اليأس والسياسات المتطرِّفة
عبدالمحسن يوسف جمال
من أخطر الحالات السياسية التي تواجه السياسيين وصولهم الى حالة اليأس في تحقيق اهدافهم او بعضها، فيلجأون الى التطرف في القول والفعل.
لذلك، فإن العمل السياسي دائما يجعل هناك بصيص امل للاطراف المتصارعة كي لا يصلوا في صراعهم الى حالة اليأس الكامل، فيفتح بارقة أمل لهم كي لا تصل الامور الى اليأس المطلق.
وتعتبر المفاوضات السياسية احدى منافذ هذه الحلول والوسيلة الاكثر نجاعة لإبعاد المتصارعين عن التطرف في رد الفعل.
ومن المتعارف سياسيا ان الاطراف المتفاوضة يدخلونها برفع سقف المطالب الى اقصاها، وهم يعلمون ان النتيجة ستكون تنازلا من الطرفين.
ولذلك جرى العرف الدولي، ومن خلال تجارب التاريخ ان يفتح لكل الاطراف منفذاً ما للتنفيس عن الاحتقانات المتولدة من الصراعات، وهذا التنفيس اما ان يكون تصريحا ناريا، وإما قرارات عالية السقف قد يصعب تنفيذها، او انتصارات جزئية تكون مدخلا لإيقاف الصراع.
لذا، فان المراقب الفطن لا يركز على معالم الخطاب السياسي السطحي، بل يتعمق في الواقعين الميداني والسياسي اللذين تعيشهما الاطراف المتصارعة ليستشفَّ منهما خطوط ما سيرسم مستقبلا لهذا الصراع.
ومع ان منطقتنا مرت بثلاث حروب خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فإن الامور ما زالت متواصلة لرسم جديد لواقع متغير هنا او هناك.
ولعل التقارب الايراني – التركي هو احد المتغيرات المقبلة بعيدا عما يحصل في منطقتنا العربية التي تعاني صراعات مؤلمة لم تستطع ايجاد حلول لها، ما جعل الدول الكبرى تتدخل بقوة لايجاد حلول ملزمة للاطراف العربية، مع حرصهم على ألا يصل المتصارعون الى مرحلة اليأس.
هذا التدخل وهذا التقارب غير العربيين، يجعلاننا نتوقف قليلا للبحث عن مخرج «عربي» لصراعات عربية ــ عربية، لن يستفيد منها إلا الآخرون.
اما نحن العرب فسيكون عدم وصولنا الى درجة الاحتقان هو اقصى الانجازات التي قد نُكافأ بها.
ومع وضوح نهاية هذه الصراعات العربية ــ العربية، فإن افق الحلول ليست لها اي ملامح عربية، لان الامر قد اخرجناه من ايدينا بعد ان وصلنا في صراعاتنا الى حالة الاحتقان، التي لا تسمح للأطراف بالجلوس المباشر، بل بالاستعانة بالأطراف غير العربية.
وهنا يكون نجاح الآخرين بأي عمل يمنع الصراعات العربية من الوصول الى حالة اليأس، اما باقي الخسائر فلا يتحملها الا العرب أنفسهم.
صحيفة قبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/03/16