نحو الانتقال في سوراقيا وغزة من مرحلة الصمود الفاتر إلى مرحلة الاشتباك الساخن؟
د. عصام نعمان
دونالد ترامب يتابع هجمته في سوراقيا سورية والعراق . هجمته ترجمةٌ ميدانية إقليمية لمفهوم القوة الناعمة Soft Power الذي تعتمده إدارته في مواجهة القوات النظامية وفصائل المقاومة المساندة لها، لا سيما في سورية والعراق واليمن.
للقوات الأميركية دور في الهجمة المتصاعدة، لكن الدور الأفعل بات لكلٍّ من مرتزقة الشركة الأمنية الأميركية «بلاك ووتر» وفصائل «داعش» المهزومة في سورية والعراق التي يُعاد تأهيلها في قاعدة عين الأسد الأميركية في غرب محافظة الأنبار العراقية.
السلطات السورية والعراقية أدركت أبعاد الهجمة الأميركية وأدواتها القتالية. لذا تعاونت في ما بينها أخيراً في التصدّي لها ميدانياً بغية اقتلاعها وتصفية وجودها على جانبيّ الحدود السورية العراقية، من البوكمال في الوسط الى محيط معبر «الوليد» شمال شرقيّ الفرات. ماذا عن القوات الأميركية في موقع التنف جنوب شرقيّ سورية غير البعيد عن الحدود الأردنية السورية، ومواقعها في محافظتي الحسكة والرقة السوريتين؟
بات واضحاً أنّ إدارة ترامب لجأت الى ما يمكن تسميته «الوحدات العسكرية المخصخصة»، وهي عبارة عن مرتزقة من أعراق وألوان وتنظيمات إرهابية متعدّدة يجري استيعابها وإعادة تأهيلها في قاعدة عين الأسد وغيرها لمصلحة شركات أمنية خاصة متعاونة مع الاستخبارات الأميركية، ثم يُصار إلى قذفها إلى ميادين القتال بغية استنزاف القوات النظامية السورية والعراقية كما فصائل المقاومة المساندة لها مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، لا سيما أفعل فصائله المتمثلة بكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق.
إلى ذلك، وبالتزامن مع هجمة ترامب المتصاعدة في سوراقيا، شَرَع بنيامين نتنياهو في التمهيد ميدانياً لتنفيذ «صفقة القرن» بهجمةٍ محسوبة على قطاع غزة. في هذا السياق، يرمي نتنياهو إلى تحقيق غرضين: الأول، الضغط على محادثات القاهرة بين وفد فصائل المقاومة والحكومة المصرية لمحاولة إقرار تهدئة جديدة دائمة في القطاع على أساس إنهاء مسيرات العودة الناشطة أسبوعياً، ووقف إطلاق البالونات والطائرات الورقية الحارقة. الغرض الثاني استرضاء الأحزاب اليمينية المُراد اشراكها في حكومته الجديدة بضرباتٍ موجعة لسكان القطاع. غير انّ فصائل المقاومة تحسّبت سلفاً لمخططاته الشريرة بإقامة غرفة عمليات مشتركة ومباشرة ردّ صاروخي متدرّج في مدى استهدافه وشدة مفعوله على نحوٍ لامس مدينة بئر السبع جنوبي النقب المحتلّ ومدينة عسقلان شمالي القطاع، ما أدّى إلى إكراه حكومة العدو على تعطيل المدارس في مستوطنات محيط القطاع، واكتظاظ الملاجئ بالمستوطنين المذعورين، مع إطلاق تهديدات من حركة الجهاد الإسلامي بتوسيع دائرة القصف الصاروخي ليستهدف مدينة اسدود ومطار بن غورين قرب تل أبيب ومفاعل «إسرائيل» النووي في ديمونه.
مع ارتفاع تهديدات المقاومة، أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بقوّةٍ وتصميم: «أجدّد العهد بإسم إخوانكم في المقاومة الإسلامية أنّ الفرق والألوية الإسرائيلية التي ستفكّر في الدخول إلى جنوب لبنان ستدمّر وتحطّم أمام شاشات التلفزة العالمية». كما لفت إلى أنّ تنظيم «داعش» عاود، برعاية أميركية وسعودية، نشاطه الإرهابي في سورية ولبنان والعراق، وأنّ المقاومة تتصدّى له بقوةٍ في كلّ المواقع والساحات.
قبل إعلان مواقف قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية أو في موازاتها كان الرئيس بشار الأسد ونائب وزير خارجيته فيصل المقداد قد أكدا تصميم سورية على استعادة كلّ شبر من أراضيها المحتلة، وعلى قرارها في التصدي لمخططات تركيا وأميركا العدوانية على هذا الصعيد.
إذ تتبدّى بوضوح مخططات كما عمليات التحالف الصهيوأميركي على الأرض، تنهض أسئلة ضاغطة: ألا تستحق هجمة ترامب المتصاعدة تنسيقاً وتعاوناً ميدانيين، بل جبهة متكاملة، بين دول وتنظيمات محور المقاومة المستهدَف؟ ألا يقتضي أن يتوافق جميع الأطراف العرب المستهدفين على سياسة وخطة متكاملتين لمواجهة الدول والتنظيمات المتربّصة بكلٍّ من سورية والعراق وتنظيمات المقاومة في فلسطين ولبنان؟ ألا يقتضي أن تنسّق قوى المقاومة جهودها مع إيران من أجل تفعيل المواجهة ضدّ التحالف الصهيوأميركي على مستوى الإقليم برمّته؟ ألا يتوجّب مقاربة روسيا بموقف سياسي متكامل من كلّ أطراف محور المقاومة لحملها على اتخاذ موقف أكثر فعالية من تركيا التي تمارس سياسة متواطئة مع أميركا حيال الكرد في سورية بل حيال سورية ذاتها بإصرارها على إقامة «منطقة آمنة» على طول حدودها معها؟
هذه الأسئلة الضاغطة تستوجب عقد اجتماع على مستوى عالٍ بين قادة أطراف محور المقاومة للتوافق على خطة استراتيجية متكاملة، سياسية وميدانية، لمواجهة القوى الخارجية المعادية وأدواتها المحلية الضالعة في أنشطة عدائية متعدّدة الأشكال على الأرض وفي المحافل الدولية بقصد إضعاف وتفكيك الدول والتنظيمات المقاتلة ضدّ التحالف الصهيوأميركي بكلّ الوسائل والطرق المتاحة.
أجل، يجب الانتقال من مرحلة الصمود الفاتر إلى مرحلة الاشتباك الساخن الذي من شأنه إكراه أعداء الأمة على التراجع في جميع الساحات والجبهات.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/05/06