أسباب ونتائج فشل التهديد الأمريكي لإيران
د. جواد الهنداوي
في ٢٠١٩/٥/١٠ ، كتبت ُمقالاً بعنوان ” المأزق الأمريكي و خطة أيران ” . تساءل بعض القرّاء عن صحة و دقّة العنوان . حسب رؤيتهم ، الصحيح هو ” المأزق الإيراني و خطة أمريكا ” . لم ننتظر طويلاً حتى بانَ مَنْ هو الذي في مأزق : أمريكا ام إيران ؟ اليوم ،لم يتوقفْ الرئيس ترامب عن دعواته العلنية لإيران ، وعلى لسانهِ للتفاوض . رغبتهِ الجامحة دفعتهِ إلى دعوة الرئيس السويسري لزيارته والطلب منه بالاتصال مع الإيرانيين لقبول التفاوض . قنوات أخرى (قطرية ،عراقية ،عُمانيّة ) ، تّمَ طَرقهّا للتوسط . إيران ليست بقوة أمريكا عسكرياً ، ولكنها أدركت بأن لا الرئيس ترامب ، ولا أمريكا يريدان الحرب ، و رسمت خطتها للتعامل مع الرئيس ترامب على هذا الاستنتاج . و نجحت أنْ تكون الحرب بينهما حرب أرادات وليست حرب عسكرية . و نجحت إيران أيضاً أنْ تَجّرُ الرئيس ترامب الى دخول معركة من أجل التفاوض ! الآن هّمْ الرئيس ترامب ،وكذلك العالم من حوله ، كيف نُقنِعْ إيران إلى الجلوس للتفاوض !
المشهد الإيراني -الأمريكي ، بما فيه من تصعيد و تحشيد و تهديد و وعيد يُغنينا بدروس و عِبرْ في السياسة و الدبلوماسية :
دبلوماسية المواجهه ، بدلاً من التعاون التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في علاقاتها الدولية ، قابلتها إيران بدبلوماسية الصبر و الثبات ، وتجدُ هذه الدبلوماسية طاقتها في الرؤية الإيرانية وشعارها ، على ما يبدوا ، هو عنوان كتاب السيد خامئني وهو ” إنَّ مع الصبر نصراً ” .
أجراءات و تحركات إيران كانت وفقاً لخطة مرسومة ،غايتها الوصول مع أمريكا و مع العالم إلى معادلة ” لا حرب مع أمريكا و لا تفاوض مع الرئيس ترامب ” .
ليس من المعقول و المقبول أن يقبل الإيرانيون بالتفاوض على البنود الجوهرية للاتفاق النووي ، بينما الدول العظمى وأوربا ملتزمة ببنودهِ ، وتسعى للحفاظ عليها، و الاتفاق كما هو معلوم اتفاق أممي وليس فقط دولي .
وظّفتْ إيران بنجاح الاختلاف الكبير ما بين نوايا ترامب الرافضّةللحرب وسلوكه المشاكس وبين نوايا وسلوك أعضاء مجموعة ب ( بولتون ،بومبيو ،بنس ) ، المُحرّضة للحرب ، زادَ السيد ظريف ، وزير خارجية إيران على هذه المجموعة السيد بن زاد و السيد بن سلمان . في زيارته الأخيرة إلى نييويورك ، أكّدَ علناً السيد ظريف خلال مقابلاته الصحفية و المتلفزّة على هذا الاختلاف ما بين السيد ترامب و إدارته الأمنية ، و خاطبَ السيد ظريف الرئيس الأمريكي ، و حذّره من مسعى اصدقاءه إلى توريطه في حرب ،ليس للرئيس ترامب و لا لأمريكا أية منفعة .
أخطأَ الرئيس ترامب عندما اعتقد بأن قبول كوريا الشمالية في التفاوض على أثر التهديد و التحشيد العسكري سينفع عند تكراره مع إيران . و نجحَ الإيرانيون في فضح خواء و فشل التهديد و التصعيد الامريكي تجاههم ، و خاصة بعد تفجيرات البواخر في الفجيرة و تفجيرات مضخات البترول في المملكة العربية السعودية .
ستكون تداعيات و انعكاسات لهذا الفشل . فما هي ؟
و قد ابتدأت في المشهد السياسي الأمريكي ،و في صفوف الديمقراطيين و الجمهوريين ، وعلى المستوى البرلماني و الحكومي . و كذلك على المستوى الإعلامي و النخبوي . انتقادات و إجراءات و تقارير صادرة عن لجان نيابية فحواها “أنَّ إيران لا تشكل خطر على الأمن القومي الامريكي يتطلب التحشيد و الإعداد لحرب ” .
إيران عززّت مواقفها ، وبدأ خصومها في المنطقة يصرحّون بحرصهم على الأمن و الاستقرار و يحذرون من الذهاب إلى الحرب .
تداعيات الفشل لن يقتصر بأيجابياته على إيرن ، شملَ أيضاً حلفاء إيران و أقصد سوريا و اليمن . عسكرياً عزّزَ الجيش العربي السوري عملياته نحو إدلب ، مُحرراً مناطق كانت في قبضة الإرهابين و الجماعات المسلحة ، وسياسيا ، كرر السيد بومبيو ، وزير خارجية أمريكا ، توافقه مع رؤية روسيا للحل السياسي في سوريا ، صرّحَ بذلك عند زيارته الأخيرة لروسيا و لقاءه الرئيس بوتين ،بتاريخ ٢٠١٩/٥/١٥ .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/05/20