إبن سلمان يبيع جزيرة العرب ويشتري أوهاماً!
د. وفيق إبراهيم
يقتلُ الطموح صاحبه إذا كان خيالياً لا يستند إلى إمكانات قابلة للتحقيق. هذا ما ينطبق على محمد ابن الملك السعودي سلمان الذي تملكته أوهام تقمصها من مربيات كن يسردنَ له ليلاً حكايات الزير وعنترة والمهلهل، فاعتقد بإمكانه استعادة التاريخ على متن قبيلة لا تمتلك لا خيلاً ولا إبلاً.
أول خطأ اقترفه كان اعتماده على الاميركيين الذين سهلوا له الانقلاب على أولاد عمومته محتكراً الحكم في السعودية عبر إلغاء معادلة الوراثة في الملك التي كانت تجري من أخ إلى أخيه فصارت من سلمان إلى ابنه محمد الذي أصبح ولياً للعهد بقرار أميركي مغطى صورياً من مجلس البيعة السعودي.
يؤرخ هذا التحوّل لمسلسل الأخطاء القاتلة التي عكست سياسات طائشة لم تتمكن من إخفاء طموحات ولي العهد بتنصيب نفسه ملكاً على العرب ابتداء من شبه الجزيرة وانطلاقاً إلى العالم الاسلامي لإعلان نفسه خليفة عليه كما يحلم.
هذه هي الطموحات التي حوّلت السعودية من حليف اساسي للأميركي إلى «أجير» يعمل ليل نهار لإرضاء معلمه الذي لا ترضيه أموال قارون وهارون.
لذلك ابتدأ الأمير محمد بحركتين خليجيتين لتثبيت ملكه المفترض، فكانت الحرب على اليمن وحصار قطر متدبراً لهما تغطيات قانونية برائحة نفطية كريهة، ومستجلباً أحلافاً أميركية وعربية ودولية تكفي للسيطرة على الكرة الأرضية.
فمن أجل حرب اليمن استطاع كسب تأييد كامل اعضاء مجلس الأمن بما فيها الصديقتان روسيا والصين. أما مع قطر فلم يتمكن من تأمين اجماع العالم على غزوها مكتفياً بحصار قاس وإعلام يخترع الروايات مع أزمة دائمة ومفتوحة.
لكن الأمير فوجئ بصلابة اليمن ونجاحه في مقاومة حلفه العربي الغربي الإسرائيلي ولم يتمكن من إضافة عناصر أخرى إلى حرب تحولت وبالاً على نفوذ بلاده ووظائفها.
هل للرجل أخطاء أخرى؟
لم يفعل أي شيء صحيح حتى الآن، منخرطاً في مشروع أميركي لتفجير سورية والعراق وليبيا وتونس والصومال ومصر ولبنان مباشراً تنفيذ مهام جديدة بتفجير السودان والجزائر.
للإشارة فإن السياسة السعودية استندت لتسهيل تدخلاتها «الكونية» على مثلث قوى: الدين والنفط والإرهاب، وهذه ليست مجرد اتهامات كيدية، وما يؤكدها معلومات المخابرات الغربية والإعلام ومكاتب الدراسات التي جمعت بين التأثير الديني للسعودية عبر الوهابية وإمكاناتها النفطية الهائلة وعلاقتها التأسيسية بمنظمة القاعدة الإرهابية واشتقاقاتها في داعش ومثيلاتها.
هذه الأدوار معروفة ومؤكدة ولم يحاسبها أحد عليها، لأن الغرب الأميركي هو من كلفه بها، فالتزم محمد بن سلمان مضيفاً إليها طموحاته الشخصية في زعامة جزيرة العرب والعالمين الإسلامي والعربي.
لعل من أبرز إبداعاته هو إنفاقه مئات مليارات الدولارات إلى جانب قطر على الإرهاب في سورية والعراق وليبيا وتونس، لكن الدور التركي الاخواني وهزيمة داعش في المنطقة أقصاه منها. هذا ما أدى إلى تراجع الدور الأميركي وقوة الاسناد من «الأجير السعودي».
مقابل هذا التقهقر، يزداد التزام ابن سلمان بالأميركي ومصالحه، فلا يرد له طلباً مادياً أو جيوسياسياً إلا ويفعله، من ضمنها صفقة القرن وإنهاء القضية الفلسطينية والحلف الخليجي مع «إسرائيل».
المهم أن يبقى إبن سلمان ولياً للعهد حتى على جثث عشرات الآلاف من أمثال الخاشقجي، فأين يستطيع الأميركيون أن يجدوا حاكماً عربياً له وظائف يمنية وخليجية وإسرائيلية وعربية وإسلامية، وبوسعه تمرير ما يريدونه بأقل قدر ممكن من الاعتراض، وله إمكانية شراء القبائل العربية في محافظات الأنبار وشرقي سورية ورهنها في إطار المشاريع الأميركية الجديدة ببريق الدولارات النفطية والأهمية الدينية.
ولمساعدة الأميركيين على تفتيت العالم العربي اختلق ابن سلمان بوساطة أجهزته المنتشرة في أكثر من بلد صراعاً بين الوهابية والاسلام الشيعي، راشقاً الاخوان المسلمين بكل انواع الاتهامات والمجابهات، مفرقاً بين المسلمين حتى أنه كال الاتهامات لمنظمة حماس في قطاع غزة الفلسطيني لانها تحارب «إسرائيل»، معتبراً انها تخدم إيران وتركيا.
كما دخل طرفاً في الصراع على القرن الأفريقي مشترياً الكثير من انظمته السياسية لصالح النفوذ الأميركي والإسرائيلي بالطبع.
فليس للسعودية حاجات جيوبوليتيكية إلى هذه المنطقة.
ولأنه مجرد «اجير» يعمل في بناء الجيوبوليتيك الأميركي الإسرائيلي سخر ابن سلمان إمكاناته على في الجيوش المصرية والسودانية والجزائرية والليبية وهيمنته على أنظمتها السياسية وذلك بأوامر أميركية صرفة.
وهذه حقائق وليست فبركة إعلامية، وتعكس سقوط المشروع الإرهابي المغطى أميركياً وسعودياً واستبداله بمشروع إمساك الجيوش بالسلطات السياسية وذلك لنفاذ الجعبة الأميركية من البدائل الممكنة، لكن الأميركيين لم يقفوا عند هذه الحدود فعادوا لاستعمال آل سعود في مشروعهم المعادي لإيران. وهذا أمر لم يتوقف منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في 1979، بل ازداد حدة وشراسة من السعودية والإمارات للضرورات الأميركية الصرفة، باعتبار أن إيران نجحت في اختراق النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي في افغانستان الى اليمن والعراق فسورية ولبنان، وأقامت تحالفات راسخة في هذه المنطقة مع قواه الوطنية، فمن يصدقُ الإعلام وهو يردد أن الحوثيين والحشد الشعبي وحزب الله والسوريين هم إيرانيون، فيصرخ التاريخ بوجه محمد بن سلمان قائلاًله: إن أنصار الله اليمن هم فرقة من الزيود الذين يحكمون بلدهم منذ أكثر من ألف ومئتي عام وإن الحشد الشعبي هو وريث المناذرة وحكام العراق قبل الإسلام والسوريين المتحالفين مع إيران هم الحملة التاريخيون للفكر القومي، وحزب الله رأس حربة المقاومة في المنطقة هو وريث قبيلة عاملة وعشائر البقاع.
إن حجج السعوديين في إثارة الكراهية على إيران وتحالفاتها هي جزء اساسي من الحرب الأميركية على الجمهورية الإسلامية، خدمة للأميركيين والإسرائيليين فقط وإلا بماذا يجيب ابن سلمان إذا قال له التاريخ أن إيران لم تحارب بلداً عربياً منذ الفتوحات الإسلامية.
وبماذا يرد إذا قيل له إن كامل دول الخليج بلدان حديثة لا يصل عمرها إلى مئة عام، فيما ترمى إيران إلى آلاف السنين.
لذلك فإن المشروع السعودي بالتحريض على حرب ضد إيران هي أميركية إسرائيلية يلعب محمد بن سلمان دور «الأجير الممهد» لها والقابل بتمويلها لأسباب لا علاقة لها بمصالح العرب، بل بمصلحة وحيدة وهي تكريس محمد بن سلمان ملكاً على السعودية وجزيرة العرب وصاحب الدور الأكبر في العالمين العربي والإسلامي. وهذا طموح أكبر من إمكاناته ويرتبط بأحلام طفولية سحقها حلف المقاومة المصرّ على التحالف مع إيران لتحرير فلسطين والقضاء على النفوذ الأميركي و»أجيره» إبن سلمان.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/18