هيكلة النظام الضريبي السعودي
محمد حسن مفتي
بحكم عملي كأكاديمي طافت في ذهني سيناريوهات عديدة للواقع الاقتصادي المأمول للمملكة، خاصة في إطار خطة الدولة لتنويع الإيرادات لتمويل الإنفاق الحكومي، بدلا من الاعتماد شبه المطلق على النفط، وهي بطبيعة الحال خطة طموحة وفعالة وإن لم يتم تنفيذها بعد، على الرغم من أنها طرحت مرات عديدة وخلال مناسبات مختلفة، غير أن وفرة الإيرادات الضخمة الناتجة عن ارتفاع سعر النفط في السابق حالت دون تنفيذها، وساهمت في إرجاء تطبيقها على الرغم من اعتمادها نظريا في جميع الخطط التنموية للدولة.
عوامل عديدة مثلت حوافز قوية لتوجيه الدولة نحو تنويع مواردها ونحو الاستثمار، منها على سبيل المثال ظهور الطاقة النووية النظيفة والتي بدأت تشق طريقها بحماس في مجال التصنيع وخاصة بالدول المتقدمة، ومنها تقلب أسعار النفط المرهون بالدورة الاقتصادية العالمية، لذلك فإن سعي الدولة لتأمين موارد اقتصادية كافية تغطي الزيادة السكانية الكبيرة، وتؤمن الإنفاق على الاستثمارات الحكومية والخطط التنموية بعيدة المدى كان ولا يزال هاجسا يراود صناع القرار بالمملكة، لذلك آن الآوان لتحويل الخطط النظرية لقرارات وإجراءات عملية محددة، لمنع عجلة التنمية من التوقف واستعادة الدورة الاقتصادية السعودية لكفاءتها وسرعتها وفعاليتها.
في مقال سابق لي قبل سنوات بعنوان «دعوة للتاريخ» اقترحت استثمار الفائض من موارد الدولة في بناء مدن اقتصادية من شأنها تقوية القطاع الصناعي وتنشيط عجلة الاقتصاد وفتح المجال على مصراعيه أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية، وبالتالي تقليل الاعتماد على الواردات وزيادة الصادرات، هذا بخلاف القضاء على البطالة وخلق الآلاف من فرص العمل للشباب، وبالتالي تحويل المملكة لقاعدة اقتصادية كبرى تليق بمواردها الضخمة ومكانتها الاقتصادية بين أكبر الاقتصادات العالمية.
في اعتقادي أن هناك حلولا أخرى سريعة يمكنها أن تدخل حيز التنفيذ وفي وقت قصير جدا، ومنها إعادة هيكلة النظام الضريبي بالمملكة، أسوة بالنظم الضريبية في بقية دول العالم المتقدم اقتصاديا، ومن المؤكد أن تطبيق الضرائب في أي دولة ينظر إليه على أنه نوع من الإصلاح الاقتصادي بالدولة، فالضرائب منظومة اقتصادية متكاملة لا تهدف فقط لزيادة موارد الدولة - وإن كان هذا الهدف هو أحد الأهداف الأساسية لها - ولعله من فضلة القول أن نذكر القراء الكرام أن الضرائب المباشرة كانت مفروضة على المواطنين عقب تأسيس المملكة مباشرة على يد مؤسسها - المغفور له بإذن الله - الملك عبدالعزيز، ولكن بعد ذلك تم إلغاؤها والاقتصار على إيتاء الزكاة فقط وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ونسبتها 2.5%، لكن الضرائب المباشرة تطبق حاليا على المؤسسات والشركات الأجنبية وتختلف نسبها طبقا لنظام استثمار رأس المال الأجنبي، كما أن الضرائب غير المباشرة مطبقة بالفعل على السعوديين وغير السعوديين كالرسوم الجمركية وغيرها من الخدمات التي تقدم للمواطنين والمقيمين.
من الطبيعي والمفترض أن تتأقلم وتتكيف النظم الاقتصادية مع الظروف والمستجدات التي تحكم اقتصاد الدولة، واتجاه المملكة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة VAT هو أبلغ استجابة لتلك المستجدات، والتي يتذمر البعض منها خوفا من غلاء الأسعار، لكن بنظرة متأنية وبالتمعن في قائمة السلع التي سيتم تطبيق هذه الضريبة عليها، سنجد أنها ستقتصر على السلع الضارة كالتبغ أو المشروبات الغازية، أو السلع الترفيهية الكمالية التي تعد نمطا استهلاكيا غير مرغوب فيه، وعليه فإن هذه الضريبة ستمثل موردا مهما جديدا سينضم لبقية موارد الدولة، وهذه الخطوة ستعيد التوزان لموازنة الدولة التي تزيد فيها كثيرا عناصر الإنفاق على عناصر الإيرادات.
من المؤكد أن هناك مجالات أخرى متسعة لفرض الضرائب وعلى الأخص غير المباشرة بخلاف ما هو مطبق حاليا، فعلى سبيل المثال بالنظر لقطاع النقل والمواصلات والذي يحتل نسبة لا يستهان بها في موازنة أي دولة، نجد أن الكثير من هذه الدول تقوم بفرض رسوم على استخدام الطرق السريعة وخاصة لشاحنات النقل التجارية، وتقوم عادة الدولة بفرض هذه الرسوم من خلال محطات منتشرة على مداخل الطرق السريعة، وهذه الرسوم تستخدم لصيانة وتشغيل هذه الطرق وتوسيعها وإنشاء الجديد واللازم منها.
ما ذكرته هنا مجرد أمثلة ونماذج فحسب، قد تمثل روافدا محتملة تزيد موارد الدولة وتدعمها في الوقت نفسه دون أن تخل بدخل محدودي الدخل أو تؤثر على مستوى معيشتهم، والمهم الآن هو أن نجد حلولا ناجعة مستدامة للخروج من أزمة اقتصادية قادمة محتملة، وأن نستفيد من مخرجات هذه الأزمة ونتمكن من إصلاح هيكلنا الضريبي، ومن إعادة التوازن الاقتصادي للمجتمع وبما يحقق الخير للوطن والمواطن.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/03/14