ترامب في مأزق
وليد شرارة
تعليقاً على تزايد احتمال المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، تساءل دايفيد أكسلرود، مستشار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في «نيويورك تايمز»، في كلام مُوجّه إلى الرئيس الحالي دونالد ترامب: «إن كان أحد مرتكزات سياستك عدم توريط الولايات المتحدة في حروب غير ضرورية، فلماذا أتيت بجون بولتون؟». الرئيس الأميركي يحرص على التأكيد باستمرار أنه وحده من يتخذ القرار في نهاية المطاف، وأن وجود تباينات في الإدارة أحياناً حول ملفات داخلية أو خارجية، بينه وبين معاونيه، لا يغير هذه الحقيقة. ويذكّر البعض بكيفية قيامه بلجم بولتون، بعد إطلاقه تصريحات تصعيدية حول كوريا الشمالية، تتناقض مع مقاربته الجديدة لهذا الملف. الأمر نفسه ينطبق برأي هذا البعض على التسريبات الإعلامية حول انزعاجه من مساعي بولتون وآخرين لتوريطه في تدخل عسكري في فنزويلا. لكن ما قد يصحّ خارج الشرق الأوسط قد لا يصحّ داخله، خصوصاً حيال إيران، العدو الرئيس في نظر غالبية أقطاب الإدارة، ومعهم أهم حلفاء واشنطن الإقليميين. جميع هؤلاء يعملون على خلق الظروف المواتية لصدام بين الولايات المتحدة وإيران على المستوى السياسي ــــ المؤسساتي الداخلي الأميركي، وعلى المستوى الميداني في المنطقة عبر محاولة تشديد الخناق عليها.
تسهيل اللجوء إلى خيار الحرب
يعلم صقور الإدارة الأميركية أن قطاعات وازنة من النخبة الأميركية السياسية والعسكرية غير مقتنعة بضرورة الذهاب إلى حدّ المواجهة العسكرية مع إيران، وأن هذا الخيار سيلاقي معارضة جدية على المستوى السياسي والمؤسساتي. ونظراً لميزان القوى الراجح لمصلحة الديمقراطيين داخل الكونغرس، ولعدم تأييد عدد من النواب الجمهوريين للجوء إلى القوة العسكرية ضد إيران، فإن دونالد ترامب لن يحصل على تفويض منه إن قرّر شنّ الحرب عليها، أو جرى توريطه فيها. لذلك، عمل صقور الإدارة في الأسابيع الماضية على إيجاد مسوغات وتبريرات تسمح للرئيس باستخدام القوة العسكرية من دون الرجوع إلى الكونغرس. وقد شاءت سخرية الأقدار أن يضطر هؤلاء إلى العودة إلى الحجّة نفسها التي استخدمت من بين حجج أخرى لتبرير الحرب ضد العراق عام 2003: العلاقة مع تنظيم «القاعدة». هذه الحجّة، بالإضافة إلى تهمتَي تطوير أسلحة الدمار الشامل والتورط في هجمات 11 أيلول 2001، وفّرت الذرائع لغزو العراق. وعند ثبات بطلانها، تفتّقت عبقرية المحافظين الجدد عن تبرير آخر، لم يكن مطروحاً قبل الغزو، هو نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.
أول من وجّه تهمة التعامل مع «القاعدة» إلى إيران هو وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي قال في جلسة في الكونغرس، خلال الشهر الماضي، إن إيران استضافت أعضاءً في «القاعدة» وسمحت لآخرين بالعبور من أراضيها، ليختم مؤكداً أن «ليس هناك أدنى شك في وجود صلات بين الجمهورية الإسلامية في إيران والقاعدة. نقطة على السطر». قناة «إن بي سي نيوز» كشفت في تقرير لها أن «مسؤولين في إدارة ترامب أرسلوا إشارات قوية إلى أنهم مستعدون لتجاوز المشرّعين عبر استخدام التفويض باستخدام القوة لعام 2001 إن كان الأمر ضرورياً. وكان هذا القانون قد أعطى الرئيس سلطة اللجوء إلى القوة ضد البلدان والمنظمات أو الأشخاص الذين يعتبرهم متورطين في التخطيط لهجمات 11 أيلول 2001 أو في تنفيذها أو السماح بها أو المساعدة على تنفيذها، أو إيواء مثل هذه المنظمات والأشخاص، لمنع أي عمليات إرهابية دولية مستقبلية ضد الولايات المتحدة من قِبَل هذه البلدان والمنظمات والأشخاص». الاستعداد للاستعانة بحجج بهذه الضحالة، وبقانون لا ينطبق البتّة على إيران، كما لم ينطبق على العراق سابقاً، لكنه وُظّف ضدّه، يظهر مدى تصميم الصقور على الحرب.
تشديد الخناق
قد تكون إيران، على الرغم من المصاعب التي تعانيها نتيجة سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية ضدها، قادرة على احتمال نتائجها، مع وجود منافذ تتيح إمكانية تصدير جزء من منتجاتها النفطية وغير النفطية. هذه المقاربة قد تكون الأنسب للرئيس الأميركي الذي ينفي باستمرار نيته الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، على رغم عزمه على معاقبتها لحملها على «تغيير سلوكها» والإذعان لشروطه. ويعتقد بعض المراقبين المطلعين أن الوقائع الميدانية تظهر قدرة إيرانية على «تجاوز» جزئي للعقوبات، وبالتالي إمكانية التعايش معها في المدى المنظور. لكن تشديدها، عبر إغلاق جميع المنافذ البرية وممارسة ضغوط جدية على جيران إيران لوقف التعامل معها سيغير بالضرورة الموقف الإيراني. مقالة الباحث والصحافي جو معكرون، المنشورة على موقع «مونيتور» بعنوان «هل ستغلق إدارة ترامب طريق إيران البري نحو المتوسط؟»، تندرج في إطار الحملة التي يشنها «حزب الحرب» لتشديد الخناق على إيران.
رأى معكرون أن معبر القائم بين العراق وسوريا بات تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، وهو في صدد التحول إلى «طريق إيران البري الذي يربط طهران وبغداد ودمشق وبيروت ووصولها إلى شواطئ المتوسط. على المدى القصير، هذا الطريق البري هو ورقة قوة أساسية للنظام الإيراني لتطوير التجارة والحدّ من آثار العقوبات الأميركية على اقتصاده... على إدارة ترامب أن تقرر إن كانت تستطيع أن تتعايش مع هذا الطريق أو أنها غير مستعدة لذلك». الإصرار على خنق إيران تماماً هو السبيل الوحيد برأي الصقور لدفعها إلى ارتكاب «خطأ ما» يسوّغ الشروع في مواجهة عسكرية معها. ترامب في مأزق. أقرب معاونيه وحلفائه عازمون على توريطه في حرب لا يريدها، لكنه لا يعرف كيفية الخروج من الفخّ الذي أوقع نفسه فيه عندما قرر الاستعانة برجال كبولتون وبومبيو.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/05/21