هل تنجح الوساطة اليابانية في إعادة أمريكا وإيران للحوار؟
بسام أبو شريف
إذا أخذنا بالاعتبار كافة التصريحات والبيانات الصادرة عن طهران وعن واشنطن يمكننا أن نرى أمرا واحدا ، وهو أن استبعاد الحرب كوسيلة لإيجاد حل للتناقض الأميركي الإيراني هو سيد الموقف ، لكن كلا الطرفين وضعا السيوف جانبا ولم يعيدوها إلى غمدها .
كانت الولايات المتحدة قد هددت ووعدت إيران بالويل والثبور أن هي لم ترضخ لشروطها وصاغت تلك الشروط على لسان بومبيو بلائحة من 12 بندا ذهب جميعها في نزع أسلحة طهران الدفاعية ذات الطاقة الهجومية الفاعلة والفعالة ، وبقي بولتون بوقا للعدوانية ليذكر الجميع بأن السيوف لم تغمد ، ودعمه ترامب أمس بالقول بأن خيار الحرب لم يستبعد كليا !! .
عندما زار ترامب اليابان كان هدفه تكليف اليابان بالتوسط لدى طهران كي توافق على التفاوض مع أشنطن ، وفعل ذلك مع الرئيس السويسري الذي قد يعلن هو الأخر عن نيته زيارة طهران مباشرة بعد رئيس وزراء اليابان .
رئيس وزراء اليابان ( وربما بالاتفاق مع ترامب أعلن عن معارضة اليابان للعقوبات المفروضة على طهران لأنها تمس ميادين حياتية أساسية ” كالغذاء والدواء ” وذلك تهيئة لزيارته ) ، لم يعلن عنها حينها .
وذكر البيان الصادر عن الزيارة الأميركية لطوكيو أنه سيكون هنالك جولات أخرى لمباحثات حول الميزان التجاري ، وحدد ترامب قيمة العجز الذي سيجري التفاوض حوله ، لكنه أجل .. ربما انتظارا لنتائج زيارة آبي لطهران .
ماذا سيعرض آبي وماذا سترد طهران ؟
المرشد خامنئي يؤسم حدود الاستراتيجية الإيرانية بطريقة تتمسك فيها إيران بمبادئها وتلتزم بسياستها الداعمة للشعوب المظلومة ، وتحافظ على كرامة واحترام إيران لنفسها على الوقوف بحزم وقوة أمام التهديدات ، وفي الوقت نفسه يقول : ” لسنا ضد السلاح النووي لأنه ممنوع دوليا فقط ، بل لأن ديننا الحنيف وأخلاقنا وإنسانيتنا ترفض هذه الأسلحة التدميرية وتعتبرها خارجة عن الشرع والشريعة والأخلاق السامية ، وديننا يمنعنا من ارتكاب جريمة امتلاك أسلحة الدمار الشامل ” .
لكنه في الوقت نفسه يقول في يوم القدس العالمي : ” سنسقط صفقة القرن إلى غير رجعة وسنستمر في العمل لتحرير القدس ونصرة محور المقاومة ” ، وبهذا يكون المرشد علي خامنئي قد أعطى إجابات على المفاصل الرئيسية التي يريد ترامب الحديث حولها : فقد أعطى جوابا حول السلاح النووي بعدم امتلاك هذا السلاح ، ومحاربة امتلاك الدول الاخرى له وهذا موقف هجومي يضع إسرائيل في خانة المتهم بمخالفة القرارات الدولية ويطالب بأن ينزع سلاحها النووي ( أي أن بند السلاح النووي في المفاوضات يجب أن يتحول أي بند الشرق الأوسط المنزوع من السلاح النووي ، وأن على واشنطن الالتزام بهذه السياسة إذا كانت تدافع عن القرار الدولي ) .
ولاشك أن الشهادات المتتالية لوكالة الطاقة الذرية ، والتي تؤكد التزام إيران بالاتفاق النووي دليل على صدقها والتزامها ، أما فيما يتعلق بالقضايا الأخرى وهي :
– الصناعات الصاروخية وتطويرها .
– الولوج في عالم سباق الفضاء .
– نفوذ إيران في الشرق الأوسط .
بنود سياسية لايمكن للولايات المتحدة أن تفرض على إيران من خلالها تبني أو الانصياع لسياسة واشنطن ، سيطرح الأميركيون تدخل إيران في سوريا والعراق واليمن وفلسطين على اعتبار هذا التدخل عدوانا على الدول ، وعلى الدول المتصارعة معها .
وجواب إيران واضح … قالها بوضوح المرشد خامنئي إيران ملتزمة بمساعدة الشعوب المظلومة ، وهي طرف وليست دخيلة في معركة تحرير القدس وتصديها للاحتلال الإسرائيلي هو مباشر وليس تآمريا ، فإيران ملتزمة بقرارات الشرعية الدولية بينما إسرائيل وواشنطن لاتلتزمان بها ، وإيران كبلد إسلامي له الحق في الدفاع عن مقدسات المسلمين التي تقع تحت احتلال واغتصاب جيش الاحتلال الإسرائيلي ، وان القدس ليست عاصمة إسرائيل بل هي محتلة ولايجوز ضمها لإسرائيل .
وكذلك اليمن ، فإيران تساعد على صد العدوان الذي تقوده وتسلحه واشنطن على يد أعوانها وأما في سوريا ، فإيران تساهم بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بمحاربة الإرهاب ودعم سوريا التي تتعرض للعدوان .
أمام هذا المنطق السليم ستكون على آبي مهمة صعبة لإقناع إيران ، لكن دور آبي ليس دور المناقش في بنود الخلاف ، دوره يتلخص في إقناع إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات ولذلك لايمكن أن يتوجه آبي إلى طهران دون حافز أو محفز أو دون إغراء لإيران بالجلوس والتفاوض ، فماهو هذا الحافز ؟
هنالك تلميحات إيرانية حول ماعلى الولايات المتحدة فعله كي تتفاوض معها إيران ، ووردت عدة أفكار بين سطور الإيرانيين : –
1- العودة للالتزام بالاتفاق النووي .
2- التراجع عن العقوبات الاقتصادية .
3- الاحترام المتبادل .
4- ضمانات بالالتزام .
وأمام التعقيدات ، وقابلية الوضع للتصعيد لابد أن واشنطن زودت آبي بنوع من أنواع التراجع عن بعض قراراتها ” وان كان ذلك غير معلن ” ، مثلا : السماح سرا لبعض الدول بينها اليابان وكوريا الجنوبية بشراء النفط الإيراني ، وإلغاء بعض قرارات العقوبات المتصلة ببيع المعادن ومنع تزويد الأدوية والغذاء …
طريق آبي صعب وطويل ، لكنه الطريق المفتوح وخلال هذه الطريق لن تتوقف إيران عن دعم محور المقاومة ، فهذا جزء لايتجزأ من تعديل موازين القوى لصالح محور المقاومة ، ويأتي موقف الصين وروسيا ليزيد من دعم الموقف الإيراني ، وخروج إدلب كورقة بيد تركيا سوف يجر الدور التركي باتجاه مختلف قد يشكل عنصرا معقدا لمعركة سوريا وإيران وروسيا ضد الإرهاب وتحرير شمال سوريا وفتح الحدود العراقية السورية والعراقية الأردنية
إيران تتخذ مواقف ايجابية ولينة في ظاهرها لكنها مواقف تستمد صلابتها من صلابة الموقف الاستراتيجي الذي لاتحيد عنه كما عبر عن ذلك المرشد علي خامنئي .
في ظل صلابة الموقف الإيراني وثقة المرشد بالحكومة الإيرانية ، فإن الحديث الإيراني مع آبي سيكون لينا وايجابيا ، وسيتحاشى الطرفان الدخول في تعقيدات السياسة وسيركزان على ماستقدمه واشنطن من تراجعات لتسهيل قرار إيران بالجلوس إلى طاولة المفاوضات .
وهذا يعني التركيز على ما انتقدته اليابان سلفا ، وهو العقوبات فسيضطر ترامب إلى إلغاء بعضها علنا أو سرا ليجلس ويتفاوض مع إيران .
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/08