الإمارات تترك اليمن: خديعة أم هزيمة؟
خليل كوثراني
مسؤول إماراتي: استمر نقاشنا بشأن إعادة انتشارنا ما يزيد على عام (أ ف ب )
تتعمّد الإمارات إظهار أنها انكفأت نسبياً في اليمن، وأجرت تحوّلاً على استراتيجيتها هناك. انسحابات عسكرية كبيرة وتبدلات في خريطة الانتشار، تقول إن أبو ظبي تريد الخروج من تصدّر مشهد المعارك العسكرية، كرأس حربة، تحت سقف الالتزام بالتحالف السعودي. الإعلان غير الرسمي يُعزى إلى سببين رئيسين: المناورة للاحتماء من تبدّل قواعد الاشتباك الإقليمية واليمنية تباعاً، في موازاة مقتضيات الأجندة الإماراتية الخاصة المتمايزة عن مثيلتها السعودية
تحاول الإمارات إظهار انعطافة في ما يتصل بوجودها ودورها في اليمن. يشي تسريب أحد مسؤوليها لوكالة «فرانس برس»، ومن ثم لوكالة «رويترز»، مضمون خطة «إعادة انتشار» تجري بموجبها انسحابات لأسباب «استراتيجية وتكتيكية»، بأن صاحب القرار في أبو ظبي يريد تأكيد الأنباء السابقة حول إعادة تموضع القوات الإماراتية، من دون إعلان رسمي. ما صار معروفاً حتى الآن أن الانسحابات الإماراتية تمّت على شكل تخفيض بنسب كبيرة في مناطق، وانسحابات شاملة في مناطق أخرى سلّمتها للقيادة السعودية. وشملت هذه الانسحابات ساحات القتال خارج الجنوب اليمني: انسحاب كامل من مأرب حيث حلّت القوات والمعدّات السعودية محل تلك الإماراتية، بما فيها بطاريات «باتريوت»، إخلاء معسكر الخوخة وانسحاب بنسبة كبيرة من جنوب الحديدة مع إبقاء الإدارة الإماراتية لهذه الجبهة، سحب عدد كبير من الضباط الإماراتيين من قاعدة عصب في إريتريا.
هذه التطورات تواجهها حركة «أنصار الله» اليمنية وحلفاؤها في صنعاء بصمت تام، على رغم أهمية ما يجري. وقد اتخذت قيادة «أنصار الله» قراراً عمّمته على مسؤوليها بعدم التعليق على ملف الانسحاب الإماراتي، وفق ما يفيد به مصدر في الحركة «الأخبار». وإذ يلتزم المصدر قرار قيادته، فهو لا يخفي أن «أنصار الله» وحلفاءها غير واثقين من جدّية الخطوة بعد، من دون استبعاد أن تذهب الإمارات إلى انسحاب جزئي يخفف وطأة انخراطها في هذه الحرب، لا الانكفاء الكلي والتخلي عن تدخلها. وجواباً على سؤال في شأن إذا ما كان بعض الانسحابات منسّقاً مع «أنصار الله» والقوات اليمنية، ينفي المصدر لـ«الأخبار» نفياً قاطعاً حدوث أي مستوى من التنسيق، مع الإشارة إلى أن الإمارات نسّقت انسحابها مع الأميركيين.
بالعودة إلى خارطة الانسحاب الإماراتي، يلاحظ أن طبيعة انسحابات أبوظبي تتوزع على ثلاثة أنواع:
1- انسحاب من جبهتَي الحرب الرئيسيتين، اللتين انصبّ عليهما الرهان لكسر صنعاء: مأرب وهي القاعدة الخلفية للهجوم على العاصمة اليمنية، والحديدة وهي بوابة صنعاء الغربية وشريان حياتها. المركزان الوحيدان اللذان يتمتعان بالثقل العسكري الاستراتيجي، خرجت الإمارات من أحدهما كلياً (مأرب)، وخفّضت وجودها على الأرض بشكل كبير في الثاني.
2- تخفيض وجود الضباط في قاعدة عصب بنسبة 75 %، وفق ما نقل «معهد واشنطن» عن مصادر إماراتية، وأكده المسؤول الإماراتي أمس، علماً بأن «عصب» هي القاعدة الأمنية والتدريبية واللوجستية الخلفية المهمة للحرب في الإقليم، لا سيما لمعارك الساحل الغربي.
3 - مستوى آخر يجري الآن، هو تخفيف الوجود في جنوب اليمن، معقل النفوذ الإماراتي منذ اليوم الأول للحرب، بما فيه مدينة عدن، ولو بشكل مختلف عن جبهات الشمال، ومن دون التخلي عن الحلفاء، الذين يعدّون بزعم المسؤول الإماراتي 90 ألف مقاتل.
ماذا تريد الإمارات؟
ثمة سببان للانعطافة الإماراتية في اليمن يجري تداولهما:
الأول، الخوف من تغير قواعد الاشتباك الإقليمية، على وقع المواجهة الإيرانية الأميركية، وهو ما لا تتحمّله دولة كالإمارات. ولطالما كرر مراقبون استبعادهم شنّ حرب ضد إيران إن بقيت جبهة اليمن مفتوحة. اليوم، لا يمكن لأي مراقب أن يفصل ما يجري منذ إلغاء واشنطن الإعفاءات على العقوبات، أو ينزع الدلالة عن تزامن تصعيد الخطوات الإيرانية مع نقلة نوعية في العمل العسكري في اليمن ضد التحالف السعودي الإماراتي، سواء من خلال تفعيل أسلحة جديدة، كالصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة، أو الزج بأهداف حساسة ومنشآت حيوية كالحاصل في معادلة المطارات. كل ذلك التقطته أبوظبي، التي تدرك جيداً أن توسع رقعة الاشتباك ليشمل نفطها ومطاراتها وموانئها وسفنها يفوق طاقتها على التحمّل، وبالتالي تبرز الحاجة إلى مناورات للنأي بالنفس عن الصراع الأكبر في المنطقة، وهو ما بدأت إشاراته مع الاحجام عن اتهام إيران بالهجوم على ناقلات النفط في الفجيرة.
التطورات الأخيرة أثبتت أن بإمكان طهران الاستفادة من الحرب على اليمن (بالتقاطع مع أجندة صنعاء) لجعل ثمن انخراط حلفاء واشنطن في الخليج باهظاً، الأمر الذي يجعل مسعى أبوظبي عقلائياً إلى حد بعيد، خصوصاً أن الثمن الذي تدفعه حليفتها الرياض اليوم من نفطها ومطاراتها درس ليس ببعيد.
الثاني، يتعلّق بعدم رغبة أبوظبي في مواصلة الحرب على اليمن بالقواعد الحالية، لجملة من الأسباب، تنطلق من اختلاف الأجندة الإماراتية عن السعودية. أبوظبي، المهتمة بملفات كالنفوذ الإقليمي والجزر والسواحل والموانئ ومحاربة «الإخوان»، لا بصراع «وجودي» على حدودها، لم ترغب في حرب طويلة الأمد، ومن الأساس فإن رهانها الفاشل على معركة الحديدة كان لفتح بوابة مشرّفة للحل السياسي. بالعودة إلى البرقيات الأردنية التي نشرتها «الأخبار» قبل مدة، نجد أن السفير الأردني لدى الرياض، علي الكايد، سمع من سفير الإمارات لدى الرياض، شخبوط بن نهيان، قلقاً لدى بلاده من السعودية، وتأثيرات سلوكيات الأخيرة سلباً عليها. يقول السفير الإماراتي، في الجلسة نفسها التي عقدت بين السفيرين بداية العام الماضي، إن بلاده تسعى للخروج من حرب اليمن «بأي طريقة». يحكى هنا عن واقعية السياسة الإماراتية وعدم التزامها بشكل مبدئي مع السعوديين، فضلاً عن الواقع الإماراتي الداخلي، ورفض حكام إمارات الدولة المتحدة سياسات ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وعلى رأسهم حاكم دبي محمد بن راشد، الذي يُنقل أنه هدّد ابن زايد، قبل مدة، بالسعي إلى فكّ ارتباط إمارته بالاتحاد إن استمر التورط في الحرب. يؤكد رواية «الشيخ شخبوط» للسفير الكايد ما أوضحه أمس المسؤول الإماراتي للصحافيين، من أن الانسحابات تجري بعد تنسيق مع السعوديين، إذ قال: «استمر نقاشنا بشأن إعادة انتشارنا لما يزيد عن عام، وتزايد بعد توقيع اتفاق ستوكهولم»، في إشارة إلى اتفاق السويد الذي أقرّ خفض التصعيد في الحديدة.
ومن المهم التوقف عند ما أفاد به المسؤول الإماراتي المذكور، حول تحول استراتيجية بلاده في اليمن، حيث قال: «الأمر يتعلّق بالانتقال من استراتيجية القوة العسكرية أولاً إلى استراتيجية السلام أولاً». ربما تذكّر هذه العبارة، لو لم تكن مرفقة بانسحاب عسكري فعلي، بإعلان التحالف السعودي الإماراتي، بعد أشهر على الحرب، انتهاء عملية «عاصفة الحزم» والبدء بعملية جديدة أطلق عليها «إعادة الأمل». لكن المؤشرات تتضافر لوضع الإعلان الإماراتي في خانة مختلفة عن الإعلان الهزلي وقتها. في الحد الأدنى، فإن الإمارات من خلال هذه المناورة، التي لا ترقى إلى الانكفاء الشامل والتخلي عن هيمنتها على جنوب اليمن حيث تراهن على تدريبها 90 ألف مقاتل هناك، تريد ضمان عدم تأثرها بالمواجهة الإقليمية، وفي الوقت نفسه التحجج باتفاق السويد لتغيير استراتيجية مشاركتها المثقلة بالأعباء في الحرب، كما كانت ترغب، لا سيما تداعيات السمعة السيئة لجرائم معركة الحديدة لدى الدول الغربية. هذا المنحى برز في زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى روسيا، عقب إحجام واشنطن عن الرد على ضرب الطائرة الأميركية، إذ تفيد المعلومات بأنه طلب توسط موسكو لدى طهران، مع رسالة تطمين بأن بلاده غير معنية بأي مواجهة عسكرية مع إيران.
عدّاد هجمات أبها لا يتوقف
أعلنت القوات المسلحة اليمنية، مساء أمس، تنفيذ «عمليات واسعة» في مدينة أبها جنوب السعودية، بطائرات مسيّرة من طراز «قاصف 2k». وأوضح المتحدث باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية، يحيى سريع، أن العملية الأولى استهدفت «مرابض الطائرات الحربية وأهدافاً عسكرية أخرى في مطار أبها»، مؤكداً «إصابة الأهداف بدقة عالية»، و«تعطل حركة الملاحة الجوية» هناك. وبيّن أن «العملية الأخرى استهدفت محطة تهامة للكهرباء، وكانت الإصابة مباشرة ودقيقة». وأشار إلى أن «هذا الاستهداف يأتي في إطار الرد الطبيعي والمشروع على تحالف قوى العدوان، الذي شنّ خلال الـ48 ساعة الماضية 32 غارة جوية على مناطق متفرقة في اليمن، سقط على إثرها شهداء وجرحى». ونفى سريع، في وقت سابق، ادعاء «التحالف» الذي تقوده السعودية إحباط محاولة هجوم لـ«أنصار الله» على سفينة تجارية في جنوب البحر الأحمر، واصفاً ذلك بأنه «محض افتراء ولا أساس له من الصحة»، معتبراً أنه «يعكس ما وصل إليه العدوان من فشل عسكري وسياسي». ورأى في تلك الادعاءات «محاولة فاشلة لاستعطاف الرأي العام الدولي، وإيجاد مبررات لاستمرار العدوان والحصار على اليمن بشكل عام، وعلى محافظة الحديدة بشكل خاص، بالإضافة إلى التنصّل من اتفاق السويد الذي تم تنفيذه من جانب واحد، هو الجيش واللجان الشعبية».
صحيفة الأخبار اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/07/09