الخيارات الأميركية في الخليج
إبراهيم الأمين
يصعب الآن حسم حصول أو عدم حصول مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران. مواجهة سواء كانت محدودة أو شاملة لا يمكن أيضاً حسم طبيعتها ومداها ومساحتها. الآن الحاجة إلى التدقيق في الظروف التي تحيط بمثل هذا المستوى من الحرب الأميركية ضد إيران. لكن تطورات الشهر الأخير توحي بالشيء وعكسه. مثل أن التصعيد الأميركي في الحرب الاقتصادية والسياسية والأمنية ضد إيران يمثّل درجة عالية من المواجهة قبل بلوغ المستوى العسكري. كما أن العمليات التأديبية التي طاولت مصالح أميركا وجماعتها في أكثر من مكان، تصلح كإشارة إلى أن المعتدى عليه لن يظل مكتوف اليدين. اضف الى ذلك مستوى التوتر، في رسائل التهديد المتبادلة بين أطراف المحورين، بما في ذلك الكلام الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما قال إنه في حالة الحرب العسكرية على إيران، سيكون كل محور المقاومة منخرطاً في الدفاع عنها.
جاء تفجير ناقلتي النفط في بحر عمان ليدفع بالأمور خطوة إضافية نحو المواجهة، خصوصاً بتزامنه مع رفض إيران الحوار في ظل الحرب، ما انعكس تعطلاً أوّلياً لمبادرتي اليابان وألمانيا، علماً بأن هاتين الدولتين تعرفان مسبقا أن إيران لن تفاوض تحت النار. وبالتالي، اتجهت الأنظار نحو ردود الفعل الأميركية، باعتبار أن تصريحات قادة السعودية والإمارات وإسرائيل لا تكفي لعكس حقيقة الأمور. وجاءت المواقف الأميركية بسقف كلامي مرتفع، لكن بنهايات تعيد التأكيد أن واشنطن ليست معنية _ أقله اليوم _ برفع مستوى الحرب إلى درجة المواجهة العسكرية.
في عالم الدونية الذي تعيشه حكومات كثيرة جداً في العالم تجاه قدرات السيد الأبيض، تكون الصورة على الشكل الآتي: أميركا تقوم بترويض إيران، بغية دفعها صاغرة إلى مفاوضات من نوع مختلف عن السابق. وبمجرد عدم تحقق هذه النتيجة، فإن أميركا ستنتقل إلى المستوى العسكري المباشر من الحرب، وعندها ستهزم إيران أو تقبل بالشروط. الخلاصة لدى أصحاب هذا المنطق، أن أميركا ستربح الآن أو لاحقاً، وانه لا يمكن مقاومتها لا بالعقوبات ولا بالسلاح. وبالتالي، لا يقبل أصحاب هذه الوجهة القول إن أميركا غير قادرة على شن هذه الحرب، أو للدقة، غير ضامنة لنتائج معركة مفتوحة بهذا الحجم.
السير نحو مرحلة الصدام العسكري يحتاج إلى مقدمات ميدانية ليست ظاهرة الآن
لندع أصحاب الرغبات جانباً. أصلاً، لا تقف أميركا على خاطرهم عندما تقرر خطوة ما. وهي تفكر فيهم على شكل قواعد لجيشها، أو جنود كوقود في حربها وخزانة للتمويل. اليوم، تقول أميركا إنها تبحث برنامج إجراءات أمنية وعسكرية وقائية في بحور الخليج وعمان والعرب، من اجل توفير الحماية لحركة الملاحة. وهي إجراءات لا تلزمها بإرسال جيوش، بل بتركيز انتشار قطعها العسكرية البحرية في هذه المنطقة، وتكثيف عمل منظومة التجسس التقني فوق كل المنطقة. وهي تأمل الحد من حركة المجموعات التي تقف خلف الهجمات على الناقلات الراسية او المتحركة في تلك البحور. وهي نتيجة كافية لعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران، دون تغيير لسياستها الانتقامية من إيران. وعندما تفكر أميركا بهذه الطريقة، فالسبب أن خياراتها الن بسيطة وواضحة:
- إما الإقرار بفشل خطة الحرب الاقتصادية، وبالتالي التراجع حتى تقبل إيران العودة إلى المفاوضات، فهذا يعني فشل سياسات الرئيس دونالد ترامب منذ قراره التنصل من الاتفاق النووي. وهو أمر ليس متوقعاً حصوله، أو على الأقل الآن، لأنه سيعني أيضاً، إضعافاً لموقف حلفائها الداعمين لرفع مستوى الضغوط على إيران.
- إما الذهاب إلى ردود مباشرة، على قاعدة أن أميركا تحمّل إيران مسؤولية الهجمات الأخيرة، وبالتالي ستضرب أهدافاً نفطية ثابتة أو متحركة لإيران، أو توجّه ضربات إلى البحرية الإيرانية الناشطة في تلك المنطقة. وطالما تعرف أميركا أن إيران سترد، ليس على حلفاء واشنطن، بل على القوات الأميركية المنتشرة في هذه المنطقة، فسنكون أمام اختبار عض الأصابع.
- إما الاكتفاء بالقدر القائم من العقوبات، والقيام بالإجراءات الأمنية والعسكرية في بحور الخليج، وانتظار لحظة سياسية مناسبة للقيام بالخطوة التالية، مهما كان شكلها، سواء برفع مستوى المواجهة أو الذهاب نحو تسوية. ومع هذا الخيار، تكون أميركا حافظت على مستوى معين من الحرب مع إيران.
- يبقى خيار الجنون والذهاب مباشرة نحو المواجهة العسكرية الكبيرة. وإذا قررت أميركا خطوة كهذه، فالأمر يحتاج إلى مقدمات ميدانية وعسكرية كبيرة جداً، بالإضافة إلى مقدمات سياسية ودبلوماسية وإعلامية، علماً بأن كل هذه الاستعدادات لن تكون كافية لضمان نتائج المواجهة بصورة مسبقة. بل على العكس، فإن العقل العسكري والأمني الأميركي، رغم كل تهوّره وجموحه، يعرف أن المواجهة مع إيران تعني فتح المنطقة برمتها – وربما أكثر من المنطقة – على حفلة من الدم والدموع التي لا يعرف أحد حجمها.
وإزاء وضوح الخيارات، لدى الطرف الآخر حساباته للتعامل مع كل خيار على حدة. لكن الثابت الأكيد من جانب المحور الذي تقوده إيران، أن القرار متخذ في شأن عدم التراجع عن الموقف الحالي، وفي إعداد برنامج ردود على كل مستوى من مستويات الحرب القائمة، وفي الاستعداد لمواجهة تحمل الكثير من المفاجآت لأميركا وحلفائها.
وفي هذا السياق، يمكن فهم القلق الكبير الذي يعيشه أطراف المحور الأميركي جراء الوضع القائم في اليمن اليوم. ويكفي للدلالة على صعوبة الوضع، أن ردوداً عسكرية منتقاة، ومحدودة جداً قياساً إلى قدرات اليمنيين، تترك أثراً كبيراً جداً على واقع المحور الأميركي. فكيف إذا أدرك العالم أن ما تقوم به اللجان الشعبية اليمنية اليوم ضد المرافق السعودية، لا يعدو كونه مناورة محاكاة تقوم بها مجموعات الدفاع الجوي في الجيش أو الحرس الثوري في إيران؟
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/17