إفشال المشروع الأميركي الصهيوني لتصفية قضية فلسطين
بسام أبو شريف
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن عن هويته ولونه وأهدافه منذ حملته الانتخابية الأولى (2015 ). قال بالحرف: «سأثبت أن لا رئيس أميركياً خدم اسرائيل وساندها كما سأفعل، وسوف أبرهن على ذلك، وسأفعل ما لا يحلم الاسرائيليون بفعله». لم ينكث ترامب بتعهداته ووعوده، وانهال على الشرق الأوسط بقرارات وإملاءات تخدم هذه الأهداف، ولا تخدم غيرها، بما في ذلك مصالح الولايات المتحدة الاميركية على المدى البعيد والمتوسط.
يظن كثيرون أنه فعل ذلك طلباً لدعم أصوات اليهود الأميركيين، والحقيقة أن ترامب فعل ذلك لأنه مكلف به وليس طمعاً بمزيد من أصوات اليهود. اللعبة الصهيونية هي لعبة إدخال ترامب البيت الأبيض لتنفيذ ما هو مطلوب منه صهيونياً، ومواجهة ترامب وقراراته بشأن فلسطين لا يمكن أن تتم بمعزل عن المواجهة الدولية لسياساته العدوانية، والتي تحاول أن تحفظ للولايات المتحدة تحكّمها في القرار الدولي، وأن تُبقي العالم قائماً على تحكم دولة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة.
المواجهة لا يمكن أن تتمّ بمعزل عن ربط القضايا الاقليمية الساخنة بالحرب الدائرة لمنع بقاء العالم ضحية قرار دولة واحدة هي الولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات الثلاث التي تربّع خلالها ترامب على عرش البيت الأبيض،لم يتردد في اتخاذ قرارات شنّ من خلالها حرباً سياسية واقتصادية وشبه عسكرية أبقت العالم في حالة التأهب لحرب لا يعرف متى يشنّها عسكرياً، ولذلك اعتبرت الدول الكبرى الاخرى أن العمل لمنع تحكم قوة عظمى واحدة في القرار الدولي أمر له الأولوية، لأن الانتصار فيها سوف يضع سداً أمام غطرسة العنصرية البيضاء وغطرسة الصهيونية الاجرامية.
قمة روسيا والصين التي عقدت قبل أسابيع لم تكن الخطوة الأولى على هذا الطريق، بل كانت نتيجة تراكم كمّي من نوع المواجهات في أكثر من مكان، منها القرم وأوكرانيا، ومنها سوريا والعراق وإيران، ومنها فنزويلا، وأيضاً أوروبا ولو بشكل صغير.
في يالطا (1945) لم يجد المنتصرون في الحرب العالمية يوماً ملفاً اسمه استقلال فلسطين
القمة تثبت نهج المواجهة الاقتصادية التي تتضمن الانطلاق نحو «الجيل الخامس» من الاتصالات. الجيل الخامس بالنسبة إلينا ليس ما يخص الاتصالات فقط، بل هو تدشين لسباق في التقدم التكنولوجي الذي يحرم الولايات المتحدة القدرة على التحكم في موازنة التجارة العالمية والسيطرة على صناعات مهمة عبر شركاتها المتداخلة مع شركات الحلفاء وبعض شركات المنافسة. يعمل معسكر المواجهة العالمية على منافسة الولايات المتحدة في عقر دارها، ونعني بذلك داخل الولايات المتحدة، وفي البلدان التي تحكمها أنظمة تخضع كلياً للإملاءات الاميركية مثل دول الخليج والجزيرة العربية. فرضت أميركا على هذه الدول التطبيع مع إسرائيل والسير في مخطط لتصفية قضية فلسطين وتمويل استمرار الحرب على الأرض السورية وفتح معارك جديدة للعراق، والحشد في جبهة الحرب مع إيران وشن حربها على محور المقاومة.
المعركة الساخنة هي التي تدور على الصعيد العالمي بين الولايات المتحدة التي تتحكم في القرار العالمي وحدها، وبين القوى العظمى الاخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا، لتحويل القرار الدولي الى قرار مجموعة من الدول الكبرى وليس واشنطن وحدها. هذه الحقيقة تضع القيادة الفلسطينية أمام مسؤولية تحديد موقفها بالضغط، وكيف تصبح قضية فلسطين جزءاً من هذه المعركة، لأن النجاح في تثبيت وضع فلسطين ضمن خريطة الصراع الدولي هو أول شرط لإفشال مخطط تصفية قضية فلسطين.
في يالطا (1945) لم يجد المنتصرون في الحرب العالمية يوماً ملفاً اسمه استقلال فلسطين، وبقيت فلسطين ملفاً بأيدي الاستعماريين البريطانيين الذين وظفتهم الحركة الصهيونية لتنفيذ وعد بلفور، ولم يكن أمام ستالين وجهة نظر أخرى. واليوم نرى احتدام الحرب التجارية والاقتصادية، وستصل الى مؤتمر شبيه بمؤتمر يالطا، لتتم عملية رسم جديدة للحدود الاقتصادية والتجارية والسياسية، بطبيعة الحال، في ظل عالم متعدد الرؤوس ولا يخضع لرأس واحد هو واشنطن، وعندها سيكون ملف فلسطين موجوداً ومدعوماً من معسكر المواجهة الذي تترأسه روسيا والصين وتشارك فيه دول أوروبية لها موقف مبدئي من حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
هذا الشرط الأساسي لضمان عدم نجاح مخطط ترامب ونتنياهو، ولكن السير حثيثاً لإجراء مفاوضات حوله مع الصين وروسيا وأوروبا لا يعني أن مهام الشعب الفلسطيني على الأرض لمواجهة المخطط قد انتفت، لا بل على العكس تماماً.
فالموقف الفلسطيني الذي اتخذ بالإجماع الشعبي والفصائلي والرسمي يجب أن يتابع لتأمين اللحم والعضل والعصب لهيكل سليم، وهو الموقف الرافض لمشروع ترامب ــــــ نتنياهو، الموقف يبقى سليماً، ولكنه ضعيف إذا لم يسند بعوامل القوة، وعوامل القوة متاحة للسلطة والفصائل، وهي التحرك الشعبي ضد الاستيطان ومحاصرة محاولات إسرائيل لمحاصرة مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها.
انظروا إلى قوة الحركة الشعبية في السودان والجزائر، وقريباً في الخليج والعراق... على السلطة الفلسطينية أن تعمل بكل طاقة لتأمين هذين العاملين: الانضمام إلى النادي العالمي لمنع احتكار واشنطن للقرار الدولي، وتأمين عوامل القوة للموقف الفلسطيني الجماعي الرافض لمشروع ترامب ــــــ نتنياهو.
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/06/22