مَنْ يقدر على اللعب على حافة الهاوية؟
ناصر قنديل
– إذا كان قرار كل من واشنطن وطهران هو تفادي المواجهة العسكرية المكلفة والتي تفرض سياقاً لا يرغب به أحد منهما، ومقابله العجز عن التراجع لدى كل من الفريقين عن مواقفه وبلوغهما مرحلة الانسداد السياسي، فهذا يعني أننا في مرحلة تصعيد للتوتر لا يمكن فهمها إلا بالرهان المتبادل عند كل من الفريقين بقدرته على خوض ما يعرف سياسياً وعسكرياً باستراتيجية اللعب على حافة الهاوية. وهي الاستراتيجية التي وصف بها وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسينجر الأسلوب التفاوضي للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد خلال مفاوضات فك الاشتباك في الجولان عام 1974، وملخص ما قدّمه كيسنجر من توصيف لهذه الاستراتيجية أنها تقوم على الذهاب في التصلب عند الهدف المرسوم للتفاوض إلى طريق اللاعودة، والاستعداد لتقبل فشل التفاوض والذهاب إلى المجهول، في ظل وضوح النتائج المدمّرة لأي مواجهة، ويلزم خصمه المفاوض على الاختيار بين السقوط معه إلى الهاوية أو تقبل التراجع عن حافتها.
– عملياً هذا ما يفعله كل من الأميركيين والإيرانيين، فالتصعيد الأميركي بالتمسك بالعقوبات المشدّدة على إيران، قابلته ردود إيرانية مضمونها، اضطراب الملاحة النفطية في الخليج وعودة خطر امتلاك إيران لكمية من اليورانيوم المخصب كافية لإنتاج قنبلة نووية، وهو ما كان السعي لمنعه خلف القبول المستعجل للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران. والواضح أن واشنطن لم تحصد المناخ الدولي الذي كانت تأمل به من وراء دخول إيران هذه المرحلة، فبدلاً من التجاوب الروسي والصيني والأوروبي مع دعوة واشنطن لتجريم طهران وقبول الفصل بين التأزم القائم بينها وبين واشنطن وبين توصيف خطواتها بالتهديد للأمن والسلم الدوليين، جاءت مواقف موسكو تحمّل واشنطن مسؤولية إسقاط القرارات الأممية والاستهتار بالقوانين الدولية، عبر معاقبة من يلتزم بقرار أممي صدّق بموجبه مجلس الأمن الدولي على التفاهم النووي مع إيران، وتحركت أوروبا للقول إن الحفاظ على التفاهم النووي يشكل الأولوية الراهنة لمنع المزيد من التصعيد، وما يعنيه ذلك من سعي أوروبا لتقديم حوافز تجارية لإيران تلبي طلباتها للعودة عن خيار مواجهة التصعيد الأميركي بتصعيد مماثل.
– الواضح أن هذا لم يدفع واشنطن للتراجع وقبول دعوات التهدئة للوصول إلى حلول وتسويات ولو مؤقتة، قبل حلول نهاية مهلة الستين يوماً التي حدّدتها إيران للخروج من الاتفاق النووي والتزاماتها بموجباته، فواشنطن تواصل اللعب على حافة الهاوية، وهي تراهن أن المزيد من التصعيد، في ظل التزام أميركي بعدم التورط بأي مواجهة عسكرية سيجعل إيران الفاعل الوحيد على المسرح، لأن العقوبات غير مرئية بينما سيكون مشهد الاضطراب في الملاحة النفطية مرئياً وسيكون ذهاب إيران للتخصيب المرتفع موضع تقارير صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا يدفع واشنطن للاعتقاد بأن المناخ الدولي سيكون عندها قابلاً للتغيير، لصالح مناقشة ما تسميه التجاوزات الإيرانية في مجلس الأمن وسيتيح انتقال الضغط على إيران للحد من خطواتها التصعيدية دون تنازلات أميركية في مجال العقوبات، التي تراهن واشنطن على أن استمرارها لزمن يتخطى اول العام المقبل سيجعل إيران تقترب من اللحظة الحرجة لقبول التفاوض بشروط جديدة.
– ما لم يضعه الأميركيون في حسابهم هو أنه ما لم يتم التوصل إلى تسوية مقبولة في الأيام المتبقية من المهلة الإيرانية للخروج من الاتفاق النووي فإن المنطقة ستكون ذاهبة إلى مواجهات متعددة وليس إلى تسخين تفاوضي. فالقراءة الإيرانية ومعها قراءة حلفائها الذين يعتقدون أن إضعاف إيران يستهدفهم قبلها، وهذا واضح في التصريحات الأميركية، حول المطلوب من إيران وأغلبه يتصل بقوى المقاومة وتمويلها. وبناء عليه فإن الشهرين المقبلين سيضعان المنطقة على حافة الحرب، وسيكون لكل الجبهات التي يعرف الأميركيون أنها تعنيهم نصيب من بلوغ هذه الحافة، ويكفي عدم بلوغ تسوية تنهي التصعيد حتى يكون آخر شهر آب موعد إقفال مضيق هرمز، وربما اشتعال جبهات عديدة في شمال المنطقة وجنوبها وشرقها وغربها، وعندها سيكون على الأميركيين أن يقرروا ماذا سيفعلون؟
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/20