بولتون في الخليج لوقف الحوربة!
د. وفيق إبراهيم
يندفع الأميركيون فجأة لعرضِ مفاوضات مع إيران وسط ضجيج حربي لا يزال ينطلق من دول الخليج وكأنّ الحرب واقعة اليوم أو غداً على أبعد تقدير.
فماذا يجري؟ وهل هناك تناقضٌ بين السياسات الأميركية الخاصة بإيران وبين كلّ من دول الخليج وإسرائيل؟
بعيداً عن المغالاة فهناك إجماع في الدوائر البحثية العالمية على أنّ هناك استراتيجية أميركية كبرى تعمل في مختلف مناطق العالم بوسيلتين:
إمكانات أميركية مباشرة وجهود قوى حليفة.
فإذا كانت «إسرائيل» جزءاً من القوة الأميركية المباشرة منذ السبعينيات وطليعة النفوذ الغربي منذ تأسيسها، فإنّ دول الخليج مجرد «محميّات» تستعملها الإمبراطورية الأميركية لتفخيخ المنطقة العربية والعالم الإسلامي ومصادرة ثرواتها والاستحواذ على حركة الاستهلاك والاستيراد فيها.
هذا يؤكد بسرعة أنّ الموقف الخليجي من إيران «تقليد» للعداء الأميركي لها وارتهان له والدليل أنّ إيران الشاهنشاهية كانت تحتلّ جزر الإمارات وتمارس نفوذاً واسعاً في معظم الخليج، وكان لها أفضل العلاقات مع السعودية والإمارات.
فالمسألة إذاً هي استتباع للمصالح الأميركية.
وهناك دليل إضافي يتعلق بحرب صدام العراقية على إيران في 1980 أي بعد سنة واحدة من نجاح ثورتها الإسلامية، وكانت حرباً عبر العراق بتمويل خليجي كامل ومشاركة أميركية عسكرية وسياسية ولم تكن إيران خرجت إلى الإقليم بعد.
لذلك فما يجري اليوم يندرج ضمن مخطط الاستهداف الأميركي الدائم لإيران بغرض تطويعها والاستثمار في اقتصادها الثري والمتنوّع والاستفادة من أدوارها الإقليمية وهذا يعني أن الأميركيين يريدون إيران شبيهة بالسعودية لديها نفوذ اقتصادي وديني وسياسي، فيُمسكُ الأميركي بفريقي الإسلام السنة والشيعة في آن واحد.
هذه من أسباب الحصار الأميركي على إيران والتحشيد لقوات بحرية وجوية وبرية في منطقة الخليج وبحرها، مع تحريض دول الخليج و»إسرائيل» للاستعداد لحرب تدميرية.
فصدقت دول الخليج بحتمية الحرب وأطلقت برامج استعراضية وإعلامية تشجع على الحرب وتبررها بإرهابية إيران وتحالفاتها في المنطقة العربية حتى وصل الأمر بمسؤولين سعوديين وإماراتيين يزعمون أن جيوشهم أقوى من إمكانات إيران وأنهم مستعدون لغزوها بمفردهم مطلقين طبولاً إعلامية على مدار اليوم تُصرُ أن الحرب بين ثانية وأختها وفجأة بدأت بوادر الاستعداد الأميركي للمفاوضات من عمان الى العراق فسويسرا والنمسا.
لكن المساعي التي يقودها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي تبدو الأكثر جدّية، وهذه بدأت بزيارته الأخيرة لواشنطن، حيث عقد خلوات طويلة مع الرئيس الأميركي ترامب ودوائر الأمن القومي والبنتاغون.
فانتعشت خطوط المفاوضات وتخلّى ترامب عن أسلوبه الحربي مبادراً عرض مفاوضات على قواعد صداقة تحدث عنها للمرة الأولى، مؤكداً انه لا يستهدف نظامه بقدر ما يريد تعاوناً مع دولة وازنة اقتصادياً وسياسياً مثل إيران، فتراجعت أسهم الحرب الى أدنى معدلاتها في واشنطن وطهران.
لكن الخليج تمسّك بقناعاته الحربية منظماً أسلوب «حوربة» كانت القبائل القديمة تُشجِع بها المقاتلين على الحرب وكذلك «إسرائيل» التي تواصل التذكير باستعدادها لمهاجمة لبنان وسورية.
يتبين بالاستنتاج أن الأميركيين يتحضرون لمفاوضات مع إيران مقابل حلفائهم في الشرق الأوسط الذين يعيشون أجواء حرب، وكانت النتيجة مضحكة كالعادة وتمكن فيها الرئيس ترامب من بيع أسلحة للسعودية والإمارات بثمانية مليارات دولار دفعة واحدة، مستغلاً الأجواء الحربية وبيع الأسلحة على تصاعد بما يشمل أسلحة لمصلحة مصر والأردن والسودان تدفع أثمانها السعودية والإمارات.
وهذا يتطلب إرسال مستشار الأمن القومي الأميركي الحربي النزعة جون بولتون الذي وصل في جولته الخليجية إلى الإمارات ليؤكد لها أن بلاده مستمرة في التحضير للحرب، لكنها تحاول استنفاد كل أعمال الوساطات لتصبح حربها مبررة أمام أصدقائها في أوروبا واليابان.
وهذه الحرب الافتراضية تتطلب بناء الجبهة السياسية التحالفية مع «إسرائيل» فيصبح مشروع تفتيت إيران وتفجيرها مشروعاً عربياً إسلامياً خليجياً أميركياً إسرائيلياً وأوروبياً بما يضمن انكسار دائرة التأييد العالمية لإيران، فتشعر تركيا بالوحدة والصين بخطورة استعداء الأميركيين والهند أيضاً ولا يعود لليابان أي مقدرة على محاولات إقناع الأميركيين بالسلام.
وكالعادة فإن الإماراتيين مكرهون على تصديق بولتون فليس لديهم خيار آخر، ويريدون استمرار الحماية الأميركية لإمارتهم وهذا ينسحب أيضاً على الدور السعودي المصاب أيضاً بذعر من التراجع الأميركي العام في المنطقة.
ضمن هذا الإطار، تؤدّي جولة بولتون دوراً في منع الإنهيار الخليجي وترعى شؤون التمويل للزوم القوات العسكرية الأميركية مع إعلام الحكام أن الأميركيين هدأوا «اللعب مع إيران» لأسباب تتعلق بأولويات طارئة أولها ضرورة منع تقدم الجيش السوري في إدلب السورية، وهذا يتطلب تعاوناً خليجياً أميركياً تركياً إسرائيلياً وثانيها التحضير لصفقة القرن في البحرين الشهر المقبل، أما شرطها الثالث فهو العودة إلى الحرب ضد إيران في أوقات مقبلة، وبعد استكمال نظام الأحلاف الإسلامية والعربية والخليجية والإسرائيلية.
فهل هناك حرب فعلية على إيران؟ هناك ثلاثة أسباب مانعة: القدرة الإيرانية على الرد في إيران والإقليم، الحاجة الأميركية الى تخويف أتباعها العرب بإيران والثالثة تتعلق بتقدم الحلف الروسي الصيني نحو إيران بما يبني نظاماً عالمياً إقليمياً جديداً يدفع الامبراطورية الأميركية نحو الانهيار.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/05/30