطرّق إلى العلاقات بين أبوظبي والرياض، ليعبّر عن «قلقه من علاقة بلاده مع السعودية»، إذ إن الأخيرة «باتت تؤثّر سلوكياتها سلبياً على الإمارات». ومن ثم أضاف: «ما يربط السعودية والإمارات هو الحرب في اليمن»، كاشفاً عن أن الإمارات تسعى للخروج من هذه الحرب «بأي طريقة». أما العلاقات بين الإمارات والأردن، فهي بحسب ما ينقل الكايد عن ابن نهيان «أهمّ لبلاده وإن أصابها فتور في بعض الأحيان، لكن القيادة الإماراتية تعي جيداً وتحترم الثقل الدولي لجلالة الملك (الأردني عبد الله الثاني)». ويتابع السفير الإماراتي بالقول: «الأردن تحمّل وتلقّى الكثير من الضربات، لكنه حافظ على أمن دول الخليج، وبينها الإمارات، وإنه يجب أن تسعى الدول لتقوية علاقاتها معه»، واعداً بأن أبوظبي «ستعمل على تقوية علاقاتها مع الأردن».
وقد أكد ابن نهيان في اللقاء بعبارات واثقة «صحّة الكلام المتداول حول إعطاء الملك سلمان إجازة لولي العهد إلى حين أن تخف الضغوط المتتالية عليه»، في تقاطع مع معلومات نظيره البريطاني حول تدخّل الملك «لتغطية بعض الثغرات ومساعدته». ويكشف السفير للكايد أن ابن سلمان موجود حالياً في مدينة جدة (الجدير ذكره أنه في الفترة تلك سرت شائعات وتكهنات بشأن اختفاء ولي العهد وانسحابه من المشهد).
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/05/01