العراق و صفقة القرن..
د. جواد الهنداوي
فلسطين كانت ولا تزال محلاً للصفقات، وموضوعاً للمساومات والمزايدات مِنْ بعض العرب وغير العرب من الدول الكبرى الإقليمية والمنظمات الدولية. سِرّها ووقود ديمومتها أنها استعصتْ على الحلْ، وعلى السلام، وأيضاً على الاستسلام.
فلسطين كانت ولاتزال القضية المركزية للعرب، وللمنطقة، وللعالم، وإِنْ خذلوها.
هي القضية التي، قد تنام طويلاً، ولكنها، كالحقيقة، لاتموت، كالحق يعلو.
الجديد في القضيّة (قضيّة فلسطين)؛ أنها أصبحت حملاً وعبئاً ثقيلاً على الدول، وأملاً وهدفاً إنسانياً نبيلاً للشعوب، و رمزاً للمقاومة ضّدْ الاحتلال والظلمْ والطغيان؛ لذا لَمْ يعُدْ التعامل والتعاطي مع القضّية أمراً حكراً على الدول، لاسيما تلك الدول الديمقراطية، أو التي تتسامح مع حرية التعبير عن الرأي، وعراق اليوم مِنْ بينهما، حيث للشعب رأي و صوت.
صفقة القرن هي صفقة لإسرائيل وليس لفلسطين، وهي ليست الصفقة الأولى لإسرائيل، سبقتها صفقة القرن العشرين وهي اتفاقيات أوسلو عام ١٩٩٣ و عام ١٩٩٥.
بين الصفقتيّن مفارقات ومقاربات :
في كليهما تجلى خداع و كذب و تضليل الدور الأمريكي إزاء الحق الفلسطيني؛ ففي صفقات أوسلوا، كانت وسائل الخداع ذات طابع سياسي، وكان الهدف هو توريط القيادة الفلسطينية و شّقها، و مصادرة الأراضي الفلسطينية، في صفقة القرن، أو صفقة الرئيس ترامب، وسائل الخداع ذات طابع اقتصادي، والهدف ليس القيادة الفلسطينية، وإنما بعض الدول العربية ،التي هي في حالة تطبيع رسمي مع إسرائيل كمصر والأردن، وتلك التي هي في مسار التطبيع الرسمي.
خطأت و تورطّت السلطة الفلسطينية في انخراطها الفاعل في صفقة القرن العشرين (اتفاقيات أوسلو)، وخيراً فعلت ، القيادة الفلسطينية و كافة الفصائل الأخرى عندما أعلنت تبرئها و رفضها لصفقة القرن (صفقة ترامب ).
يدركُ الأمريكان أو رُعاة صفقة القرن بأنَّ موقف القيادة الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية، في قبول أو رفض الصفقة، لم يكْ عنصراً أساسياً في معطيات الصفقة، لأن الهدف هو ليس فلسطين أو القضيّة ، وإنما هو التطبيع مع إسرائيل ومن اجل هيمنتها على المنطقة ، و تسويق عدو آخر و جديد في المنطقة ، وهو العدو الإيراني، لذا لم يكُ اختيار مملكة البحرين لاستضافة ورش الصفقة – وهي على حدود إيران – دون قصد ودلالات . و اجتماعات البحرين اليوم هي الخطوة العلنية الأولى للدور، قد يتبعها خطوات أخرى على الصعيد التعاون الأمني والعسكري البحريني – الإسرائيلي .
نتمنى أن تدرك مملكة البحريّن مخاطر و عواقب اللعبة !
كيف نقيّم موقف العراق؟
كان الموقف سيادياً ، ومُعبراً عن إرادة العراقيين ، وعلى حسن ظنْ الشعوب العربية ، لَمْ يخضعْ للإملاءات و لَمْ يتمظهر بالمجاملات . لَمْ يلتزم العراق الصمت، وَلَمْ يكتفِ بالتصريح علناً، وعِبْرَ بيان رسمي، بعدم مشاركته في ورشة البحرين، وإنماّ أكدّ تمسك العراق بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها “القدس الشريف” وليس “القدس الشرقية ” . وكأنَّ البيان تنديداً ضمنياً بصفقة القرن.
الغريب هو أنَّ موقف الحكومة، موقف الدولة كان أكثر وضوحاً تجاه صفقة القرن وورش المنامة ، مُقارنةً مع موقف أغلب الأحزاب السياسية، أو الكتل السياسية في مجلس النواب ، والتي هي الأكثر حريّة و مسؤولية في التعبير عن إرادة وتطلعات الشعب .
تمنيّنا لصوت الشعب العراقي، الرافض لصفقة القرن وورشة المنامة ، أنْ يتناغم مع موقف الدولة وبيان الحكومة ، ويتمظهر احتجاجاً ، في شوارع العاصمة ، دون الأضرار بالحصانة الدبلوماسية لسفارة البحرين، وتكليف الحكومة ببيانات و بتصريحات، تُحسبْ لصالح البحرين، و في ساعات انعقاد ورش المنامة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/07/02