إصلاح التعليم: الفكر أولا
شافي الوسعان
مراجعة المناهج لا تعني بالضرورة أن تكون أفكارها خاطئة، بقدر ما أنها قد لا تكون مناسبة للمرحلة العمرية للطالب، أو أنها ربما تحوي مسائل معقدة وغير مُجمَع عليها، وقد يُساء استخدامها من قبل متطرفين
في دراسة سابقة قدمها وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ صالح آل الشيخ لمؤتمر (تأصيل المواطنة والانتماء) قال فيها: إن مناهج التعليم في المملكة كانت تحتوي على ما يساعد على نفي الاهتمام بالمواطنة والانتماء للوطن. ومع أني لست أدري هل ما زال الوزير عند رأيه، أم أن المشكلة كانت وانتهت، كما أني لا أعرف فيما إذا كانت المشكلة محصورة في المواطنة والانتماء أم تتجاوزهما إلى ما هو أبعد من قضايا التكفير والتطرف، غير أني أعتقد أننا بحاجة إلى مثل هذه المكاشفات، وأن مجرد اعتراف الوزير بمشكلة من هذا النوع هو شجاعة نادرة، خصوصا حين يأتي الاعتراف في مجتمعات تقليدية دأبت على إنكار ظواهرها السلبية، وليس لذلك من تفسير سوى أنه جدية من الدولة في محاربة التطرف وقطع جذور الإمداد عنه، ومن المفترض أن تلقى دراسته عناية خاصة من وزارة التعليم، لأنها المعنية بالمناهج التعليمية وإعادة برمجة عقول الشباب.
لست أريد أن أوجه حديثي هذا إلى وزير التعليم، فإني أخشى أن أكون كمستبضع التمر إلى هجر، غير أني أحب التأكيد على أن هذا المشوار صعب شاق، متعب، مليء بالمطبات والمنعطفات الخطرة، والتي لا يقدر على السير فيها إلا القائد الحَذِر الماهر الذي لا ينشغل ببنيات الطريق، ولا يُكثِرُ من الالتفات إلى المنحدرات والقيعان، ولا يأبه بالوفود الملوِّحة بالوداع، لأن أدنى انحراف بالمركبة سيهوي به، وبمن معه إلى القاع، فمن قرأ في سيرة الدكتور أحمد العيسى لا يملك إلا أن يتفاءل معه، ويثق بنجاحه فيما لو تُرك يعمل دون ضغوط، واحتساب من أي نوع، فكثيرا ما يكون الاعتراف بالمشكلة هو من أهم الخطوات اللازمة لحلها، وقد كان من أبرز عوائق تطوير التعليم في الماضي هو الانشغال بالهامش على حساب المضمون، والتركيز على العمل الدعائي أكثر من القضايا الكبرى، ولذلك فإن الوزارة تُحدد كثيرا من الأهداف وتطلق مزيدا من البرامج والمشاريع، ومع ذلك فالمحصلة النهائية لا تكاد تذكر، بسبب أنها ترفض الاعتراف بأخطائها، ولا تريد الإشارة إلى أصل المشكلة بشكل مباشر، إما لأنها تخشى المواجهة، أو بسبب أن هنالك مستفيدا من هذا الحال، ويريد إبقاء ما كان على ما كان، أو لأسباب أخرى لا يعلمها إلا الله!.
قدر وزير التعليم أن يأتي في وضع استثنائي، وفي عصر يضرب فيه الإرهاب كل مكان من هذا العالم، لذا فإن حاجتنا إلى المراجعة الفكرية أكثر من حاجتنا إلى المراجعة الفنية، فحين تكون لديك أزمة في مجال التعايش والتنوع والوحدة الوطنية، فإن الانشغال بأي عمل آخر هو نوع من الترف والعبث، خصوصا أن بعض شبابنا قد انخرطوا في جماعات إرهابية هي الأكثر تطرفا على مستوى العالم، فقَتَلوا لأشياء لا تستحق القتل، وانتحروا لأشياء لا تستحق الانتحار، و ظهروا في أكثر من تسجيل وهم يحرقون جوازات سفرهم، و يسبُّون أوطانهم ويكفِّرون حكوماتهم، وليتهم اكتفوا بهذه الممارسات في الخارج، بل تمددوا إلى داخل دولهم فقتلوا رجال الأمن، وفجَّروا المساجد ودور العبادة، وأعلنوا الحرب ضد مواطنين أمثالهم لمجرد أنهم مختلفون عنهم في المذهب!، وإنه في نظري لا فرق بين أستاذ جامعي يمارس التحريض ليل نهار، وبين قائد إجرامي متطرف يصدر تعليماته بقتل رجال الأمن، وتنفيذ عمليات انتحارية في أماكن مكتظة بالمدنيين الأبرياء، سوى أن الأول متروك والثاني مطارد!.
قلتُ وسأكرر القول مرة بعد مرة، إنه لا يمكن الحديث عن التطرف بمعزل عن التعليم، فأغلب الأفكار المسيطرة على الشباب قد اكتسبوها في مدارسهم، والمعلم هو أكبر المؤثرين في حياة الطالب، خصوصا حين يكون التعليم معتمدا على الحفظ والتلقين وحشو الطالب بالمعارف والمعلومات التي تُصَب في رأسه بلا فهم، ومن الواجب على وزارة التعليم أن تبحث في قضايا التطرف والتعايش، من خلال مراجعة مناهجها، للتأكد من مناسبتها للمرحلة العمرية للطالب، ومدى وضوحها بما لا يدع مجالا للمعلم كي يفسرها على هواه، إضافة إلى عدم فرض الرأي في أشياء خلافية، ليتواءم الطالب مع البيئة من حوله، فلا يعتبر كل رأي مخالف لما اعتاد عليه كفرا أو ضلالا، فإنه وعلى الرغم من أن جميع المسؤولين السابقين قد أكدوا على أهمية التعايش والتسامح والوحدة الوطنية، وتحدثوا عن الوسطية كما لم يتحدثوا عن أي شيء آخر، إلا أن النتيجة لا تذكر مع الأسف الشديد، فالحلول تقتصر في العادة على النصح والإرشاد، وإلقاء اللائمة على عدو خارجي، وتزكية النفس بما لا يتيح لنا فرصة كي نفكر ولو للحظة واحدة في أن نراجع أنفسنا ومناهجنا، مع أنه لا يوجد نظام تعليمي كامل مهما كانت درجة تقدمه، كما أن مراجعة المناهج لا تعني بالضرورة أن تكون أفكارها خاطئة، بقدر ما أنها قد لا تكون مناسبة للمرحلة العمرية للطالب، أو أنها ربما تحوي مسائل معقدة وغير مُجمَع عليها، وقد يُساء استخدامها من قبل متطرفين فيوجهونها بالشكل الذي يخدم مصالحهم، فالأفكار كالأدوية، يجب أن تعطى جرعاتها بما يتناسب مع سن المريض، وحالته الصحية، وما يكون منها شفاء في مرحلة قد يكون قاتلا في مرحلة أخرى!
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/03/20