البكاء على اللبن
عبده خال
هناك أوقات عليك أن تبكي على اللبن المسكوب.
ومع أوضاع البترول وانخفاضاتها يجوز لنا البكاء على مشاريع كثيرة إذ كان بالإمكان الانتهاء منها بدلا من سفك الأحلام على ما ضاع منها.
فقد كان الإعلان عن أي مشروع يحمل معه بطاقة المدة الزمنية لانتهائه، وكانت تمضي السنوات وبعض مشاريعنا (عظام) متناثرة في كل مكان.
ومن أجل اللبن المسكوب يجوز لنا تحميل كل وزارة مسؤولية تأخير المشاريع الموكلة إليها، حيث يعد هذا التحمل حجر أساس لمعرفة نسب التقاعس في تنفيذ المشاريع، وإذا كانت تلك الجهات قد نسيت تعثرها فيجب ترديد (هات الدفاتر تنقرا).
حدث تقاعس (حرق أعصابنا)، وجعل أي تنمية تسير سير السلحفاة ليس في دأبها على الوصول وإنما في موتنا ونحن ننتظرها أن تصل، فتأخر وتعثر المشاريع هو تعثر للتنمية بكل عناصرها، ولو أن هناك خطة تنمية طموحة تستوجب الانتهاء من مرحلة ما خلال فترة زمنية محددة ويحدث تعطل لهذه المرحلة فهذا يعني بالضرورة تأخر المراحل التالية، وبدلا من أن تنجز خطط التنمية أهدافها في الوقت المحدد فإن التأخر أو التعثر سيؤدي بالضرورة إلى (كركبة) الأوضاع وترحيل أو تأجيل المشاريع ريثما تنتهى المرحلة المتعثرة، وإذا كان ما نسبته 85 % من الإدارات الحكومية تجاوزوا المدة الزمنية المخطط لها لتنفيذ مشروعاتهم فهذا يعني أن التنمية (مؤجلة)، فالنسبة عالية جدا بحيث تشير إلى مكامن خلل لا يمكن السكوت عليه، ويستوجب المساءلة والعقوبة من أجل تلافي أسباب التعثر، خصوصا أن تلك الأسباب معروفة ومعلنة، وهي ليست أسبابا مالية، فحجم الإنفاق الحكومي على المشروعات «تنفيذ، صيانة، تشغيل» يصل إلى 38.5 % من الميزانية العامة للدولة، وهذا يعني أن هناك إغداقا ماليا مهولا على المشاريع بهدف الإنجاز والاستكمال يقابلها تقاعس وإهمال، أقول إهمالا لكون الإدارات تعلم أن مشكلات تعثرها تبدأ من مرحلة التنفيذ بنسبة 64.2 %، وهي نسبة تعطي إشارة مبكرة إلى أن المشروع لن ينجز في وقته.
فكيف لإدارة تتعثر في المرحلة الأولى، ولا تبحث عن حل يقفز بها هذه المشكلة، مع علمها علم اليقين انحصار مشكلاتها في نوعية المقاول وعدم جديته، أو وجود مشاريع متعددة تعهد بإنجازها مما يجعله غير قادر على الإيفاء بالانتهاء من المشروع إلا متأخرا، وبالتالي بحثه عن مقاول من الباطن، وهي مشكلة معروفة تستوجب الحل، وإن كان التأخر جاء بسبب نقص الموارد البشرية فكيف نفهم سبب وجود ملايين من العمالة في البلد ومئات الآلاف من تأشيرات الاستقدام المنتظر وصول أصحابها، فكيف نفسر وجود هذه الأعداد البشرية من العمالة ونشتكي من نقصها؟
وإذا كانت هذه المشكلات المعلنة هي المسبب الحقيقي لتأخر وتعثر المشاريع فالعلم بالأسباب حجة على الإدارات الحكومية والإعلان عن المسبب لا يبرئ الذمة بل يحملها مسؤولية مضاعفة، كونها تعلم بالمعوقات وتضعها أمامها من غير البحث عن حلول..
حقيقة تعثر مشاريعنا يصيب المرء بالحسرة فإن قيل لك إن المشروع سينتهي بعد ثلاث سنوات (على طول اضرب في اثنين) هذا إذا كنت متفائلا.. أما الآن ومع الاعتراف أن 85 % من إدارات المشاريع الحكومية تجاوزت الخطط الزمنية المحددة للتنفيذ فعليك نسيان جدول الضرب لكي لا ينحرق دمك.
ويمكن الآن (انحرق) تماما مع تعثر نسبة أسعار البترول لهذا وجب البكاء على اللبن المسكوب.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/03/16