أين يكمن الخلل في إدارة أزمة الإسكان؟
محمد العوفي
هناك فرق كبير بين إدارة الأزمة والإدارة بالأزمة، فإدارة الأزمة تعني التعامل مع أزمة حدثت ولا تزال قائمة، والعمل على احتوائها، وإيجاد حلول لها قبل أن تتطور وتتحول إلى صراع أو تتولد عنها أزمات أخرى، في حين الإدارة بالأزمة تميل إلى خلق أزمة معينة من أجل تحقيق مصالح وأهداف محددة مسبقا.
بناء على ما سبق، يمكن القول إن لدينا أزمة إسكان -وفقا للمفهوم العلمي للأزمة- بحاجة إلى إدارتها باحترافية عالية دون الإضرار بباقي القطاعات، وهذا يقود إلى السؤال التالي: كيف تدير وزارة الإسكان هذه الأزمة؟ وهل ما قدمته من حلول تنطبق عليه سياسات إدارة الأزمة وأبجدياتها، ويمنع حدوث مشاكل أكبر أم يولد مشاكل أخرى قد تكون أكثر خطرا في المستقبل؟
ويتطلب الإجابة على هذين السؤالين، العودة قليلا إلى الحلول التي قدمتها وزارة الإسكان في السنوات الأربع الماضية، هذه الحلول تتمثل في تخفيض نسبة الدفعة النقدية المقدمة للقروض العقارية لتصبح عند نسبة 15% بدلا من نسبة 30% المطبقة، بعد أن قبلت وزارة المالية ضمان نصف الدفعة المقدمة مقابل أن تلتزم البنوك بتمويل ما نسبته 85% من القيمة الكلية للعقار، وتطبيق القرض المعجل، ورفع نسبة الاستقطاع الشهري إلى ما يصل نحو 65%.
جميع الحلول المشار إليها تركز على قضية التمويل الذي تناضل الوزارة من أجل إقناع الرأي العام بجدواه وإقراراه رغم النقد المتواصل لهذه السياسة من قبل الاقتصاديين.
ويمكن ملاحظة أنها تقوم وتعزز مبدأ تسهيل الاقتراض أساسا لحل الأزمة، وسعت الوزارة إليه لأنه خيار سهل والطرق إليه أقصر وأسهل، ولا يتطلب استخدام أساليب إدارية مبتكرة وسريعة، ودون أن تدرس الوزارة أو الجهات المعنية - مثل وزارة المالية أو مؤسسة النقد أو وزارة الاقتصاد والتخطيط الآثار السلبية المترتبة على التوسع في الحلول التمويلية في ظل ثبات دخل الفرد هو ما يتناقض كليا مع مبادئ علم الأزمات.
فالخبراء في علم الأزمات يقولون إذا كانت الحلول التي ستقدمها لحل أزمة ما ستولد أزمات ومشاكل أخرى، فابحث عن حلول أخرى، لأن هذه الحلول لن تحل الأزمة بل ستجعلها تكبر ككرة الثلج، وتتعقد أكثر وأكثر وتنتقل إلى قطاعات أخرى، وستعود إلى الظهور لديك مرة أخرى، وما عمدت إليه أو أنتجتها الوزارة في إدارة أزمة الإسكان، مع كل التقدير لكل مسؤوليها، يندرج تحت هذا المفهوم، ولا ينطبق عليها أبجديات إدارة الأزمة المتعارف عليها علميا، ويمكن وصفها بأنها ردود فعل وحلول عشوائية، لأنها لم تراع جميع الأبعاد التي يجب أخذها في الحسبان عند إدارة الأزمة.
كل ما سعت إليه وزارة الإسكان هو إيجاد حلول قائمة على الاقتراض، ولم تأخذ في حسبانها الجوانب المتعلقة بثبات دخل الفرد، وتأثره بالتضخم، وارتفاع تكاليف المعيشة، وانخفاض القيمة الحقيقة للريال، إضافة إلى أنها تفترض استمرار النمو الاقتصادي بمستوى معين، كما أنها لم تفكر ما الذي يمكن أن يحدث في حال تغيرت الظروف الاقتصادية، وتعثر المواطنين عن السداد، مما قد يدخلنا في أزمة مالية ضررها أكبر وأشمل وأعم، إذا ما علمنا أن التساهل في التمويل والرهون العقارية كان سببا رئيسا في الأزمة المالية في الولايات المتحدة وأوروبا في عام 2008.
هذه الحلول تؤكد أن لدينا خللا كبيرا في إدارة الأزمة، وأن تفكيرنا لحظي وأمده قصير، وأن الأزمات كأزمة السكن
لا تحل بجهود فردية ووفق رؤية واحدة دون مراعاة الجوانب الاجتماعية والمالية والاقتصادية، وغياب رؤية وزارتي الاقتصاد والتخطيط والمالية حول هذه الحلول قد يخلق سلسلة من المشاكل الاجتماعية والمالية للأسرة وللاقتصاد بشكل عام.
أعتقد أننا بحاجة إلى مراجعة سياساتنا وآلياتنا فيما يتعلق بإدارة أزمة الإسكان، فالحلول الجزئية التي تقوم على رؤية جهة واحدة لأزمة متشابكة ترتبط الجوانب الاجتماعية والمالية والاقتصادية لن تحل المشكلة قبل ترحلها إلى قطاعات أخرى، أو تولد أزمات أكبر وأصعب مما تتخيل وزارة الإسكان عند تفكيرها بهذه الحلول.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/03/18