آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
روزانا رمّال
عن الكاتب :
صحافية لبنانية

«الغضب السنيّ» والسعوديّة

 

روزانا رمّال 

السؤال حول النفوذ السعودي في لبنان غالباً ما يبقى مدار بحث بين الأفرقاء اللبنانيين الذين يراقبون عقارب الساعة السياسيّة محلياً على أساس التحوّلات فيه، ليس المؤشر السعودي فقط ما يتحكّم بالسياسة اللبنانيّة فغيّر وقبله وبعده الكثير من مرتكزات السياسية الإقليمية التي تجبر الأحزاب اللبنانية على الارتهان لسياسات تجعل منهم أقوى محلياً. البعض يجد بالسياسة الأميركيّة ملجأ أساسياً لمعرفة المصير والمسار، البعض الآخر يرى في سورية وحدة حال وطريق يتقاسم معه جزء اساسي الولاء للاستراتيجية الإيرانية، البعض الآخر يرى بالمملكة العربية السعودية امتداداً لنفوذ وحضور عربي كبير في المنطقة تحديداً الشارع السني فيه وضمانة وجود.

هذا الواقع وإن رفضته أغلب السفارات الممثلة في لبنان لدى الحديث مع أي دبلوماسي او سفير من الدول المذكورة، هو الواقع الوحيد الذي يدير اللبنانيين شؤونهم عبره. كل السفراء يحرصون على تعميم عبارة واحدة «نحن لا نتدخل بالشؤون اللبنانية». هذا صحيح، فهو ليس تدخلاً مباشراً، لكن العمل الدبلوماسي يتطلب رفع تقارير لوزارات الخارجية المعنية في بلادهم وللقيادات التي ترسل من يتصرّف أو تبرق لمن يهمها أمره بأن يتحرّك هذا. طبعاً حسب أسلوب عمل السفارة، لا ينسى اللبنانيون بعض السفراء الذين يعتبرون صقوراً لدى إداراتهم بالأخص سفراء الولايات المتحدة الأميركية نذكر منهم السفير جيفري فيلتمان الذي دخل بأصغر تفاصيل البلاد وأدقّ تصريحات حلفائه مباشرة.

كل هذا يؤكد أن لكل مرحلة ضروراتها ومحاذيرها بالعمل السياسي والدبلوماسي تسلكها هذه الدول. السؤال اليوم عن دور المملكة العربية في لبنان أعيد استحضاره من بوابة الخلاف الأخير الذي استنفرت على أساسه قيادات سنية رفيعة في لبنان، هو ليس الخلاف الأول مع «العهد» ورموزه، ثنائية «ميشال عون جبران باسيل» فعلت فعلتها عند أغلبية الشارع السني وقياداته ما خلا شخص الرئيس سعد الحريري الذي يجد بالتعاون مع العهد ضمانة. لا بل أكثر من ذلك، يجد فيها ثمناً لبقائه في الحياة السياسية رئيساً للحكومة لأنه أتى على اساس صفقة رئاسية أثبتت أنها نجحت في بث الاستقرار السياسي والأمني بشكل جيد.

منذ فترة ورؤساء الحكومات السابقين يجتمعون اعتراضاً على سياسات العهد بما يشبه الاستنفار السني في البلاد، هذا الحشد يقصد فوراً دار الفتوى من أجل الحصول على غطاء ودعم، وهي بدورها لا تبخل في ذلك. فرجالات الطائفة تجتمع من اجل دق ناقوس الخطر… شيء ما يجب ان يتوقف وهو المضي بهذه الصفقة.

يقول مصدر متابع لـ»البناء» إن بعض اللبنانيين رفعوا شكوى لحلفائهم بالمملكة العربية السعودية للفت نظرها لما يجري ومنهم مقرّبون من الحريري شكلاً ومعترضين مضموناً. الامر نفسه يحصل مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن المعلومات تؤكد لـ «البناء» ان دبلوماسياً أميركياً رفيعاً يواظب ويحرص على الاجتماع بأحد المقرّبين من الحريري وعلى العلاقة الطيبة معه ضمن ما يحفظ مكانة الحريري وشكل العملية السياسية الحالية ما يؤكد أن هذا الاستقرار الحالي هو نتيجة قرار دولي بحفظ الاستقرار في لبنان ضمن هذه التسوية الرئاسية «عون حريري». هو الأمر المطلوب في هذه المرحلة.

بالعودة إلى السعودية المعنية بعبارة «الغضب السني» التي أطلقت أثر الخلافات الأخيرة بين المستقبل والتيار الوطني الحر والتي طالت اللواء عماد عثمان. وهو رمز في الشارع السني كأحد موظفي الدولة الكبار… هذا الخلاف تبعته هجمة من نوع آخر طالت الأجهزة الأمنية منهم قوى الأمن الداخلي من قبل البعض بعد حادثة طرابلس الإرهابية وصار الحديث عن أن إطلاق سراح الإرهابيين كان مقصوداً من قبل هذه الأجهزة.

كل هذا عبأ الشارع حتى بات على موعد مع الانفجار بين لحظة وأخرى، تأخر الحريري في عطلة عيد الفطر ثم ما لبث أن عاد، حاملاً معه خطاباً «شديد اللهجة». البعض قدّر أنه كان ضرورياً لسحب الغضب السني من الشارع بعد أن بات الحريري «المتمسك» بالعلاقة الإيجابية مع العهد محرجاً.

لكن وبالمحصلة.. لم يحمل الحريري معه من المملكة أي شيء آخر، لم يحمل أي تصعيد من اؤلئك الذين عوّلوا على ذلك. وهو ما يؤكد ان الرياض لا ترغب بالتصعيد ولا اللعب على وتر التسوية الرئاسية. ويؤكد أيضاً موقع الحريري القوي للمرة الأولى بعيداً عنها..

الواقع يؤكد أن ورقة السعودية الأخيرة في لبنان منذ مرحلة ما بعد الانتخابات هي الحريري، فمجلس نيابي يحمل أكثرية مؤيدة لسورية او إيران ارتضى بالحريري تحت عنوان مرحلة الرؤساء الأقوياء، لكنه لن يرتضي بأي اسم آخر يؤيد السعودية ويحمل اسمه استفزازاً او تصعيداً او يعطي الرياض انتصاراً..

تعرف المملكة ان الحريري متمسك بالتسوية الرئاسية وتعرف أن الحديث عن صفقات واتفاقات مع العهد او رموزه هي حديث الشارع اللبناني كما جرت العادة بالسياسة، لكن المنطق يقول إنها لو كانت قادرة على دعم الحريري مالياً ولوجستياً وسياسياً لفك ارتباطه بباسيل لكانت قد فعلت..

تقف السعودية متفرّجة والحريري يعزّز مكانته اللبنانية اللبنانية بالممارسة السياسية والرياض تدرك أن ورقة الشارع السني ليست ورقة رابحة بعد اليوم وفق الموازين الدولية كيف لا وهي المنكبّة بالكامل على الوضع اليمنيّ والخليجيّ المتوتر وما ستحمله الأيام.

يراهن البعض على «غضب السنة» كورقة خاسرة. الحريري يستفيد، والتسوية الرئاسية مستمرة.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/06/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد